الإمام السجاد وإعمار الكعبةيقول المحقق القدير سماحة السيد محمد رضا الجلالي :
(..للإمام موقف عظيم يدل على المراقبة التامة لما يجري، مع التصدي لاعتداءات الحكام الظلمة على الرموز الأساسية للدين، وهو: موقفه من إعادة تعمير الكعبة، في ما رواه الكليني والصدوق، بسندهما عن أبان بن تغلب، قال: لما هدم الحجاج الكعبة، فرق الناس ترابها، فلما جاءوا إلى بنائها وأرادوا أن يبنوها، خرجت عليهم حية، فمنعت الناس البناء حتى انهزموا. فأتوا الحجاج، فأخبروه، فخاف أن يكون قد منع بناءها، فصعد المنبر، وقال: أنشد الله عبدا عنده خبر ما ابتلينا به، لما أخبرنا به.
قال: فقام شيخ فقال: إن يكن عند أحد علم، فعند رجل رأيته جاء إلى الكعبة، وأخذ مقدارها، ثم مضى.
فقال الحجاج: من هو؟.
قال: علي بن الحسين.
قال: معدن ذلك، فبعث إلى علي بن الحسين، فأخبره بما كان من منع الله إياه البناء.
فقال له علي بن الحسين:
يا حجاج! عمدت إلى بناء إبراهيم، وإسماعيل عليهما السلام وألقيته في الطريق وانتهبه الناس، كأنك ترى أنه تراث لك.إصعد المنبر، فأنشد الناس أن لا يبقى أحد منهم أخذ منه شيئا إلا رده.
قال: ففعل، فردوه، فلما رأى جميع التراب، أتى علي بن الحسين فوضع الأساس، وأمرهم أن يحفروا.
قال: فتغيبت عنهم الحية، وحفروا حتى انتهى إلى موضع القواعد.
فقال لهم علي بن الحسين: تنحوا، فتنحوا، فدنا منها فغطاها بثوبه، ثم بكى، ثم غطاها بالتراب، ثم دعا الفعلة، فقال: ضعوا بناءكم.
فوضعوا البناء، فلما ارتفعت حيطانه، أمر بالتراب فألقي في جوفه.
فلذلك صار البيت مرتفعا يصعد إليه بالدرج.
🔹فالمراقبة واضحة في أخذ الإمام (مقادير الكعبة) لئلا تضيع المعالم الأثرية لأكبر محور لرحى الدين، وهي الكعبة الشريفة.
وإذا كانت تلك المراقبة تتم في ظرف ولاية مثل الحجاج الملحد السفاح الناصب لآل محمد العداء المعلن، فلن تخفى أهميتها، ودلالتها القاطعة على التحدي.
🔹ومواجهة الحجاج بمثل ذلك الكلام (كأنك ترى أنه تراث لك!) تصد لانتهاكه لحرمة الكعبة المعظمة، والتلاعب بها حسب رغباته الخاصة.
🔹وأهم ما في الأمر جر الحجاج إلى التصريح بأن الإمام (هو معدن ذلك) وهي شهادة لها وقعها في الإلزام والإبكات للخصم اللدود.
🔹وأخيرا: نزول الإمام عليه السلام إلى القواعد - وحده - وربطه لنفسه بها بذلك الشكل أمام أعين الناظرين، إثبات لحقه في إقامتها دون غيره.
وهل كل ذلك يتهيأ إلا من التدبير العميق، والتخطيط الدقيق، ممن يحمل هدفا ساميا في قلب شجاع، لا يملكه في تلك الظروف الحرجة، شخص غير الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام.
📋كتاب جهاد الإمام السجاد ص115 د للمحقق القدير سماحة
السيد محمد رضا الجلالي دام توفيقه.
https://t.me/Den54321