Forward from: مقتبسات 📚
وفاء الرجال وجحود النساء
جاءت في كتاب «النظرات» للمنفلوطي قصة بعنوان «غدر المرأة»، وقد ترجمها المنفلوطي عن الموروث اليوناني، وهذا مضمون القصة:
يُحْكَى أن مَلِكاً من ملوك اليونان الأوائل أَحَبَّ زوجته حبّاً شديدا، وكان في منتهى الوفاء لها، ولا يَنظر إلى سواها على كثرة ما حوله من نساء فاتنات، وبلغ حبه لها أنه كلما تذكر أن الموت لا بد أن يفرق بينهما بكى بكاء شديدا، وتَنَغَّصَ عيشُه وبالُه، وكان أكثر ما يَفْجَعُه أن يتخيل أن يموت وتتزوج زوجاً غيره، فكان يَبُثُّها همه هذا، وكانت تطمئنه، وتقسم له أنها لن تكون لغيره مهما حدث، وأنها هي أيضاً مفتونة به، وتحبه أضعافَ ما يُحبها هو، ولا تتخيل أن تستمر بها الحياة دونه فكيف مع غيره، فيطمئن الملك مدة، ثم تعاوده المخاوف بعد حين، وتعود زوجته تطمئنه بالطريقة نفسها.
وفي يوم خرج الملك يتفقد أحوال الرعية، ومر على مقبرة، ورأى فيها امرأة بيدها مروحة يدوية تَهُفُّ بها على قبر رطب، فسألها ماذا تفعل؟ فقالت: إن هذا قبر زوجي، وقد مات اليوم، وكنتُ عاهدتُه ألا أتزوج غيره حتى يجف قبره، ولذا أنا أجففه بهذه المروحة؛ لأن الخاطب الجديد ينتظرني الليلة للزواج، فاستاء الملك منها، وطَرَدَها من المقبرة، وأخذ منها المروحة.
وعاد الملك إلى قصره حزينا، وحكى لزوجته ما شاهده، فغضبتْ كثيرا، وراحت تشتم المرأة وتلعنها، وأخذت منه المروحة ومزقتها ورمتها، ثم اقتربَتْ من الملك، وطمأنته أن النساء مختلفات، وفيهن الوفيات، وفيهن الجَحودات، وأعادتْ عليه عهودها، وحلفَتْ له بأغلظ الأيمان أنها لن تحيا بعده، ولن تفكر مجرد تفكير أن تقترن بسواه هذا لو ظَلَّتْ على قيد الحياة بعده.
وبعد عام مرض الملك، وما حَلَّ الليل إلا وقد فارق الحياة، فبكت زوجته كثيرا، وأَمَرَتْ أن يتركوا جسده في غرفتها حتى الصباح ليدفنوه، ويُعِدُّوا له جنازة تليق به.
وظلَّتْ تبكي وتنوح، وفي هذه الأثناء دخلَتْ عليها خادمتها، وأخبرتْها أن على باب القصر شابّاً من مُحبِّي الملك قد أُغْمِيَ عليه حين علم بوفاته، فأمرتْ خادمتَها بإدخال الشاب إلى غرف الضيافة مع العناية به إكراماً له ولوفائه، وحين أدخلوه جاءت الخادمة وأخبرتها أن الشاب يكاد يلفظ أنفاسه، ويقول كلاماً غريبا، فقامت مع خادمتها لتنظر في أمره، فرأت شابّاً وسيماً لم تَرَ أجمل منه، فرَقَّ له قلبُها، وتعلَّقَتْ به، ووقفَتْ عند رأسه طويلاً تمسح عليه، وتسأله عن دائه، وبعد عناء فَهِمَتْ منه أنه سيموت لا مَحَالَةَ؛ لأن علاجه يصعب إيجاده، فتَعَهَّدَتْ له، وأقسمَتْ بأغلظ الأيمان أنها ستوفر له علاجه لو أخبرها عنه، فذكر لها أن الأطباء أجمعوا على أن علاجه الوحيد هو أن يأكل مُخَّ مَيِّت لم يَمُرَّ على وفاته يوم، فأَطْرَقَتْ وفَكَّرَتْ، وقَدَّمَتْ وأَخَّرَتْ، ثم قالت له: لا تَهْتَمّ، وسأُدَبِّرُ لك علاجَك، فانتظرني حتى أعود.
فدخَلَتْ غرفتَها وهي ترتعد، وفي يدها فأس، ثم كَشَفت الغطاء عن جسد زوجها، ورفَعَت الفأس لتكسر جمجمته، وتأخذ المُخَّ، وبينما هي كذلك إذ نهض الملك من فراشه، وأمسك يدها قبلَ أن تَهْوي بالفأس على رأسه، وقال لها: كانَ كُلُّ ما حَدَثَ من أَمْرِ مَوْتي وَمَرَضِ الشَّابِ اختباراً لكِ، وقد تَبَيَّنَ ليَ الآنَ أن المروحةَ في يَدِ تلكَ المرأةِ أَلْطَفُ من الفَأْسِ في يَدِكِ!
وكانت نهايتُها المُرَوِّعة دَرْساً بليغاً لكل رجل وَفِيّ كان يظن الوفاء طبيعة في كل النساء.
