الجمعة 25 رجب 1441 هـ الموافق لـ 20 مارس 2020 م 10:42:27
جديد
الرئيسة » في حكم الجمعة في الأبنية حالَ العجز عن أدائها في المسجد الجامع
التبويب الفقهي للفتاوى: فتاوى الصلاة > الجمعة
الفتوى رقم: ١٢٣١
الصنف: فتاوى الصلاة ـ صلاة الجمعة
في حكم الجمعة في الأبنية حالَ العجز عن أدائها في المسجد الجامع
السؤال:
تَفاجَأْنا ـ نحن عامَّةَ المُلتزِمين بالصلاة في المساجد ـ بصدورِ قرارٍ وزاريٍّ بغلقِ كافَّةِ المساجد على مستوى القُطر كإجراءٍ احترازيٍّ خوفًا مِنِ انتقالِ فيروسِ «كورونا»، فما حكمُ الجمعة حالتَئذٍ؟ هل نُصلِّيها ـ ظهرًا ـ في البيوت؟ أم يجوز أَنْ نُقِيمها جمعةً ولو بعددٍ لا يتجاوز خمسةَ أفرادٍ وبدونِ إذنِ وليِّ الأمر في مَنازِلِنا وأبنِيَتِنا؟ أم أنَّها لا تصحُّ إلَّا في المساجد الجامعة، وبعددٍ مخصوصٍ، وبشرطِ ترخيصِ وليِّ الأمر؟ نرجو البيانَ والتفصيل. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقَدْ أَجمعَ العلماءُ على فَرْضِيَّة الجمعة لقوله تعالى: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٩﴾ [الجمعة]، ويستثنى مِنْ فرضيَّتِها ما استثناهُ الدليلُ كالصبيِّ والمرأة والمملوك والمريض والمسافر وسائرِ أهل الأعذار(١)، فمَنْ أقامها ـ مِنْ هؤلاء ـ وشَهِدها صحَّتْ منه وأسقطت فَرْضَ الظهر عنه.
والسُّنَّة أَنْ تُؤدَّى الجمعةُ في مسجدٍ جامعٍ على نحوِ ما كانت عليه تُصلَّى في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وفي عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، إذ لم تكن تُؤدَّى إلَّا في مسجده الجامع، وتتوقَّف بقيَّةُ المساجد، غيرَ أنه لا يُشترَط اختصاصُ الجمعة بمسجدٍ أو بجامعٍ كما هو مذهبُ الجمهور(٢) خلافًا للمالكيَّة(٣)؛ لأنَّ الجمعة لا تختلف عن غيرها مِنْ صلوات الجماعة المكتوبة إلَّا في مشروعيَّة الخُطبة قبلها؛ لذلك تصحُّ كما تصحُّ سائرُ الصلوات في كُلِّ مكانٍ أمكنَ أَنْ يجتمع الناسُ فيه سواءٌ في المُدُن أو في القرى أو في البادية ولو في أبنيةٍ متفرِّقةٍ، وخاصَّةً إذا كان الناسُ عاجزين عن الصلاة في المسجد الجامع لسببٍ أو لآخَرَ، فيَسَعُهم ـ حينَئذٍ ـ أَنْ يصلُّوا في الأبنية المتفرِّقة أو في مكانٍ مخصوصٍ للصلوات الخمس أو لغيرها؛ لقول عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه: «جَمِّعُوا حَيْثُ كُنْتُمْ»(٤)؛ قال الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ مُعقِّبًا على مَنِ اشترط شرطَ: مسجدٍ في مستوطنٍ بما نصُّه: «وهذا الشرطُ ـ أيضًا ـ لم يدلَّ عليه دليلٌ يصلح للتمسُّك به لمجرَّد الاستحباب فضلًا عن الشرطيَّة، ولقد كَثُرَ التلاعبُ بهذه العبادةِ وبَلَغ إلى حدٍ تقضي منه العَجَبَ؛ والحقُّ أنَّ هذه الجمعةَ فريضةٌ مِنْ فرائض الله سبحانه، وشعارٌ مِنْ شعارات الإسلام، وصلاةٌ مِنَ الصلوات؛ فمَنْ زَعَم أنه يُعتبَرُ فيها ما لا يُعتبَرُ في غيرها مِنَ الصلوات لم يُسمَعْ منه ذلك إلَّا بدليلٍ؛ وقد تخصَّصَتْ بالخُطبة، وليسَتِ الخُطبةُ إلَّا مجرَّدَ موعظةٍ يتواعظ بها عبادُ الله؛ فإذا لم يكن في المكان إلَّا رجلان قام أحَدُهما يخطب واستمع له الآخَرُ، ثمَّ قامَا فصَلَّيَا صلاةَ الجمعة»(٥).
