من محدثات الرد العلمي
إنَّ وجود الخلافِ (العلميِّ) أمرٌ طبيعي بل محمودٌ؛ لأن الغرض الوصول إلى الحق، ولا يتم ذلك في المسائل الاجتهادية إلا بسماع رأي المخالف والنظر في أدلته ثبوتًا ودلالة، ثم الخلوص إلى الترجيح أو التوقف لتكافؤ الأدلة (عنده). وعلى ذلك جرى العلماء قديمًا وحديثًا.
وفي الآونة الأخيرة لا سيما في وسائل التواصل الاجتماعي ظهر مسلكٌ جديدٌ للتعامل مع هذه المسائل، يُردِّدُ أصحابُه كلمةً واحدةً هذا معناها وإن اختلفت الألفاظ: (لا ينبغي التصدر في هذه المسائل إلا من أهل العلم)، (تصدر الجهلة مصيبة)، (تسرع الشباب قبل النضج)، (عدم معرفة مراتب المسائل ومناهج التلقي..) إلى آخره، ولا أتكلم هنا عن كلمةٍ تقال أحيانًا من كاتبٍ أو كاتبَيْن، بل يخوض جماعةٌ في نقد قولٍ مكتفين جميعًا بذلك من غير مناقشةٍ علمية للمخالِف من واحدٍ منهم!
💡وهنا مسائل:
1- هذا المسلك غايتُه التوقف، والتوقفُ ليس علمًا، وإنما العلم في التحليل والتحريم؛ قال ابن عباس رضي الله عنه: "والله ما بعث الله نبيه إلا زاجرًا آمرًا، محلِّلًا محرِّما".
2- مع كون التوقُّف ليس علمًا إلا أنه يُحمَد ممن بحث المسألة ورأى قوة أدلة كل فريق ولم يظهر له ترجيحٌ، وأما من تكلم بلا معرفة فلا اعتبار بتوقُّفِه، وإنما يُحمد حينئذٍ على السكوت.
3- من تعظيم العلم وصيانته أن يُرَدَّ بعلمٍ على من تَكَلَّم بعلم، وقد رأيتُ مقالاً علميًّا حشد فيه كاتبُه جملةً مِن الأدلة النقلية والعقلية ونَقَل أقوالَ أهل العلم، ثم رُدَّ عليه من هؤلاء بـ(تغريدات) تتناول كلَّ شيءٍ إلا المسألةَ نفسها! وهذا من قلة تعظيم العلم، كما أنه منبئٌ عن ضعفٍ علمي أو كَسَل؛ فليس على هذا الذي اختار الدَّعَة إذا أراد نقدَ مقالٍ علميٍّ إلا أن يعتدل في جِلسته، ويلبس ثوب المشيخة، ثم يتواقر حتى كأنه جبل ثهلان هيبةً ورزانة، وحينها يلقي قولَه المجمَلَ متأسِّفًا على تَسَوُّرِ الجهال على العلم، والتَّصَدُّر قبل النضج... فإذا فعل ذلك تفرَّغ لاستقبال التهنئات بقية يومه، وترك بعض متابعيه مشتغلًا بوضع الحواشي على متنه؛ يبيِّنون مجمله، ويعيِّنون مبهمَه!
4- لا يخلو هذا المسلك عند المكثر من سلوكه مِن تزكيةٍ للنفس؛ إذ يرى أنه مؤهَّلٌ للمزاحمة في كلِّ حقل، والحكم على كل قضية، ولو كان نظره فيها أسرع من لمح البصر.
5- هذه الطريقة تعقبها آفةٌ وهي الانصراف عن تحقيق المسائل إلى أمورٍ أخرى ما كان ينبغي الاشتغال بـها، كالحكم على الأشخاص قدحًا ومدحًا، وما يتبع ذلك من الغلو أو البغي، ثم شق الصف وحمل الضغائن.
