لا أعرف لماذا تتكون فكرة عن المتدين بأنه إما معقد أو متخلف وفي أفضل الحالات يطلق عليه لفظ منغلق ..
لا أدري ما الضابطة التي دعت الأغلبية لتصدر هذا الحكم .. ألا يمكن أن يكون هذا (التخلف) هو إختلاف ! هل يجب أن يكون السلوك الجمعي الفوضوي هو الضابطة للحكم على أهل الدين واتهامهم بالتعقيد والانكماش ..
في مجتمعنا تتغير المفاهيم وتتعدل على وفق ما يقدمه التلفاز .. ولابد لنا من أن نكون مقلدين للصرعات والظواهر الشاذة والدخيلة على مجتمعنا الاسلامي .. حتى وصل الأمر موافقًا لقول الرسول صلى الله عليه وآله :
" كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟ "
وكما نفهم من هذا الحديث أن الرؤيا ستختلف رويدا رويدا وستتغير إلى أن ينظر إلى أهل الدين على أنهم غرباء .. قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله :
" بدأ الإسلام غريباً ، وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء "
من هذه المقدمة لابد أن نفهم بأن الدين هو التنظيم الفني للحياة ومن اعتزل هذا التنظيم فلا يمكن أن يكون قد عاش حياة هنيئة .. قال تعالى : « وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً .. »
ثم أن الرسول صلى الله عليه وآله لم يأمر أبدا بالاعتزال عن الحياة بل على العكس من ذلك حيث أنه قال :
" .. أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكنّي أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوّج النّساء ، فمن رغِبَ ( أعرض ) عن سنّتي فليس منّي .. "
والحرام بحدّ ذاته هو ما يؤدي إلى تسافل الإنسان وانهيار المجتمعات .. ولذلك جاء الدين ليقنّن وينظم ويجعل الحياة مستقيمة ..
وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة لتنظيم الحياة والوصول الى مجتمع مثالي كقوله تعالى : « إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » وغيرها الكثير ..
إذن هو لم يأتي بالمشاق التي تخرج عن طريق الحياة وإنما أتى لينظمها فكيف يكون عزلة عنها ؟!!
فعندما ينعزل الدين عن الحياة نجد المفاسد والانفلات والفوضوية ..
فبالعزلة عن الدين سوف تُغتال الفضيلة ..
وكما عبّر دوستويفسكي :
" لنفرض أن الدين من صنع خيال الإنسان .. إذا لم يوجد الله كان الإنسان هو سيد الأرض ورئيس الكون .. عظيم ! ولكن كيف يكون الإنسان فاضلا بدون الله ؟!
مريم - كربلاء