في نفس الوقت الذي كانت تبكي فيه أمهات الأطفال الذين كان يذبحهم فرعون، كان القضاء الإلهي قد تمّ في السماء بعكس ما توحيه الصورة المشاهدة.
وكان القضاء هو: ﴿ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين . ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون﴾
ولكنه لم يجرِ على قياس شعور المقهورين الذين يريدون للمشهد أن ينتهي في لحظة،
بل جرى على ميزان الله وسنته وحكمته،
فهيأ الله الأسباب،
وخلق موسى،
ونجّاه من الذبح،
وربّاه في قصر فرعون،
وهيأه وصنعه على عينه،
وابتلاه ليقوّمه،
ورعاه في غربته،
ثم بعثه في وجه الظالم الطاغية:
(اذهب إلى فرعون إنه طغى)
وكان مضمون الرسالة أمرين:
١- الهداية إلى عبادة الله: {وأهديك إلى ربّك فتخشى}
٢- تحرير المستضعفين: {أرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم}
فكذب فرعون وأبى،
وأدبر يسعى فحشر فنادى،
"فقال أنا ربكم الأعلى"
ثم جاء يوم الزينة، وظهر الحق،
فلم يرجع، واستمر في طغيانه،
وقتَل وصَلَب، وهدّد وأوعد،
ثم رجع إلى قتل الأطفال مرة أخرى،
ورجع المستضعفون إلى الألم فقالوا لموسى {أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا}
والله يحلم على الطاغية، وعلى قومه، قبل أن يأخذهم أخذاً لا نجاة بعده إلى الأبد،
فأخذهم بعذاب يسير تذكيراً وموعظة: (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون)
فأبوا.
وحينها جاء عذاب الله وبأسه الذي لا يُرد عن القوم المجرمين: {فلمّا آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين}
وتحقَّقَ القضاء السابق للمستضعفين: {وأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها} بعد عقود أليمة طويلة في ميزان المستضعفين، ولكنها قريبة في ميزان الله.
وفي هذه القصة عبر ودروس وفوائد ينبغي علينا اعتبارها.
والنتيجة: أنه كما كان الله قد قضى للمستضعفين بوراثة الأرض في زمن موسى ﷺ في الوقت الذي كان أطفالهم يذبحون ويقتلون؛ فإني لا أشك والله، أن الوراثة القادمة هي لهذه الأمة المستضعفة اليوم، إذا هي اتّقَت صبرت وأدت ما عليها وتبرأت من منافقيها.
"يا أيها الذين آمنوا
من يرتد منكم عن دينه
فسوف يأتي الله بقوم
يحبهم ويحبونه
أذلة على المؤمنين
أعزة على الكافرين
يجاهدون في سبيل الله
ولا يخافون لومة لائم"