« شفرات أقلام »
هي نافذةٌ حرة، يطلُ من خلالها كل من تخالجه نفسه بشيءٍ ما، فهي تذيع من مكنون الإنسان، وتُخَبر عما في نفسه، وتُبّلغ مراده؛ إنها (الكتابة)، الخيط الرابط بين الإنسان ومحيطه، الكَلمْ العذب، المستصاغ، كيف لا؟! والكتابة حروف ناطقة، وصدى مسموع؛ لأنه وليد من فكر الإنسان ووجدانه، فهو يأثر، ويقنع، ويغير.
لقد فرضت الأقلام لنفسها -من هذا العالم- ساحة، ومساحة شاسعة؛ وبذا حازت، وتربعت في أروقته، فهي سلطة أخرى، ومصدر إلهام.
فالأقلام بصريرها ملهمة، وبحد ذاتها موجة، وعلى قدر وقعها نرى أثرها ونلمسه. فكم حاكى الكاتب وقلمه مافي نفس الإنسان، وجيش ما يخبو في وجدانه، وكم غيروا من أفكار، وأقنعوا عقول، كم بنوا، وكم هدموا؛ فكلٌ وقلمه في ساح. وللأقلام شفرات، وقد سُلت شفراتُ أقلامٍ ،وحُشرت في ساحات الصراع، وغدت الكلمات أداة من أدوات الحرب، وغدا المتصارعون يرشق بعضهم بعضا بشفرات أقلامهم، وأزيز حروفهم، محاولٌ كل طرف أن ينقض على الآخر، ويكسب تأييد الجماهير، ومناصرتها. لقد أقحمت كثير من الأقلام، ودست نفسها في متاهات الصراع، وغدت تنثر الزيف، وتتقمص رداء الكذب، والخداع، والتهويل، تزين الباطل، وتشوه الحق، وتصفق للشر ضد الخير؛ فواحسرتاه على أقلامٍ أنتهجت نهجٍ لا يليق بمقامها! فما قيمة تلك الحروف إلم تكن حُرة، نزيهة؟!
قبل أن تكون الكلمات مرصوصة كالبنيان، وجذابة كعقدٍ فريد، يجب أن تكون من منبع صدقٍ لا يشوبه زيف، وعسل صافٍ لا سم يُدس فيه، الكاتب حقًا هو صاحب ضميرٌ حي، يقظ، الكاتب من يصنع بقلمه حياة، فالضمائر الميتة حروفها تقتل، كيف لا؟! وهي تحرف أفكار سليمة، وتغير عقائد صحيحة، وتنتصر للباطل، وتؤيد مساوئه.
الصدق رمز الأقلام، ومكمن تأثيرها وقوتها، فمن هنا تكون شفراتها أقوى من شفرات السيوف، فهي قوية إذا كان إعلاء الحق غآيتها، والصدق رآيتها، ، ومبادئ الدين ديدنها.
الأقلام التي تناصر حضارة الإنسان، وتكتب في سبيل إعلائها، هي من تتربع القلوب وتتخذ لها قرار. حُيَّت الأقلام التي تتحد لترمم جسد الأمة المتهالك إثر شظايا الخلاف، والفرقة، حُيَّت تلك التي تخدم الدين، وتحافظ على لحمته، وتدعو لأن نكون جسدًا واحد، لا أطراف مبتورة، وشظايا متناثرة؛ المجد والخلود لها! فلا يمكن لكلمات تُبث من منبع صدق، أن تذرها الرياح، وتغدو هباءً منثورا، بل تتخذ قرار في القلوب وفي السطور، ويظل بريقها أزمانا.
#انتهاج
✍🏻 #نــبـــــض 💫💛
@Nabd_Ymaniah