ولا يُشترَط لصحَّة الجمعةِ العددُ سِوى ما تُقامُ به الجماعة وأقلُّه اثنان(٦)، فإِنْ لم يكن في المكان سوى اثنين فخَطَب أحَدُهما واستمع له الآخَرُ ثمَّ صلَّيَا صلاةَ الجمعة ـ كما تقدَّم ـ صَحَّتْ منهما وأسقطَتْ عنهما فَرْضَ الظهر؛ قال الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ أيضًا: «والحاصل: أنَّ صلاة الجماعة قد صحَّتْ بواحدٍ مع الإمام، وصلاةُ الجمعة هي صلاةٌ مِنَ الصلوات؛ فمَنِ اشترط فيها زيادةً على ما تنعقد به الجماعةُ فعليه الدليلُ ولا دليلَ؛ وقد عرَّفْناك غيرَ مرَّةٍ أنَّ الشروط إنما تَثْبُتُ بأدلَّةٍ خاصَّةٍ تدلُّ على انعدام المشروط عند انعدام شرطه؛ فإثباتُ مِثلِ هذه الشروطِ بما ليس بدليلٍ أصلًا ـ فضلًا عن أَنْ يكون دليلًا على الشرطيَّة ـ مجازفةٌ بالغةٌ وجرأةٌ على التقوُّل على الله وعلى رسوله وعلى شريعته؛ والعجبُ مِنْ كثرة الأقوال في تقدير العدد حتَّى بلغَتْ إلى خمسةَ عَشَرَ قولًا، وليس على شيءٍ منها دليلٌ يُستدَلُّ به قطُّ إلَّا قولَ مَنْ قال: إنها تنعقد جماعةُ الجمعة بما تنعقد به سائرُ الجماعات»(٧).
ولا يُشترَط ـ أيضًا ـ إذنُ الحاكم لإقامة الجمعة وإِنِ اشترطه الحنفيَّةُ، ولا دليلَ على هذا الشرط، إذ لا اعتبارَ للشروط إلَّا ما قام عليه الدليلُ مِنْ كتابٍ أو سُنَّةٍ أو إجماعِ المسلمين.
أمَّا عند المالكيَّة فيُستحَبُّ استئذانُ الحاكم، فإِنْ مَنَع وأُمِنَتِ المفسدةُ لم يُلتفَتْ إلى منعِه وأُقِيمَتِ الجمعةُ وجوبًا؛ تقديمًا لأوامر الشرع على كلام الحاكم؛
جديد
الرئيسة » في حكم الجمعة في الأبنية حالَ العجز عن أدائها في المسجد الجامع
التبويب الفقهي للفتاوى: فتاوى الصلاة > الجمعة
الفتوى رقم: ١٢٣١
الصنف: فتاوى الصلاة ـ صلاة الجمعة
في حكم الجمعة في الأبنية حالَ العجز عن أدائها في المسجد الجامع
السؤال:
تَفاجَأْنا ـ نحن عامَّةَ المُلتزِمين بالصلاة في المساجد ـ بصدورِ قرارٍ وزاريٍّ بغلقِ كافَّةِ المساجد على مستوى القُطر كإجراءٍ احترازيٍّ خوفًا مِنِ انتقالِ فيروسِ «كورونا»، فما حكمُ الجمعة حالتَئذٍ؟ هل نُصلِّيها ـ ظهرًا ـ في البيوت؟ أم يجوز أَنْ نُقِيمها جمعةً ولو بعددٍ لا يتجاوز خمسةَ أفرادٍ وبدونِ إذنِ وليِّ الأمر في مَنازِلِنا وأبنِيَتِنا؟ أم أنَّها لا تصحُّ إلَّا في المساجد الجامعة، وبعددٍ مخصوصٍ، وبشرطِ ترخيصِ وليِّ الأمر؟ نرجو البيانَ والتفصيل. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقَدْ أَجمعَ العلماءُ على فَرْضِيَّة الجمعة لقوله تعالى: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوۡمِ ٱلۡجُمُعَةِ فَٱسۡعَوۡاْ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلۡبَيۡعَۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٩﴾ [الجمعة]، ويستثنى مِنْ فرضيَّتِها ما استثناهُ الدليلُ كالصبيِّ والمرأة والمملوك والمريض والمسافر وسائرِ أهل الأعذار(١)، فمَنْ أقامها ـ مِنْ هؤلاء ـ وشَهِدها صحَّتْ منه وأسقطت فَرْضَ الظهر عنه.
