" همسة فاطِمة لأبيها "
حبيبي أبي .. مرةّ اعوام وأنا لا ازال عالقة تحت الحُطام ، حُطام الدُّنيا وحُطام الذِكرىٰ التي كسرت أضلعي ، لا أزال أنتظر رجوعك ، أعطر ثيابك ، أتامل بـ صورك وملامحك الملائكية المتجلية بكَ.
خاطبها الأب قائلًا :
إنني لن أرجع يا بُنيتي ؛ ما لديّ الآن خيرٌ من الدُّنيا وما فيها ، لكن!
إنني مُشتاقٌ لكِ جدًا
ولأنني لا أقوىٰ علىٰ فراقكِ ، نظّم لكِ الإله رحيلًا ملائكيًا ، افرَحي يا عزيزة أباك
لقاؤنا قد قَرّب ، هيا .. ارِيني ابتسامة " أبنت الشهيد " لذلك وهبني الله إيّاكِ.
قد بشرّني الإله بقدومك فلِم البُكاء؟ رِ عظمة أخلاقكِ بشهادتي ، وافخَري.
أبتي:
مُذ أن دُفنت ، وانتقلت للعالم الآخر وأنا خائفة ، خائفةٌ عليكّ من التُراب ، من الوحشة ومن الظلام .
الأب : أُبشركِ يا قرة عيني .. لم أستوحش القبر أبدًا ؛ لأنه ليس قبرًا بل جنّة ، إنه في الحقيقة يبثّ شعور السكينة ، الدُّنيا هيَّ المُرعبة يا بٌنيتي ، هيَّ ما كان يجب الخوف منها ، لا القبر ، إنني في أمانٍ الآن ما دُمت علىٰ قيد الشهادة.
عبراتكِ التي سقطت علىٰ ترابي سقته حنوًّا ورأفة ، إن التراب يا عزيزتي حنونٌ جدًا ، دافئٌ جدًا ، يشبهكِ كثيرًا!
كـ أناملكِ تلاعب تربة قبري ، لم ما زلتِ تبكين!!
أعوام كاملة أليست بكافيةٍ لتضميد جراحكِ؟
ابي كيف تريد أن تضمد وأنا
أعوام وفقدك في كلّ صباحٍ يولد من جديدٍ ، وكأنّك رحلتَ للتوّ!
أعوام وغُرفتك لا تزالُ توضّب في كل يوم ، اعوام يا والدي وانت لا تزالَ عالق تحتَ أنقاض ذلك الرَحيل ، اعوام وساعاتُ انتظارك يزيد ، وبئرُ حُزنيِ يُترع ببُكائياتِي لك .
يا روح أباكِ
عِندما تأتين لقبري ، كفّي عتابك ، احكي لي عن يومك ، واشكي لأنني لم آتكِ بالمنام ، اقرئي القرآن قربي ، أنتِ تعلمين كم أحب صوتكِ الطفولي ، لا تعتقدي في لحظةٍ أنّي مت ، أنا قريبٌ منكِ جدًا ، نائمٌ بقربكِ ألاعب خصيلات شعركِ أنا بجنبكِ ، لا في حضن التُراب ، إنني هُنا أرىٰ دموعكِ التي قد ملأت نهر قبري فأمسحيها.
وفي النهاية :
أرجوكِ يا قرة عيني .. أرجوكِ
إن كُنت مشتاقةً لي حقًا ، نامي
ملامحُ وجهكِ قد ذبلت أرقًا ، ولكنكِ لازلت طفلتي الجميلة .. مكسورةٌ وجميلة ،
نامي كي نحظىٰ باللقاء في منامكِ ، كي نهدهد حاجز التراب الذي منعنا من بعضنا البعض.
كوني رسالية يا عزيزة أبيكِ
خادمة للمذهب أجعلي صورة السيدة الأبية زينب وأمها الزهراء 'عليهما السلام' دائمًا نصب عينيكِ ، كوني مجاهدة الكلمة ، وتحملي ما تلاقينهُ وأستقبليه برحابه صدر فأن اللقاء لِـقريب ومتىٰ ما أديتي واجبكِ سيطلبك الله لجواره ويجتمع شملنا يا عزيزتي ..أحبُّكِ.
#ليلة_الشهداء.
ـ تُقىٰ.
٢٠١٨/١٠/١٧.