في مثلِ هذهِ الأيّام من العام 2018 وتحديداً اﻷيّام
9/4/2018
10/4/2018
11/4/2018
غادرونا أُناسٌ كانوا وما زالوا دواءً ﻷرواحِنا وأماناً لقلوبِنا وعزٌّ لنفوسِنا
قضوا معنا أقسى الظُّروفِ وأقسى اﻷيّام
عاشوا معنا سنينَ الحربِ السَّبعةِ بأكملِها
ظُلِمُوا معنا كما ظُلِمْنا حُوصِرُوا معنا كما حُوصِرنا قُصِفُوا معنا كما قُصِفنا ذَاقُوا اﻷمرَّينِ معنا كما ذُقْنا لم يبقَ بلاءٌ أصابَهم إلَّا وأصابَنا
ومع كلِّ هذا كنَّا راضينَ بقضاءِ اللهِ وقدرهِ كنَّا نحمدُ اللهَ في كلِّ صباحٍ وفي كلِّ مساءٍ وفي كلِّ حينٍ أنَّنا مازلنا على قيدِ الحياة
كنَّا رُغمَ القصفِ والظُّلمِ والحصارِ والجوعِ نُضحِكُ أنفسنا ونُحاولُ أن نَتناسى ما حولنا وأن نُبعدَ أنفسنا عن هذا الواقعِ المريرِ فتنزِلُ بالقُربِ منَّا نازِلةٌ تُعيدُنا إلى واقعنا البائس فنعودُ صابرينَ نُحاول مجدَّداً نسيانَ ما حلَّ بنا
نَنفضُ الغبارَ عن وجوهنا وملابسنا ونهُمُّ بتنظيفِ ما حولنا كنَّا نُنظِّفُ اﻷرضَ والفِراشَ وأواني الطَّعامِ واﻷطفالَ أيضاً من غبارِ القصفِ كلَّ ساعةٍ وعندما كنَّا نُعدُّ الطَّعامَ ونريدُ تحريكَهُ أو إضافةَ الملحِ أو ما شابه كنَّا نرفعُ غطاءَ الطَّنجرةِ بسرعةٍ ونعيدهُ بسرعةٍ قبلَ أن يصيبَهُ بَحصٌ ورِمالٌ وغبارٌ وربَّما زجاجٌ أيضاً
كنَّا بعدَ كل حادثةٍ ونازلةٍ نتفقَّدُ من حولنا لِنرى إن كانَ هناكَ مُصابينَ أو جرحى
وكنَّا وكنَّا وكنَّا.........
لن تكفي الحروفُ لِتصفَ الواقعَ الَّذي عِشناه ولن تكفي تعابيرُ الُّلغاتِ كلِّها لِوصفِ مشاعرِنا في تلكِ الفترة ولن تتَّسِعَ الكتبُ ولا الصَّفحاتُ لِتسجيلِ ما مرَّ بنا ..
فقط مَنْ عاشَ ما عِشناه وذاقَ ما ذُقناه هو فقط مَنْ سيشعرُ بنا وهو فقط مَنْ سيفهمُ ما كتبتُه وهو فقط مَنْ سيستذكرُ المشاهدَ كلَّها في كلِّ جُملةٍ كتبتُها هو فقط مَنْ سيعلمُ كيفَ كنَّا وكيفَ صِرنا وماذا حلَّ بنا هو فقط سيعلمُ أنَّ ما أصابنا لم يكنْ لِيُخطِئَنا وما أخطأَنا لم يكنْ لِيُصيبَنا هو فقط مَنْ يعلم أنَّ ما عِشناهُ سابقاً كانَ لِضبطِ أنفسِنا وتدريبِها ولِشَحذِ هِمَمنا وتقويتِها ولِرُجوعِنا لِربِّنا والالتجاءِ إليهِ وَحده
أنتَ يامَنْ تَقرأُ كلماتي اﻵن .. نعم أنت .. أقصدُكَ أنتَ بالذَّات .. مَنْ كنتَ وربَّما مازلتَ تعيشُ هذهِ المأساة ..
هل تذكرُ كيفَ كنَّا نَقضي أوقاتنا؟!
