✿ قصة من عالم البرزخ ✿
♡ رحلة البقاء ♡
🔻 الجزء الثاني 🔻
..ما أن وصلت حتى حملت مرتضى وذهت به إلى إحدى الحدائق العامة ذات الخضرة الجميلة وتحت السماء الزرقاء الصافية، حينئذ أعطيته كرته لينشغل باللعب بها، أما أنا فقد أخرجت ورقة وقلما لأكتب ما يجب فعله من اجل الخلاص من المتعلقات المتشابكة التي طوقت بها عنقي، فكان من ضمن ما قررت عليه مصارحة مسؤول الشركة بما اطلعت عليه بشأن جمال، كذلك بيع ما زاد عن الحاجة في البيت لتسديد الصكوك، وغيرها من الأعمال التي قررت إتمامها غدا إن شاء الله، عندها قلت في نفسي ما احسن أن يكون الإنسان خفيف ثقله مستعد لسفره من هذه الدنيا، ليكون ثقيل الميزان في الآخرة، فلو جاءني الموت هذه اللحظة بماذا أجيب ربي، ومن يقضي عني ديوني و ... ووسط هذه الأفكار وإذا بصوت مرتضى ينادي بعد أن احس بالتعب من اللعب مع الأطفال الذين كانوا في الحديقة:
ــ بابا، بابا لقد تعبت من اللعب.
ــ تعال هنا ياعزيزي.
أسرع راكضا نحوي وضممته إلى صدري
فقال:
ــ أريد ماما، لماذا لم تأت معنا، أريد ماما۔
ــ عزيزي إن أمك ذهبت ولن تعود.
ــ أين ذهبت؟
لا ادري بماذا أجيبه ليتناسب مع سنه وسؤاله، فقلت:
ــ عزيزي إن أمك ذهبت إلى عالم آخر لتعيش هناك بجوار الله الذي كانت تصلي له يوميا، وكنت أنت تأتي لتلعب بمسبحتها على السجادة، هل تذكر ذلك؟
لقد كان موقفا عجيبا صدر منه ترك أثرا عميقا في نفسي لا أظن أن صورته يوما ما ستنمحي من ذاكرتي، إنها صورة مرتضى عندما أثنى رقبته ونظر إلى الأرض، وبدأت قطرات دموعه تسيل على خديه دون أن يصرخ أو يصدر منه أي صوت آخر.
ذهبنا للصلاة في مسجد قريب من الحديقة العامة، وبعد أدائها أحسست أن صلاتي هذه المرة تختلف عما قبلها، فتساءلت في نفسي لماذا انقضى عمري وأنا لم أحس بطعمها إلا هذه المرة، أترى أنها كانت غير مقبولة عند ربي؟ أم أنها لم تكن كاملة؟ فيا ويلاه ماذا عن صلاتي السابقة، وهل هي في محل قبول عند الحق تعالى، أم أنها مردودة على رأسي؟
وتساءلت مرة أخرى: إذا كانت صلاتي هذه المرة صلاة مودع للدنيا، فلماذا لم تكن كذلك قبل هذا الوقت؟
ألم أكن أعلم أنني مودع لها يوما ما، فان لم يكن اليوم فغدا أو بعد غد ...
وتلوح في الأفق أمامي كلمات الأمام زين العابدين(عليه السلام) التي كنت كثيرا ما اقرأها في دعاء أبي حمزة الثمالي كلما تضيق الدنيا بي وأحس بخوف واضطراب لما سيؤول إليه مصيري، فاقتبس نور الأمل منها خصوصا عندما يقول: (فاعطني من عفوك بمقدار أملي ولا تؤاخذني بأسوأ عملي، فإن كرمك يجل عن مجازاة المذنبين، وحلمك يكبر عن مكافاة المقصرين)، أو عندما يقول: (الهي إن أدخلتني النار ففي ذلك سرور عدوك، وان أدخلتني الجنة ففي ذلك سرور نبيك، وأنا والله اعلم أن سرور نبيك أحب إليك من سرور عدوك).
ذات مرة استحضرت هذه الكلمات في قلبي وأسكنتها فيه، أحسست بشيء من الراحة والطمأنينة، وكأن جيوش الرحمن قد حلت، ورايات الأمل أضاءت،
وبينما انا في حديقة المنزل وإذا بجرس التلفون يدق، أسرعت إليه، ورفعت سماعته لأسمع صوت مدير الشركة وهو يقول بعد أن حياني بتحية الإسلام:
ــ مهندس سعيد، أردت أن أسألك عن السقف الخامس للمبنى رقم 60 هل هو حاضر للصب غدا؟
ــ هناك نواقص قليلة فيه، لكن يمكن إصلاحها غدا ان شاء الله، وسأكون قبل الظهر هناك لأشرف بنفسي على إتمامها.