وكتب
ياسر بن حامد المطيري
٨ محرم ١٤٤٤
إنَّ وجود الخلافِ (العلميِّ) أمرٌ طبيعي بل محمودٌ؛ لأن الغرض الوصول إلى الحق، ولا يتم ذلك في المسائل الاجتهادية إلا بسماع رأي المخالف والنظر في أدلته ثبوتًا ودلالة، ثم الخلوص إلى الترجيح أو التوقف لتكافؤ الأدلة (عنده). وعلى ذلك جرى العلماء قديمًا وحديثًا.
وفي الآونة الأخيرة لا سيما في وسائل التواصل الاجتماعي ظهر مسلكٌ جديدٌ للتعامل مع هذه المسائل، يُردِّدُ أصحابُه كلمةً واحدةً هذا معناها وإن اختلفت الألفاظ: (لا ينبغي التصدر في هذه المسائل إلا من أهل العلم)، (تصدر الجهلة مصيبة)، (تسرع الشباب قبل النضج)، (عدم معرفة مراتب المسائل ومناهج التلقي..) إلى آخره، ولا أتكلم هنا عن كلمةٍ تقال أحيانًا من كاتبٍ أو كاتبَيْن، بل يخوض جماعةٌ في نقد قولٍ مكتفين جميعًا بذلك من غير مناقشةٍ علمية للمخالِف من واحدٍ منهم!
💡وهنا مسائل:
1- هذا المسلك غايتُه التوقف، والتوقفُ ليس علمًا، وإنما العلم في التحليل والتحريم؛ قال ابن عباس رضي الله عنه: "والله ما بعث الله نبيه إلا زاجرًا آمرًا، محلِّلًا محرِّما".
2- مع كون التوقُّف ليس علمًا إلا أنه يُحمَد ممن بحث المسألة ورأى قوة أدلة كل فريق ولم يظهر له ترجيحٌ، وأما من تكلم بلا معرفة فلا اعتبار بتوقُّفِه، وإنما يُحمد حينئذٍ على السكوت.
3- من تعظيم العلم وصيانته أن يُرَدَّ بعلمٍ على من تَكَلَّم بعلم، وقد رأيتُ مقالاً علميًّا حشد فيه كاتبُه جملةً مِن الأدلة النقلية والعقلية ونَقَل أقوالَ أهل العلم، ثم رُدَّ عليه من هؤلاء بـ(تغريدات) تتناول كلَّ شيءٍ إلا المسألةَ نفسها! وهذا من قلة تعظيم العلم، كما أنه منبئٌ عن ضعفٍ علمي أو كَسَل؛ فليس على هذا الذي اختار الدَّعَة إذا أراد نقدَ مقالٍ علميٍّ إلا أن يعتدل في جِلسته، ويلبس ثوب المشيخة، ثم يتواقر حتى كأنه جبل ثهلان هيبةً ورزانة، وحينها يلقي قولَه المجمَلَ متأسِّفًا على تَسَوُّرِ الجهال على العلم، والتَّصَدُّر قبل النضج... فإذا فعل ذلك تفرَّغ لاستقبال التهنئات بقية يومه، وترك بعض متابعيه مشتغلًا بوضع الحواشي على متنه؛ يبيِّنون مجمله، ويعيِّنون مبهمَه!
4- لا يخلو هذا المسلك عند المكثر من سلوكه مِن تزكيةٍ للنفس؛ إذ يرى أنه مؤهَّلٌ للمزاحمة في كلِّ حقل، والحكم على كل قضية، ولو كان نظره فيها أسرع من لمح البصر.
5- هذه الطريقة تعقبها آفةٌ وهي الانصراف عن تحقيق المسائل إلى أمورٍ أخرى ما كان ينبغي الاشتغال بـها، كالحكم على الأشخاص قدحًا ومدحًا، وما يتبع ذلك من الغلو أو البغي، ثم شق الصف وحمل الضغائن.
وكتب
ياسر بن حامد المطيري
٨ محرم ١٤٤٤