سجال موقف أئمة السلف حول القدرية الأولى (3)
عقب أحد المشايخ على مقالي عن موقف أئمة السلف من القدرية الأولى (معبد الجهني) بتعقيب ملأه بعدد من الانخرامات الأخلاقية والعلمية , وقد بينت ذلك في مقالين سابقين .
وادعى أن معبدا لم يكن يقل بإنكار علم الله بأفعال العباد أو أنه تراجع عن ذلك , وقد نقدت قوله هذا وجمعت من الأدلة والشواهد ما بين خطأ قوله .
وكنت انتظر منه مناقشة علمية نافعة للمسألة نفسها ولطلبة العلم الذين يتابعون الحوار , ولكنه للأسف لم يفعل ذلك , وإنما عقب بتعقيب يتصف بما اتصف بها تعقيه الأول , فقد وقع فيه في أنواع من سوء الفهم والاستدلال .
ولا أخفيكم سرا أن نفسي نفرت من الاستمرار في الحوار ؛ لأنه بناء على طريقة ذلك الشيخ لن ننتهي إلى نتيجة .
وقد تواصل معي عدد من الشباب وحذروني من النقاش مع الشيخ الكريم , وذكروا عنه بأنه لن يفهم الكلام بشكل جيد , ولن يلتزم بموضوع البحث , وإنما سيشرق ويغرب , وذكروا أمورا أخرى , وكنت أقول لهم : الحوار مفيد للمسألة ذاتها ولطلبة العلم الذين يتابعونه , سواء تحقق الانتهاء مع الشيخ إلى شيء أو لم يتحقق .
وعلى كل حال .. فالشيخ الكريم في تعليقه الأخير لم يناقش حقيقة الأدلة والشواهد التي ذكرتها على أن معبدا الجهني كان ممن ينكر سبق العلم الإلهي بأفعال العباد وأنه لم تثبت توبته من ذلك , وإنما علق على بعضها بتعليقات خاطئة .
وسأشير في هذا المقال إلى أصل واحد من أصول الغلط التي وقعت في تعقيبه الأخير , وهو سوء الفهم للكلام وعدم إدرك معانيه .
فتعقيب الشيخ الأخير اشتمل على صور متعددة من هذه الإشكالية :
الصورة الأولى : سوء الفهم لمحل البحث , فمحل البحث يا كرام : هل أجمع السلف على تكفير كل أعيان القدرية الأولى أم لا ؟ , وقدمت من الشواهد ما يدل على أن هذا الإجماع غير صحيح .
فكيف فهم الشيخ محل البحث؟!
فهم يا كرام أني أقول : السلف أجمعوا على عدم تكفير أعيان القدرية الأولى (أو أجمعوا على عدم تكفير معبد الجهني) ونتيجة لهذا الخطأ أخذ يعترض ويقول : كيف تستدل بحديث مسلم الذي فيه أن معبد أنكر علم الله وفيه أن ابن عمر كفره , ثم طفق يضفني بعدد من الأوصاف .
وهذا الاعتراض في الحقيقة يدل دلالة ظاهرة على أنه لم يفهم الكلام ولم يدرك محل البحث .
فالبحث يا كرام لم يكن في إثبات أن السلف أجمعوا على أن معبد ليس بكافر , وإنما كان في إثبات أن الإجماع المنقول على كفره غير صحيح , فثبوت أن بعض السلف حكم بكفره لا يعارض ما أقرره , بل أنا أقرره بوضوح وجلاء في المقالات السابقة .
فعلى التسليم بأن مقولة ابن عمر رضي الله عنه تقتضي التكفير العيني , فغاية ما فيها أن بعض السلف كفر معبدا , وهذا لا إشكال فيه على ما أقرره , لأني أقول : بعض السلف لم يكفره .
ولكن الشيخ الكريم غفل عن هذا المعنى تماما الغفلة .
الصورة الثانية من سوء الفهم : يقول الشيخ إذا ثبت أن ابن عمر كفر معبدا فلماذا تلوم الآخرين الذين اتبعوا ابن عمر وكفروه ؟!
وهذا سوء فهم من الشيخ لأنه تصور أن البحث في لوم الآخرين على تكفير معبد! , وهذا غير صحيح بالمرة , فمحل البحث وغرضه مناقشة الإجماع على المنقول عن تكفير معبد فقط , وأما من اختار تكفير معبد , فلا لوم عليه , وليس من غرض البحث الخوض في هذه المسألة .
