على عتبات الخمسين
غدا أتم عامي التاسع والأربعين، وأدلف مغارة الخمسين، أريد أن أفر من حقيقة شيخوختي، البارحة عجزت عن قفز حاجز صغير فأدركت جزءًا من الحقيقة، عدت للمنزل حزينًا ورأيت الشيب اشتعل في رأسي فآمنت بجزء آخر؛ وتركت كذبة أن الضوء الماكر يلتمع في جزء من شعري ليحزنني، كنت أصم سمعي لكل حناجر الدنيا التي تصرخ "لقد كبرت"، حتى أتت فتاة أفسحت لها المجال في طابور طويل فأطلقت رصاصة الرحمة على كبريائي بقولها: شكرًا يا [عم] .
لا أريد تمثيل دور الطفل الشقي الذي حكى عنه جلال أمين بأنه لما راهق كان يبدد أحلام الصغار حول حقيقة البابانويل؛ ليفسد عليهم لذة جهلهم، لكني أعترف أن أمنياتي أصابها طائف "تخفيضات"، وقصور أحلامي صارت بيتًا ثم غرفة حتى تضيق وتصبح قبرًا .. من أمارات الكبر أني صرت ألتفت لما فات أكثر من مستقبلي؛ آلم عنقي كثرة الالتواء للماضي، وتوّجت "كان" سيدة أخواتها، علمتني الأيام أني ما علمت شيئًا، وأن مدرسة الحياة تعترف بمن يجتهد في القسم العملي دون النظري
أصبت في عمري بما أصنفه بفوبيا الموت، كنت أجزم أني لن أبلغ الثلاثين؛ لكن قضاء الله نافذ، ولو عدت لسالف أيامي لخففت حدة تمسكي برأيي، ولآثرت أن أكسب الشخص دون الموقف في أغلب الأحيان، لو عدت لعلمت أن الطباع كالألوان؛ كنت سأتفهم من أحب حين يلبس لونًا مختلفا، فلوحة الأيام تسع هذا الاختلاف .. لو رجعت لسعيت جهدي في التماس العذر لأصدقائي، كنت سأخفض سقف أحلامي لئلا أصطدم بالخيبة، وكنت وكنت وكنت.. أو ربما لو عدت لكررت الأخطاء عينها .
قلت :
ما سبق محض خيال لما سأكون عليه -إن أمد الله أيامي-، لا زلت شابًا؛ تقمصت قناع الخمسيني الذي سيغدو وجهي الحقيقي بعد أقل من عقدين إن شاء الله، علّ ذلك يورثني حكمة وحسن فهم للحياة .
غدا أتم عامي التاسع والأربعين، وأدلف مغارة الخمسين، أريد أن أفر من حقيقة شيخوختي، البارحة عجزت عن قفز حاجز صغير فأدركت جزءًا من الحقيقة، عدت للمنزل حزينًا ورأيت الشيب اشتعل في رأسي فآمنت بجزء آخر؛ وتركت كذبة أن الضوء الماكر يلتمع في جزء من شعري ليحزنني، كنت أصم سمعي لكل حناجر الدنيا التي تصرخ "لقد كبرت"، حتى أتت فتاة أفسحت لها المجال في طابور طويل فأطلقت رصاصة الرحمة على كبريائي بقولها: شكرًا يا [عم] .
لا أريد تمثيل دور الطفل الشقي الذي حكى عنه جلال أمين بأنه لما راهق كان يبدد أحلام الصغار حول حقيقة البابانويل؛ ليفسد عليهم لذة جهلهم، لكني أعترف أن أمنياتي أصابها طائف "تخفيضات"، وقصور أحلامي صارت بيتًا ثم غرفة حتى تضيق وتصبح قبرًا .. من أمارات الكبر أني صرت ألتفت لما فات أكثر من مستقبلي؛ آلم عنقي كثرة الالتواء للماضي، وتوّجت "كان" سيدة أخواتها، علمتني الأيام أني ما علمت شيئًا، وأن مدرسة الحياة تعترف بمن يجتهد في القسم العملي دون النظري
أصبت في عمري بما أصنفه بفوبيا الموت، كنت أجزم أني لن أبلغ الثلاثين؛ لكن قضاء الله نافذ، ولو عدت لسالف أيامي لخففت حدة تمسكي برأيي، ولآثرت أن أكسب الشخص دون الموقف في أغلب الأحيان، لو عدت لعلمت أن الطباع كالألوان؛ كنت سأتفهم من أحب حين يلبس لونًا مختلفا، فلوحة الأيام تسع هذا الاختلاف .. لو رجعت لسعيت جهدي في التماس العذر لأصدقائي، كنت سأخفض سقف أحلامي لئلا أصطدم بالخيبة، وكنت وكنت وكنت.. أو ربما لو عدت لكررت الأخطاء عينها .
قلت :
ما سبق محض خيال لما سأكون عليه -إن أمد الله أيامي-، لا زلت شابًا؛ تقمصت قناع الخمسيني الذي سيغدو وجهي الحقيقي بعد أقل من عقدين إن شاء الله، علّ ذلك يورثني حكمة وحسن فهم للحياة .