لطالما كانت أمي على عكس الأمهات ، قاسيه، أذكر بأن أخي واجهها مرة ونحن أطفال أثناء غضبه قائلاً:أتمنى أن أملك أماً مختلفة، وعلى عكس ما توقعت أيضا بأن هذا كما يحدث في الأفلام "سيثنيها"قليلا ويجعلها تبرر تصرفاتها ، ثم تبكي وتقبله؛ و لكنها شدت على ذراعه أكثر ، ونظرت إلى عينيه بثبات ، ثم همست له بشيءٍ لم اتمكن من سماعه، عندما كبرنا أصيبت أمي بالسرطان ، لكنها دائما عكس توقعاتي، لأن هذا أيضا لم يجعلها تنحني ، بل بقيت واقفةً على قدميها ، حتى آخر أيامها، كنا نعود للمنزل من المدرسه ، فنجدها جالسةً عند الباب تنتظرنا بالعصا إن تأخرنا ، في مرة لم أعد إلا بعد الغروب ، وعندما عدت وجدتها نائمةً في الشرفة..وبعدما انتهت من رص الضربات على ظهري ، كخزانة أواني ، قالت ضاحكةً : هذا لن يجعلك تنساني لحظةً ، لمدة شهر من وفاتي، لم أشعر بأنها تحبني حقا إلا عندما ألقوا القبض علي مرة مع أصدقائي بسبب شيء لم ارتكبه، وهذه المرة وعلى عكس أم صديقي التى انهالت عليه بالبكاء والضرب ، أذكر بأنها وقفت هادية حاملةً منديلها المطرز ، ثم أقتربت مني ورفعت رأسي بسبابتها ، وقالت: أنا اصدقك ، حتى لو كنت كذباً ، بعد سنين من وفاتها ، لازلنا نعود مبكراً للمنزل ، ونرتب أسرتنا صباحاً ، ولازال أخي يتهرب من أصدقائه حتى لا يتأخر على وقت العشاء ، ولازالت عصا أمي أمام الباب ، ولازلنا نأكل معاً على طاولة الطعام "كعائله" ولكن قبل أن نبدأ بالصلاة ، أمسك بيد أخي ، ودون أن نشعر يمد كلانا يده الأخرى ، إتجاه كرسي أمي، نحو الهواء. الأسبوع الفائت، تشاجرنا أنا وأخي بعد ما وجد سيجارةً تحت وسادتي، فصرخت في وجهه بالمقابل؛ لماذا لست مثل باقي الاخوة! أقترب مني ببطءٍ وشد على ذراعي، ونظر إلى عيناي هامساً "أنا أقلل من عدد المسافات الكاذبة التي ستقطعها نحو الأشخاص في حياتك، أنا اختصرها، وأختار ان أكون حقيقاً معك، الكذب لينُ جداً ولزج ، وحدها الحقيقه صلبة"وعندما قال لي هذا شعرت بصوت أمي ، يخرج من فمه.