ولكن الشيخ الكريم يأبي إلا أن يسيء فهمه , ويأتي بمعاني ليست مقصودة في البحث .
الصورة الثالثة من سوء الفهم : ذكرت أن الاحتمال الأقوى في فهم مقولة معبد لطاووس:"يكذب علي" هو أنه قالها تموها وتدلسيا .
ففهم الشيخ الكريم أني أقول إن معبدا يكذب , ثم اعترض فقال : كيف يحكم الأئمة بكونه ثقة وصدوقا وهو يكذب ؟!
وهذا سوء فهم جديد من الشيخ الكريم , فالتدليس والتمويه لا يتضمن الوصف بالكذب لا في اللغة ولا في عرف العلماء , وإنما غاية ما يتضمن استعمال عبارات موهمة ومحتملة , قد تكون كذبا وقد لا تكون , وبناء عليه فليس في كلامي ألبتة أن معبدا كذب , وإنما فيه أنه دلس وموه .
ولكن الشيخ يأبى مرة ثالثة إلا أن يفهم الكلام بصورة خاطئة , ثم يقوم بقوم بنقد الفهم الخاطئ الذي فهمه .
الصورة الرابعة من سوء الفهم : أدخل الشيخ مسألة ضابط قيام الحجة على المعين في تعقيبه , وأوهم المتابعين له بأن أتى بقضية ملزمة لي , ونقل عني كلاما في ضابط قيامها لا أدري من أين أتى به .
وهذا من سوء فهمه لمحل البحث , فمحل البحث في مناقشة الإجماع المنقول على تكفير أعيان القدرية الأولى"معبد الجهني" وليس في ضابط قيام الحجة .
وأما ضابط قيامها على المعيين فهو مسألة أخرى , وفيها تفاصيل وأحوال قد أكون أكثر شدة من الشيخ فيها , ولكنها ليست محل البحث هنا .
أربع صور من الغلط وسوء الفهم وقع فيها الشيخ في تعقيبه الأخير , والله المستعان .
ولي في نهاية هذا المقال رسالتان :
الأولى للشيخ الكريم , أتمنى منه أن يحرص على الهدوء ويحاول أن يفهم كلام الآخرين بشكل جيد , ويعطي نفسه وقتا للتأمل والتفهم , وعليه أن يحرص على أن يستعمل من
عقب أحد المشايخ على مقالي عن موقف أئمة السلف من القدرية الأولى (معبد الجهني) بتعقيب ملأه بعدد من الانخرامات الأخلاقية والعلمية , وقد بينت ذلك في مقالين سابقين .
وادعى أن معبدا لم يكن يقل بإنكار علم الله بأفعال العباد أو أنه تراجع عن ذلك , وقد نقدت قوله هذا وجمعت من الأدلة والشواهد ما بين خطأ قوله .
وكنت انتظر منه مناقشة علمية نافعة للمسألة نفسها ولطلبة العلم الذين يتابعون الحوار , ولكنه للأسف لم يفعل ذلك , وإنما عقب بتعقيب يتصف بما اتصف بها تعقيه الأول , فقد وقع فيه في أنواع من سوء الفهم والاستدلال .
ولا أخفيكم سرا أن نفسي نفرت من الاستمرار في الحوار ؛ لأنه بناء على طريقة ذلك الشيخ لن ننتهي إلى نتيجة .
وقد تواصل معي عدد من الشباب وحذروني من النقاش مع الشيخ الكريم , وذكروا عنه بأنه لن يفهم الكلام بشكل جيد , ولن يلتزم بموضوع البحث , وإنما سيشرق ويغرب , وذكروا أمورا أخرى , وكنت أقول لهم : الحوار مفيد للمسألة ذاتها ولطلبة العلم الذين يتابعونه , سواء تحقق الانتهاء مع الشيخ إلى شيء أو لم يتحقق .
وعلى كل حال .. فالشيخ الكريم في تعليقه الأخير لم يناقش حقيقة الأدلة والشواهد التي ذكرتها على أن معبدا الجهني كان ممن ينكر سبق العلم الإلهي بأفعال العباد وأنه لم تثبت توبته من ذلك , وإنما علق على بعضها بتعليقات خاطئة .
وسأشير في هذا المقال إلى أصل واحد من أصول الغلط التي وقعت في تعقيبه الأخير , وهو سوء الفهم للكلام وعدم إدرك معانيه .
