وتعلمون -رضي الله عنكم-: أنّ ما دون هذه القصية مِن الحوادث يقع فيها من اجتهاد الآراء واختلاف الأهواء وتنوع أحوال أهل الإيمان وما لا بد منه -من نزغات الشيطان- ما لا يتصور أنْ يعرى عنه نوع الإنسان. وقد قال تعالى: (لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)[الأحزاب:73]بل أنا أقول ما هو أبلغ من ذلك - تنبيها بالأدنى على الأعلى وبالأقصى على الأدنى - فأقول: تعلمون كثرة ما وقع في هذه القضية مِن الأكاذيب المفتراة، والأغاليط المظنونة، والأهواء الفاسدة، وأنّ ذلك أمر يجل عن الوصف، وكل ما قيل: من كذب وزور فهو في حقنا خير ونعمة. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور:11]، وقد أظهر الله من نور الحق وبرهانه ما رد به إفك الكاذب وبهتانه. فلا أحبّ أنْ ينتصر مِن أحد بسبب كذبه علي أو ظلمه وعدوانه فإني قد أحللت كل مسلم.
وأنا أحب الخير لكل المسلمين، وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي، والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي، وأما ما يتعلق بحقوق الله فإنْ تابوا تاب الله عليهم، وإلا فحكم الله نافذ فيهم، فلو كان الرجل مشكورا على سوء عمله لكنت أشكر كل مَن كان سببا في هذه القضية؛ لما يترتب عليه مِن خير الدنيا والآخرة؛ لكن الله هو المشكور على حسن نعمه وآلائه وأياديه التي لا يقضى للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، وأهل القصد الصالح يشكرون على قصدهم، وأهل العمل الصالح يشكرون على عملهم، وأهل السيئات نسأل الله أن يتوب عليهم.
وأنتم تعلمون هذا من خُلُقي، والأمر أزيد ممّا كان وأوكد؛ لكنّ حقوق الناس بعضهم مع بعض وحقوق الله عليهم هم فيها تحت حكم الله، وأنتم تعلمون أنّ الصديق الأكبر في قضية الإفك التي أنزل الله فيها القرآن حَلَف لا يصل مسطح بن أثاثة؛ لأنه كان مِن الخائضين في الإفك، فأنزل الله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )[النور:22] فلما نزلت قال أبو بكر: "بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي". فأعاد إلى مسطح النفقة التي كان ينفق.
ومع ما ذكر من العفو والإحسان وأمثاله وأضعافه، والجهاد على ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة أمر لا بد منه (وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة:56].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما.
المرجع: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (28/52-56)
https://t.me/Ghaliabomouaad
وأنا أحب الخير لكل المسلمين، وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي، والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي، وأما ما يتعلق بحقوق الله فإنْ تابوا تاب الله عليهم، وإلا فحكم الله نافذ فيهم، فلو كان الرجل مشكورا على سوء عمله لكنت أشكر كل مَن كان سببا في هذه القضية؛ لما يترتب عليه مِن خير الدنيا والآخرة؛ لكن الله هو المشكور على حسن نعمه وآلائه وأياديه التي لا يقضى للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، وأهل القصد الصالح يشكرون على قصدهم، وأهل العمل الصالح يشكرون على عملهم، وأهل السيئات نسأل الله أن يتوب عليهم.
وأنتم تعلمون هذا من خُلُقي، والأمر أزيد ممّا كان وأوكد؛ لكنّ حقوق الناس بعضهم مع بعض وحقوق الله عليهم هم فيها تحت حكم الله، وأنتم تعلمون أنّ الصديق الأكبر في قضية الإفك التي أنزل الله فيها القرآن حَلَف لا يصل مسطح بن أثاثة؛ لأنه كان مِن الخائضين في الإفك، فأنزل الله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )[النور:22] فلما نزلت قال أبو بكر: "بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي". فأعاد إلى مسطح النفقة التي كان ينفق.
ومع ما ذكر من العفو والإحسان وأمثاله وأضعافه، والجهاد على ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة أمر لا بد منه (وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة:56].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما.
المرجع: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (28/52-56)
https://t.me/Ghaliabomouaad