"نحن الذين لا نقول كلاماً مهمّاً بالعادة، طبعاً بالنّسبة للمثقفين والسياسيّين وأصحاب الشّأن الكِبار، نبحَث عن أحلامنا في الرّكام، منشغلون بأشياء صغيرة -قد تكون تافهة- لكنّها تهمَنا. نحن الذين نفتح أعيننا كلّ صباح على أحداث أكبر منّا جميعاً، وفي آخر النّهار نُلام، نحن، سلسلة غير منتهية من البشَر المنتهية صلاحيتهم في مقياس هذا العالم للبشر.
ليس مهمّاً أن تُبرّر، أن تُبدِيَ استياءك، أن تُرحّب، أن تُعرِبَ عن اطمئنانك وسلامك، ليس مهمّاً البتّة، إنّك فقط تُسرِف في استخدام طاقتك فيما لا يُفيد، كُلّنا فعلنا ذلك يوماً، لكنّنا وبعد مضيّ ما مضى اكتشفنا كم كُنّا متسمّرين في أماكننا نُكثر اللغو فيما كان بإمكاننا أن نجعلها أماكننا بالصمت.
في خرَاب هذا العالم يا صديقي أصبحت أُتقن عدداً من المهارات أوّلها التراجع إلى الخلف، أصبحت أجيدُ ضحكتي الصغيرة في كوب الشاي، في أغنية لم أفهم كلماتها لكن لحنها كان رائقاً جداً، في نكتة سامجة من صديقٍ جُل ما يصنعه أنه يتذكر نكاته السامجة، في إقحام الابتسامة على وجه من أحب، في وجه الطّبيب العجوز الذي لم يملّ منذ خمسين عاماً الكلمة الحلوة، أنا في خَراب هذا العالم أصبحت أعرف مساحتي الضيقة واكتفيت بأن أحاول تزيينها بيدي."