واثناء حديثهم طلب سعيد منه أن يلتقي معه اليوم بشأن جمال الذي يشتغل معه في الشركة والسرقات التي يقوم بها وغيرها من الأعمال التي لا يرضى الله عنها كي يزيح هذا الثقل عن قلبه ويصفي نفسه من كل هذه الشوائب التي يمقتها الله سبحانه وتعالى، ذهب سعيد الى مدير الشركة وصارحه بكل شئ وأحس أن هذا الثقل أخذ يخف عنه شيئا فشيئا، بادره مدير الشركة قائلا:
ــ لكن لماذا لم تصارحني بذلك قبل هذا الوقت؟
ــ كنت أتأمل منه أن يعود إلى رشده ويعيد الأموال إلى محلها كما كان يعد بذلك بين مدة وأخرى، ويلمح على أنها قرض لا أكثر، وله صلاحية التصرف بها.
ــ أنه سيأتي غدا قبل الظهر إلى المبنى رقم 60، أرجو أن لا تكلمه بشيء عن حديثا هذا، فأني أعلم كيف سأتصرف معه.
وبينما أنا في دوامة الفكر هذه وإذا بأمر يخطر على ذهني.. أنا شكوت لإمام الجمعة الحجب التي تمنعني من الوصول إلى الله، وقد علمت الأن أنه لم يتركني دون جواب عن عدم مبالات منه، بل أراد لي معرفة الطريق بنفسي، وقد لمست الآن أن الوصول الى الله والدنو منه لا يكون إلا بالتحرر من تبعات الدنيا ومادياتها والتزود بزاد التقوى للرحيل اليه...
آه لماذا كل هذه الحجب قد وضعتها أمامي، فهي كالسد الشامخ الذي يمنع الحقيقة أن تظهر بوجهها النوراني، لا ادري لماذا يصنع الإنسان شقاوته بيده ليعيش الدنيا في ظلمات الحيرة والضلال والحرص والغضب، ولا يذوق السعادة حتى لقطرة منها، بل الأكبر من ذلك لماذا يفشل الإنسان في معبر قصير، ونعيم الأبد ينتظره، ولماذا يقدم الإنسان بنفسه. إلى جهنم كان يعلم أنها أمامه... أه لماذا كنت هكذا ولم أذق السعادة إلا هذه
♡ رحلة البقاء ♡
🔻 الجزء الثاني 🔻
..ما أن وصلت حتى حملت مرتضى وذهت به إلى إحدى الحدائق العامة ذات الخضرة الجميلة وتحت السماء الزرقاء الصافية، حينئذ أعطيته كرته لينشغل باللعب بها، أما أنا فقد أخرجت ورقة وقلما لأكتب ما يجب فعله من اجل الخلاص من المتعلقات المتشابكة التي طوقت بها عنقي، فكان من ضمن ما قررت عليه مصارحة مسؤول الشركة بما اطلعت عليه بشأن جمال، كذلك بيع ما زاد عن الحاجة في البيت لتسديد الصكوك، وغيرها من الأعمال التي قررت إتمامها غدا إن شاء الله، عندها قلت في نفسي ما احسن أن يكون الإنسان خفيف ثقله مستعد لسفره من هذه الدنيا، ليكون ثقيل الميزان في الآخرة، فلو جاءني الموت هذه اللحظة بماذا أجيب ربي، ومن يقضي عني ديوني و ... ووسط هذه الأفكار وإذا بصوت مرتضى ينادي بعد أن احس بالتعب من اللعب مع الأطفال الذين كانوا في الحديقة:
ــ بابا، بابا لقد تعبت من اللعب.
ــ تعال هنا ياعزيزي.
أسرع راكضا نحوي وضممته إلى صدري
فقال:
ــ أريد ماما، لماذا لم تأت معنا، أريد ماما۔
ــ عزيزي إن أمك ذهبت ولن تعود.
ــ أين ذهبت؟
لا ادري بماذا أجيبه ليتناسب مع سنه وسؤاله، فقلت:
ــ عزيزي إن أمك ذهبت إلى عالم آخر لتعيش هناك بجوار الله الذي كانت تصلي له يوميا، وكنت أنت تأتي لتلعب بمسبحتها على السجادة، هل تذكر ذلك؟
لقد كان موقفا عجيبا صدر منه ترك أثرا عميقا في نفسي لا أظن أن صورته يوما ما ستنمحي من ذاكرتي، إنها صورة مرتضى عندما أثنى رقبته ونظر إلى الأرض، وبدأت قطرات دموعه تسيل على خديه دون أن يصرخ أو يصدر منه أي صوت آخر.