فتعقيب الشيخ الأخير اشتمل على صور متعددة من هذه الإشكالية :
الصورة الأولى : سوء الفهم لمحل البحث , فمحل البحث يا كرام : هل أجمع السلف على تكفير كل أعيان القدرية الأولى أم لا ؟ , وقدمت من الشواهد ما يدل على أن هذا الإجماع غير صحيح .
فكيف فهم الشيخ محل البحث؟!
فهم يا كرام أني أقول : السلف أجمعوا على عدم تكفير أعيان القدرية الأولى (أو أجمعوا على عدم تكفير معبد الجهني) ونتيجة لهذا الخطأ أخذ يعترض ويقول : كيف تستدل بحديث مسلم الذي فيه أن معبد أنكر علم الله وفيه أن ابن عمر كفره , ثم طفق يضفني بعدد من الأوصاف .
وهذا الاعتراض في الحقيقة يدل دلالة ظاهرة على أنه لم يفهم الكلام ولم يدرك محل البحث .
فالبحث يا كرام لم يكن في إثبات أن السلف أجمعوا على أن معبد ليس بكافر , وإنما كان في إثبات أن الإجماع المنقول على كفره غير صحيح , فثبوت أن بعض السلف حكم بكفره لا يعارض ما أقرره , بل أنا أقرره بوضوح وجلاء في المقالات السابقة .
فعلى التسليم بأن مقولة ابن عمر رضي الله عنه تقتضي التكفير العيني , فغاية ما فيها أن بعض السلف كفر معبدا , وهذا لا إشكال فيه على ما أقرره , لأني أقول : بعض السلف لم يكفره .
ولكن الشيخ الكريم غفل عن هذا المعنى تماما الغفلة .
الصورة الثانية من سوء الفهم : يقول الشيخ إذا ثبت أن ابن عمر كفر معبدا فلماذا تلوم الآخرين الذين اتبعوا ابن عمر وكفروه ؟!
وهذا سوء فهم من الشيخ لأنه تصور أن البحث في لوم الآخرين على تكفير معبد! , وهذا غير صحيح بالمرة , فمحل البحث وغرضه مناقشة الإجماع على المنقول عن تكفير معبد فقط , وأما من اختار تكفير معبد , فلا لوم عليه , وليس من غرض البحث الخوض في هذه المسألة .
ولكن الشيخ الكريم يأبي إلا أن يسيء فهمه , ويأتي بمعاني ليست مقصودة في البحث .
الصورة الثالثة من سوء الفهم : ذكرت أن الاحتمال الأقوى في فهم مقولة معبد لطاووس:"يكذب علي" هو أنه قالها تموها وتدلسيا .
ففهم الشيخ الكريم أني أقول إن معبدا يكذب , ثم اعترض فقال : كيف يحكم الأئمة بكونه ثقة وصدوقا وهو يكذب ؟!
وهذا سوء فهم جديد من الشيخ الكريم , فالتدليس والتمويه لا يتضمن الوصف بالكذب لا في اللغة ولا في عرف العلماء , وإنما غاية ما يتضمن استعمال عبارات موهمة ومحتملة , قد تكون كذبا وقد لا تكون , وبناء عليه فليس في كلامي ألبتة أن معبدا كذب , وإنما فيه أنه دلس وموه .
ولكن الشيخ يأبى مرة ثالثة إلا أن يفهم الكلام بصورة خاطئة , ثم يقوم بقوم بنقد الفهم الخاطئ الذي فهمه .
الصورة الرابعة من سوء الفهم : أدخل الشيخ مسألة ضابط قيام الحجة على المعين في تعقيبه , وأوهم المتابعين له بأن أتى بقضية ملزمة لي , ونقل عني كلاما في ضابط قيامها لا أدري من أين أتى به .
وهذا من سوء فهمه لمحل البحث , فمحل البحث في مناقشة الإجماع المنقول على تكفير أعيان القدرية الأولى"معبد الجهني" وليس في ضابط قيام الحجة .
وأما ضابط قيامها على المعيين فهو مسألة أخرى , وفيها تفاصيل وأحوال قد أكون أكثر شدة من الشيخ فيها , ولكنها ليست محل البحث هنا .
أربع صور من الغلط وسوء الفهم وقع فيها الشيخ في تعقيبه الأخير , والله المستعان .
ولي في نهاية هذا المقال رسالتان :
الأولى للشيخ الكريم , أتمنى منه أن يحرص على الهدوء ويحاول أن يفهم كلام الآخرين بشكل جيد , ويعطي نفسه وقتا للتأمل والتفهم , وعليه أن يحرص على أن يستعمل من