سجال حول موقف أئمة السلف من القدرية الأولى (1)
كتبت مقالا جمعت فيه أقوال عدد من أئمة السلف التي فيها ما يدل على أنهم لم يكونوا يكفرون كل أعيان القدرية الأولى النافية للعلم , وطبقت ذلك على موقفهم من معبد الجهني .
وقد أرسل إلي بعض الأصدقاء تعليقا صوتيا لبعض الشيوخ الفضلاء على المقال , فيه قدر واسع من الأخطاء العلمية .
وذلك الشيخ الفاضل كان له تعليق آخر على مقالات لي عن المسائل الاجتهادية في مسائل العقيدة قبل زمن , وقد استمعت إلى تعليقه في حينه فوجدته وقع في أغلاط كثيرة في الفهم وفي الاستدلال وفي تركيب الأفكار وفي إدخال أفكار في أفكار , وفي كلامه تكلف شديد في مناقشة عدد من المسائل , فضلا عما في تعليقه من التعالي والاتهام وغيره .
وقد قررت حينها أن أترك التعليق على نقده لأني رأيت أنه لم يأت بما يستحق النقد أو التعليق .
وفي تعليقه الأخير قررت أن أعلق على كلامه عسى أن يكون في هذا التعليق خيرا ونفعا لطلبة العلم .
والتعليق سيكون في مقامين :
المقام الأول : في القضايا المنهجية والأخلاقية .
والمقام الثاني : في القضايا العلمية ."تحرير القول في مذهب معبد الجهني في القدر"
المقام الأول : في القضايا المنهجية والأخلاقية .
هناك صنف من المنتسبين إلى العلم حين تتابع ما يطرحه من أفكار وما يخوض فيه من حوارات تجد أن لديه انحرافا في عدد من القضايا المنهجية ونقصا ظاهرا في أخلاق المنتسبين للعلم الشرعي , ولأجل هذا فمن المهم جدا في الحوار معه أن ينبه على انحرافاته المنهجية ونقصه الأخلاقي قبل الدخول معه في الحوار حول القضايا العلمية , تنبيها له أولا , ونصحا لطلبة العلم الذين يتابعون تلك الأطروحات والحوارات , حتى يكونوا على بينة من أمرهم .
وذلك الشيخ الفاضل الذي علق على مقالات المسائل الاجتهادية في علم العقيدة وعلى مقال موقف أئمة السلف من أعيان القدرية الأولى , وقع في عدد من تلك الأمور , ومن أهمها :
الأمر الأول : الدخول في نيات الناس ومقاصدهم وأديانهم , فقد كرر في تعليقه الأخير أن من يرد عليه – يقصد العبد الفقير- لديه مشكلة في دينه , وأنه قال ما قال لأنه لا يعظم الدين ولا الوحي ولديه مقدمات مسبقة هي التي تتحكم فيما يطرح ويختار , ويقول ذلك بكلام جازم قاطع .
ولا أريد تزكية نفسي فأنا أعلم بحالي , ولكن هذا الأسلوب لا يجوز لمسلم أن يدخل فيه , ولا أن يقدم عليه إلا بأدلة قاطعة بينة , وهو لا يملك ذلك .
والغريب أن قابل ذلك بثناء على نفسه وأنه معظم للسلف وواستعمل عبارات تدل على أن تعظيم الدين يكون في كلامه وغيره ممن يسير على مسلكه .
بل زاد الطين بلة , فأطلق حكما عريضا , فحكم على طلبة العلم والمشائخ المنتسبين النظام الأكاديمي بأنهم لا يعظمون الدين وأن طريقة في التعليم أقرب إلى طريقة المتكلمين , ثم قال هي أقرب إلى طريقة المستشرقين ... هكذا بإطلاق , وهو لا يقصد التعميم بلا شك , ولكن هذا الإطلاق لا يجوز أن يقدم عليه المسلم , فالمنتسبين إلى الجو الأكاديني يبلغ عددهم العشرات بل المئات , فكان الأولى به أن يحجم عن إطلاق مثل هذها الأحكام , ام يقيد كلامه بالقيود البينة الواضحة .
ولا أخفيك أيها النبيل أني استغربت منه , كيف تجرأ على إطلاق تلك الأحكام , التي فيها حكم على أعداد كبيرة من الناس المشتغلين بالعلم بأن لديهم مشكلة في الدين , وأنهم مصابون في دينهم , وأنهم يتعاملون مع العلم الشرعي وكانه علم كيمياء أو فيزياء .. هكذا بإطلاق وجزم .
نصحيتي لذلك الشيخ ولطلبة العلم أن يبتعدوا عن مثل هذه الأحكام التي لا دليل لهم عليها , ولا يمكنهم إثباتها إلا بأدلة ظاهرة بينة , وهم لا يملكونها , فلماذا تدخل نفسك في متاهات انت في غنى عنها , ولست في حاجة إليها .
الأمر الثاني : اتهمني الشيخ الفاضل بأن لم أطلب العلم إلا في الجامعة فقط , ولم أقرأ في كتب أئمة السلف المسندة , ولأجل ذلك حكم بما حكم , ولا أريد أن أدخل في تفاصيل ذلك , ولكني أقول له : ما دليلك على ذلك؟ هل يجوز لك أن تطلق أحكاما قاطعة من غير دليل ؟! أترك الحكم للإخوة القراء .
الأمر الثالث : في كل كلامه من أوله إلى آخره يستعمل عبارات تشعر بأنه سيحاور أناسا بلغوا من الانحراف الظاهر البين مبلغا شنيعا , فقد ابتدأ بمقدمة كأنه مقبل فيها على من يريد هدم الدين , وفي أثناء كلامه يكرر الحوقلة "لا حول ولا قوة إلا بالله" والحسبلة "حسبني الله ونعم الوكيل" وعبارات الأسف والتأسف , بما يشعر المستمع إليه بأنه أتى بالأدلة القاطعة , وأن المردود عليه بلغ من الجهل مبلغا عظيما , وهو في أغلب أحواله لم يفهم الكلام , ولم يقدم أدلة صحيحة واضحة كما سيأتي بيانه .
الأمر الرابع : اعتماده على أسلوب الوثوقية والقطع , فتراه في كل كلامه يستعمل العبارات القاطعة في الأحكام , سواء في الحكم على الآخرين أو في الحكم على أدلته , بما يشعر الشباب المتابع له بأنه بلغ من القطع واليقين ما لا يمكن دحضه , وفي أثناء كلامه يكرر الضحك المشوب بالاستخفاف , ليؤكد الو