ذهبنا للصلاة في مسجد قريب من الحديقة العامة، وبعد أدائها أحسست أن صلاتي هذه المرة تختلف عما قبلها، فتساءلت في نفسي لماذا انقضى عمري وأنا لم أحس بطعمها إلا هذه المرة، أترى أنها كانت غير مقبولة عند ربي؟ أم أنها لم تكن كاملة؟ فيا ويلاه ماذا عن صلاتي السابقة، وهل هي في محل قبول عند الحق تعالى، أم أنها مردودة على رأسي؟
وتساءلت مرة أخرى: إذا كانت صلاتي هذه المرة صلاة مودع للدنيا، فلماذا لم تكن كذلك قبل هذا الوقت؟
ألم أكن أعلم أنني مودع لها يوما ما، فان لم يكن اليوم فغدا أو بعد غد ...
وتلوح في الأفق أمامي كلمات الأمام زين العابدين(عليه السلام) التي كنت كثيرا ما اقرأها في دعاء أبي حمزة الثمالي كلما تضيق الدنيا بي وأحس بخوف واضطراب لما سيؤول إليه مصيري، فاقتبس نور الأمل منها خصوصا عندما يقول: (فاعطني من عفوك بمقدار أملي ولا تؤاخذني بأسوأ عملي، فإن كرمك يجل عن مجازاة المذنبين، وحلمك يكبر عن مكافاة المقصرين)، أو عندما يقول: (الهي إن أدخلتني النار ففي ذلك سرور عدوك، وان أدخلتني الجنة ففي ذلك سرور نبيك، وأنا والله اعلم أن سرور نبيك أحب إليك من سرور عدوك).
ذات مرة استحضرت هذه الكلمات في قلبي وأسكنتها فيه، أحسست بشيء من الراحة والطمأنينة، وكأن جيوش الرحمن قد حلت، ورايات الأمل أضاءت،
وبينما انا في حديقة المنزل وإذا بجرس التلفون يدق، أسرعت إليه، ورفعت سماعته لأسمع صوت مدير الشركة وهو يقول بعد أن حياني بتحية الإسلام:
ــ مهندس سعيد، أردت أن أسألك عن السقف الخامس للمبنى رقم 60 هل هو حاضر للصب غدا؟
ــ هناك نواقص قليلة فيه، لكن يمكن إصلاحها غدا ان شاء الله، وسأكون قبل الظهر هناك لأشرف بنفسي على إتمامها.
واثناء حديثهم طلب سعيد منه أن يلتقي معه اليوم بشأن جمال الذي يشتغل معه في الشركة والسرقات التي يقوم بها وغيرها من الأعمال التي لا يرضى الله عنها كي يزيح هذا الثقل عن قلبه ويصفي نفسه من كل هذه الشوائب التي يمقتها الله سبحانه وتعالى، ذهب سعيد الى مدير الشركة وصارحه بكل شئ وأحس أن هذا الثقل أخذ يخف عنه شيئا فشيئا، بادره مدير الشركة قائلا:
ــ لكن لماذا لم تصارحني بذلك قبل هذا الوقت؟
ــ كنت أتأمل منه أن يعود إلى رشده ويعيد الأموال إلى محلها كما كان يعد بذلك بين مدة وأخرى، ويلمح على أنها قرض لا أكثر، وله صلاحية التصرف بها.
ــ أنه سيأتي غدا قبل الظهر إلى المبنى رقم 60، أرجو أن لا تكلمه بشيء عن حديثا هذا، فأني أعلم كيف سأتصرف معه.
وبينما أنا في دوامة الفكر هذه وإذا بأمر يخطر على ذهني.. أنا شكوت لإمام الجمعة الحجب التي تمنعني من الوصول إلى الله، وقد علمت الأن أنه لم يتركني دون جواب عن عدم مبالات منه، بل أراد لي معرفة الطريق بنفسي، وقد لمست الآن أن الوصول الى الله والدنو منه لا يكون إلا بالتحرر من تبعات الدنيا ومادياتها والتزود بزاد التقوى للرحيل اليه...
آه لماذا كل هذه الحجب قد وضعتها أمامي، فهي كالسد الشامخ الذي يمنع الحقيقة أن تظهر بوجهها النوراني، لا ادري لماذا يصنع الإنسان شقاوته بيده ليعيش الدنيا في ظلمات الحيرة والضلال والحرص والغضب، ولا يذوق السعادة حتى لقطرة منها، بل الأكبر من ذلك لماذا يفشل الإنسان في معبر قصير، ونعيم الأبد ينتظره، ولماذا يقدم الإنسان بنفسه. إلى جهنم كان يعلم أنها أمامه... أه لماذا كنت هكذا ولم أذق السعادة إلا هذه