هل تذكرُ كيفَ كنَّا نستودِعُ اللهَ مَنْ يخرجُ مِن بابِ المنزلِ لِيُحضرَ الخبزَ إن وجده؟ وكيفَ كنَّا نُسلِّمُ أمرنا للهِ ونرجوا اللهَ أن يعودَ إلينا حيَّاً؟!
هل تذكر؟!!!!
هل تذكرُ كيفَ كنّا نذهبُ إلى المدرسةِ ونحنُ نضعُ أرواحنا في أيدينا؟!
هل تذكرُ كيفَ فقدنا أصدقاءَ شاركونا مقاعدَ الدِّراسةِ بِشظيَّة؟!
هل تذكرُ كيفَ كنَّا ننامُ في الملاجئ خوفاً مِن غدرِ الصَّواريخِ والقَذائف؟!
هل تذكرُ كيفَ كانَ اﻷطفالُ يصبرونَ على الجوعِ أكثرَ منَّا؟ وكيفَ كانوا يَثِقونَ بِقُدرةِ اللهِ ويعلمونَ أنَّ اللهَ سَيُنقذُنا في النِّهاية؟ وكيفَ أنَّهم كانوا يعلمونَ أنَّ الموتَ حقٌّ وأنَّهُ شهادةٌ حينها؟!
هل تذكر؟!!!!
هل تذكرُ كيفَ تكالبَت علينا اﻷممُ حينها ومازالت_إلَّا مَنْ رَحِمَ ربِّي_؟!
هل تذكرُ كيفَ كانَ ومازالَ يُنظَرُ إلينا؟!
أنتَ تذكرُ هذا كلَّهُ أليسَ كذلك؟! وتذكرُ أيضاً أشياءَ لا أستطيعُ ذكرها ولا يمكنُ أن تُقال وأشياءَ منَ المُستحيلِ أن تكفيها كتبُ التَّاريخِ كلِّها لِتُكتَب
نعم تذكر وكلُّنا نذكر .. وكلُّنا نَدعوا بعدَ هذهِ الذِّكرى المؤلمة نفسَ الدُّعاء "تنذكر وما تنعاد هديك اﻷيّام..الله لا يدوقها لمسلم"
أجل ما ذُقناهُ لم تذقهُ أمَّةٌ قط
نحنُ أمَّةُ النَّبيِّ مُحمَّد ﷺ نحنُ خيرُ أمَّةٍ أُخْرِجَت للنَّاس
ورثنا بلاءنا من نبيِّنا مُحمَّد ﷺ فهذا واللهِ شرفٌ لنا فالابتلاءُ مِيراثُ اﻷنبِياء
-نعم وماذا بعدَ كلِّ هذا؟
-بعدَ كلِّ هذا غادرونا أحبابنا مُجبرين ..
أُخرِجوا من ديارهم وهُجِّروا رُغماً عنهم
فلا بأس .. أجل لا بأس
لا يسَعُنا أن نقولَ سِوى الحمدُ للهِ ثمَّ الحمدُ للهِ ثمَّ الحمدُ للهِ أنَّنا تجاوزنا بفضلِ اللهِ سبحانه
الحمدُ للهِ أنَّنا صبرنا ومازلنا صابرين
الحمدُ للهِ أنَّنا أيقنَّا ومازلنا موقنينَ بفرجِ الله
فأرجو منَ اللهِ أن نتجاوزَ بقيَّةَ هذا قريباً بإذنِ الله
وأسألهُ سبحانهُ أن يلُمَّ شَمْلنا قريباً وأن يُثْلِجَ صُدورنا بلقاءِ أحبابِنا ومُغتَربينا وأن يُكرمنا بفرجٍ عاجلٍ يعُمُّ بلادنا وسائرَ بلادِ المسلمين
وأرجوهُ أنْ يرُدَّهم إلينا بخيرٍ وسلامة وبعزٍّ وكرامة قريباً عاجلاً من غيرِ ضرَّاءَ مُضرَّة ولا فتنةٍ مُضلَّة
دمتُم أحبَّتي في حفظِ اللهِ ورِعايتِهِ.
🌸 أختكم في الله: تقى 🌸
@alhomsi20في: 10/4/2020 الجمعة 10:00PM