أن تدرك أن هذا العالم أصغر وأضيق بكثير من كل أحلامك. أن تدرك أن مصروفك الضئيل في صغرك كان يسعدك أكثر بكثير من راتبك الشهري اليوم الذي يزيد عليهِ بأكثر من مائة ضعف ،أن تدرك أن سذاجة طفولتك المغيبة لك عن كل شر تظل أحب إلى نفسك من كُل العلوم وكُل الحقائق وكُل التجارب وكُل الفلسفات التي وعيت عليها في كبرك. أن تدرك أن آلام يقظتك ستطاردك في منامك، وتعاسات منامك ستكدر عليك يقظتك، حتى لا تعود تدري أيهما شر من صاحبهِ. أن تدرك أنك تمضي بأثبت الخطى وأوثقها إلى هرمك، إلى عجزك، إلى وهنك، إلى وحدتك، إلى فنائك. أن تدرك أنك عاجز تماما عن إيقاف قطار الحياة، بكل صخبه، بكل ازدحامه، بكل ضجيجه، ولو للحظة واحدة، تستريح فيها، لا من شيء سوى الحياة نفسها. أن تدرك كل ذلك هو نوع عميق جدًا من وضوح الإدراك، وهو الإكتئاب نفسه .