[ولعل كسْرته بذنبه، وما أحدث له من الذلة والخضوع، والإزراء على نفسه، والتخلص من مرض الدعوى، والكبر والعجب، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس، خاشع الطرف، منكسر القلب = أنفع له، وخير مِن صولة طاعتك، وتكثرك بها والاعتداد بها، والمنة على الله وخلقه بها، فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله! وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المُدِلين، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلا هو فيك ولا تشعر. فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلا هو، ولا يطالعها إلا أهل البصائر، فيعرفون منها بقدر ما تناله معارف البشر، ووراء ذلك ما لا يطلع عليه الكرام الكاتبون، فإن الميزان بيد الله، والحكم لله، ولا يأمَن كَرات القدر وسطوته إلا أهل الجهل بالله].
ابن القيم، مدارج السالكين
ابن القيم، مدارج السالكين