لم أزل منذ فتح الله على الاشتغال بعلم الشريعة, وفهم ما ذكرت من الاتفاق والاختلاف ودلالات الكتب والسنة, مهتما بجمع كتاب يجمع ذلك أو يقاربه, توفيقا من الله تعالى لمعاودة الأمر الأول, وهو ما كان عليه الأئمة المتقدمون من استنباط الأحكام من الأصلين مستظهرين بأقوال السلف فيها طلبا لفهم معانيها, ثم يصار إلى الراجح منها بطريقة وددت لو كان كفاني ذلك غيري ممن هو في زمني, أو وجدت أحدا من أصحابنا فعله قبلي, بل دأب كل مصنف من أصحابنا ومن غيرهم التعصب لمذهبه وترجيح قول إمامه في كل ما أتى به, وكان الواجب على الجميع نظرهم بعين الإنصاف, في كل ما وقع فيه الاختلاف, والصيرورة إلى القول الراجح وهو الأقرب إلى ما دل عليه الأصلان الكتاب والسنة, فيزول الخلاف في كثير من المسائل, ولا يبقى منها إلا القليل".
أبو شامة المقدسي ( ت ٦٦٥ )