والسُّنَّة أَنْ تُؤدَّى الجمعةُ في مسجدٍ جامعٍ على نحوِ ما كانت عليه تُصلَّى في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وفي عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، إذ لم تكن تُؤدَّى إلَّا في مسجده الجامع، وتتوقَّف بقيَّةُ المساجد، غيرَ أنه لا يُشترَط اختصاصُ الجمعة بمسجدٍ أو بجامعٍ كما هو مذهبُ الجمهور(٢) خلافًا للمالكيَّة(٣)؛ لأنَّ الجمعة لا تختلف عن غيرها مِنْ صلوات الجماعة المكتوبة إلَّا في مشروعيَّة الخُطبة قبلها؛ لذلك تصحُّ كما تصحُّ سائرُ الصلوات في كُلِّ مكانٍ أمكنَ أَنْ يجتمع الناسُ فيه سواءٌ في المُدُن أو في القرى أو في البادية ولو في أبنيةٍ متفرِّقةٍ، وخاصَّةً إذا كان الناسُ عاجزين عن الصلاة في المسجد الجامع لسببٍ أو لآخَرَ، فيَسَعُهم ـ حينَئذٍ ـ أَنْ يصلُّوا في الأبنية المتفرِّقة أو في مكانٍ مخصوصٍ للصلوات الخمس أو لغيرها؛ لقول عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه: «جَمِّعُوا حَيْثُ كُنْتُمْ»(٤)؛ قال الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ مُعقِّبًا على مَنِ اشترط شرطَ: مسجدٍ في مستوطنٍ بما نصُّه: «وهذا الشرطُ ـ أيضًا ـ لم يدلَّ عليه دليلٌ يصلح للتمسُّك به لمجرَّد الاستحباب فضلًا عن الشرطيَّة، ولقد كَثُرَ التلاعبُ بهذه العبادةِ وبَلَغ إلى حدٍ تقضي منه العَجَبَ؛ والحقُّ أنَّ هذه الجمعةَ فريضةٌ مِنْ فرائض الله سبحانه، وشعارٌ مِنْ شعارات الإسلام، وصلاةٌ مِنَ الصلوات؛ فمَنْ زَعَم أنه يُعتبَرُ فيها ما لا يُعتبَرُ في غيرها مِنَ الصلوات لم يُسمَعْ منه ذلك إلَّا بدليلٍ؛ وقد تخصَّصَتْ بالخُطبة، وليسَتِ الخُطبةُ إلَّا مجرَّدَ موعظةٍ يتواعظ بها عبادُ الله؛ فإذا لم يكن في المكان إلَّا رجلان قام أحَدُهما يخطب واستمع له الآخَرُ، ثمَّ قامَا فصَلَّيَا صلاةَ الجمعة»(٥).
ولا يُشترَط لصحَّة الجمعةِ العددُ سِوى ما تُقامُ به الجماعة وأقلُّه اثنان(٦)، فإِنْ لم يكن في المكان سوى اثنين فخَطَب أحَدُهما واستمع له الآخَرُ ثمَّ صلَّيَا صلاةَ الجمعة ـ كما تقدَّم ـ صَحَّتْ منهما وأسقطَتْ عنهما فَرْضَ الظهر؛ قال الشوكانيُّ ـ رحمه الله ـ أيضًا: «والحاصل: أنَّ صلاة الجماعة قد صحَّتْ بواحدٍ مع الإمام، وصلاةُ الجمعة هي صلاةٌ مِنَ الصلوات؛ فمَنِ اشترط فيها زيادةً على ما تنعقد به الجماعةُ فعليه الدليلُ ولا دليلَ؛ وقد عرَّفْناك غيرَ مرَّةٍ أنَّ الشروط إنما تَثْبُتُ بأدلَّةٍ خاصَّةٍ تدلُّ على انعدام المشروط عند انعدام شرطه؛ فإثباتُ مِثلِ هذه الشروطِ بما ليس بدليلٍ أصلًا ـ فضلًا عن أَنْ يكون دليلًا على الشرطيَّة ـ مجازفةٌ بالغةٌ وجرأةٌ على التقوُّل على الله وعلى رسوله وعلى شريعته؛ والعجبُ مِنْ كثرة الأقوال في تقدير العدد حتَّى بلغَتْ إلى خمسةَ عَشَرَ قولًا، وليس على شيءٍ منها دليلٌ يُستدَلُّ به قطُّ إلَّا قولَ مَنْ قال: إنها تنعقد جماعةُ الجمعة بما تنعقد به سائرُ الجماعات»(٧).
ولا يُشترَط ـ أيضًا ـ إذنُ الحاكم لإقامة الجمعة وإِنِ اشترطه الحنفيَّةُ، ولا دليلَ على هذا الشرط، إذ لا اعتبارَ للشروط إلَّا ما قام عليه الدليلُ مِنْ كتابٍ أو سُنَّةٍ أو إجماعِ المسلمين.
أمَّا عند المالكيَّة فيُستحَبُّ استئذانُ الحاكم، فإِنْ مَنَع وأُمِنَتِ المفسدةُ لم يُلتفَتْ إلى منعِه وأُقِيمَتِ الجمعةُ وجوبًا؛ تقديمًا لأوامر الشرع على كلام الحاكم؛