أشار ابن قتيبة في [تأويل مشكل القرآن] إلى مذهب يميل إليه العرب في شعرهم وخطبهم، وهو وضعهم في تضاعيف عالي الكلام وناصعه ما هو دونه في الحسن والبيان، ليستبين للسامع فضله ويظهر ألقه.. ولعل مما يفسّر هذا ما قاله المازني في إحدى مقالاته التي جمعها د.عبد الرحمن، إذ يقول:"لا يخلو كتاب ما من نقص، ولو خلا - وتلك مرتبة لا تنال- لما كان إنسانيا، ولكان خليقا بقارئه أن يحس أن صاحبه ليس من بني الإنسان، وأن ينظر إليه نظرةً فيها رهبة وأن يستوحش من جانبه.
بل أنا أذهب إلى أن من البواعث الخفية على الإعجاب: أن يفطن القارئ إلى مواضع النقص ومواطن الضعف، وأن يحسّ ولو إحساسا غامضا أن الكتاب من الكتب على جلال قدره وعظم شأنه وندرة مثله وعجز الأكثرين عن الإتيان بما يقاربه = لا يخلو من زلّات وعثرات، ووهن هنا وسقوط هناك، أو إسفاف وخمولة، أو قصور أو تقصير، أو غير ذلك مما يجري هذا المجرى ويلحق به.
وهذا الشعور -ولك أن تقول هذه الثقة- من القارئ بأن الكتاب لا يبرأ من العيوب والمآخذ، حتى ولو كان يعييه أن يبيّنها ويضع إصبعه عليها= يحفظ له احترامه لذاته، أو يستبقي له القدر اللازم لحياته من الغرور، ويشعره أن الكاتب مهما سما قريب منه وإنسان مثله، فيهُون عليه أن يوليه الإكبار الذي يستحقه دون أن يشعر بغضاضة من ذلك في نفسه."
وشأن الإنسان في تأثره عجيب، لا يعرف السبيل إليه بقوانين جامدة، وتصورات صلبة، وإنما يستنبط الإنسان من مخالطته الناس ومعاشرتهم: ما يعينه على تبصّر طبع كل فرد بحسبه وما قد يؤثر فيه قياسا على ما رأى وسمع من دقيق أحوالهم ولطيف اختلافهم… وجماع هذا كله الحكمة، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا! وفي ظني أن من هذا الباب وغيره كان اختلاف أساليب العرب وتنوعها.
بل أنا أذهب إلى أن من البواعث الخفية على الإعجاب: أن يفطن القارئ إلى مواضع النقص ومواطن الضعف، وأن يحسّ ولو إحساسا غامضا أن الكتاب من الكتب على جلال قدره وعظم شأنه وندرة مثله وعجز الأكثرين عن الإتيان بما يقاربه = لا يخلو من زلّات وعثرات، ووهن هنا وسقوط هناك، أو إسفاف وخمولة، أو قصور أو تقصير، أو غير ذلك مما يجري هذا المجرى ويلحق به.
وهذا الشعور -ولك أن تقول هذه الثقة- من القارئ بأن الكتاب لا يبرأ من العيوب والمآخذ، حتى ولو كان يعييه أن يبيّنها ويضع إصبعه عليها= يحفظ له احترامه لذاته، أو يستبقي له القدر اللازم لحياته من الغرور، ويشعره أن الكاتب مهما سما قريب منه وإنسان مثله، فيهُون عليه أن يوليه الإكبار الذي يستحقه دون أن يشعر بغضاضة من ذلك في نفسه."
وشأن الإنسان في تأثره عجيب، لا يعرف السبيل إليه بقوانين جامدة، وتصورات صلبة، وإنما يستنبط الإنسان من مخالطته الناس ومعاشرتهم: ما يعينه على تبصّر طبع كل فرد بحسبه وما قد يؤثر فيه قياسا على ما رأى وسمع من دقيق أحوالهم ولطيف اختلافهم… وجماع هذا كله الحكمة، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا! وفي ظني أن من هذا الباب وغيره كان اختلاف أساليب العرب وتنوعها.