جاءت في كتاب «النظرات» للمنفلوطي قصة بعنوان «غدر المرأة»، وقد ترجمها المنفلوطي عن الموروث اليوناني، وهذا مضمون القصة:
يُحْكَى أن مَلِكاً من ملوك اليونان الأوائل أَحَبَّ زوجته حبّاً شديدا، وكان في منتهى الوفاء لها، ولا يَنظر إلى سواها على كثرة ما حوله من نساء فاتنات، وبلغ حبه لها أنه كلما تذكر أن الموت لا بد أن يفرق بينهما بكى بكاء شديدا، وتَنَغَّصَ عيشُه وبالُه، وكان أكثر ما يَفْجَعُه أن يتخيل أن يموت وتتزوج زوجاً غيره، فكان يَبُثُّها همه هذا، وكانت تطمئنه، وتقسم له أنها لن تكون لغيره مهما حدث، وأنها هي أيضاً مفتونة به، وتحبه أضعافَ ما يُحبها هو، ولا تتخيل أن تستمر بها الحياة دونه فكيف مع غيره، فيطمئن الملك مدة، ثم تعاوده المخاوف بعد حين، وتعود زوجته تطمئنه بالطريقة نفسها.
وفي يوم خرج الملك يتفقد أحوال الرعية، ومر على مقبرة، ورأى فيها امرأة بيدها مروحة يدوية تَهُفُّ بها على قبر رطب، فسألها ماذا تفعل؟ فقالت: إن هذا قبر زوجي، وقد مات اليوم، وكنتُ عاهدتُه ألا أتزوج غيره حتى يجف قبره، ولذا أنا أجففه بهذه المروحة؛ لأن الخاطب الجديد ينتظرني الليلة للزواج، فاستاء الملك منها، وطَرَدَها من المقبرة، وأخذ منها المروحة.
وعاد الملك إلى قصره حزينا، وحكى لزوجته ما شاهده، فغضبتْ كثيرا، وراحت تشتم المرأة وتلعنها، وأخذت منه المروحة ومزقتها ورمتها، ثم اقتربَتْ من الملك، وطمأنته أن النساء مختلفات، وفيهن الوفيات، وفيهن الجَحودات، وأعادتْ عليه عهودها، وحلفَتْ له بأغلظ الأيمان أنها لن تحيا بعده، ولن تفكر مجرد تفكير أن تقترن بسواه هذا لو ظَلَّتْ على قيد الحياة بعده.
وبعد عام مرض الملك، وما حَلَّ الليل إلا وقد فارق الحياة، فبكت زوجته كثيرا، وأَمَرَتْ أن يتركوا جسده في غرفتها حتى الصباح ليدفنوه، ويُعِدُّوا له جنازة تليق به.
وظلَّتْ تبكي وتنوح، وفي هذه الأثناء دخلَتْ عليها خادمتها، وأخبرتْها أن على باب القصر شابّاً من مُحبِّي الملك قد أُغْمِيَ عليه حين علم بوفاته، فأمرتْ خادمتَها بإدخال الشاب إلى غرف الضيافة مع العناية به إكراماً له ولوفائه، وحين أدخلوه جاءت الخادمة وأخبرتها أن الشاب يكاد يلفظ أنفاسه، ويقول كلاماً غريبا، فقامت مع خادمتها لتنظر في أمره، فرأت شابّاً وسيماً لم تَرَ أجمل منه، فرَقَّ له قلبُها، وتعلَّقَتْ به، ووقفَتْ عند رأسه طويلاً تمسح عليه، وتسأله عن دائه، وبعد عناء فَهِمَتْ منه أنه سيموت لا مَحَالَةَ؛ لأن علاجه يصعب إيجاده، فتَعَهَّدَتْ له، وأقسمَتْ بأغلظ الأيمان أنها ستوفر له علاجه لو أخبرها عنه، فذكر لها أن الأطباء أجمعوا على أن علاجه الوحيد هو أن يأكل مُخَّ مَيِّت لم يَمُرَّ على وفاته يوم، فأَطْرَقَتْ وفَكَّرَتْ، وقَدَّمَتْ وأَخَّرَتْ، ثم قالت له: لا تَهْتَمّ، وسأُدَبِّرُ لك علاجَك، فانتظرني حتى أعود.
فدخَلَتْ غرفتَها وهي ترتعد، وفي يدها فأس، ثم كَشَفت الغطاء عن جسد زوجها، ورفَعَت الفأس لتكسر جمجمته، وتأخذ المُخَّ، وبينما هي كذلك إذ نهض الملك من فراشه، وأمسك يدها قبلَ أن تَهْوي بالفأس على رأسه، وقال لها: كانَ كُلُّ ما حَدَثَ من أَمْرِ مَوْتي وَمَرَضِ الشَّابِ اختباراً لكِ، وقد تَبَيَّنَ ليَ الآنَ أن المروحةَ في يَدِ تلكَ المرأةِ أَلْطَفُ من الفَأْسِ في يَدِكِ!
وكانت نهايتُها المُرَوِّعة دَرْساً بليغاً لكل رجل وَفِيّ كان يظن الوفاء طبيعة في كل النساء.