عن كتاب 📚السيرة النبوية المرحلة المكية🕋
✍️بقلم: أ. أبو ياسر القادري
💎إلى الطائف:
رأينا ما قامت به قريش من صد للدعوة وإلحاق الأذى بالمسلمين ومعهم النبي ﷺ فتوجَّه رسول الله ﷺ إلى الطائف وهي تبعد عن مكة نحو خمسين ميلاً ماشياً على قدميه عسى أن يجد فيها أنصاراً لدعوته ويجعل الله له فيها مخرجاً، وهكذا صاحب الدعوة همُّه نشر دعوة الحق متحمِّلاً صعوبة الطريق ومتجاوزاً العقبات، لأنَّ انتصار الدين عنده تهون لأجله المصائب والابتلاءات.
وصل الطائف وقصد أشرافها فكلَّمهم في مجالسهم بدخول الإسلام ودعاهم إلى الله فردُّوه جميعاً، قال أحدهم: هو يمزِّق ثياب الكعبة إن كان الله أرسله، وقال الآخر: أما وجد الله أحداً يرسله غيرك، وقال الثالث: والله لا أكلِّمك أبداً، لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أَرُدَّ الكلام، ولئن كنت كاذباً على الله فما ينبغي لي أن أكلِّمك.
ومكث النبي ﷺ عشرة أيام يتردَّد على منازلهم دون فائدة، فلمَّا يئس من خير ثقيف قال لهم: «إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عنِّي»، حيث كره رسول الله ﷺ أن تبلغ أهل مكة ما حصل له، لكنَّ القوم أخسُّ ممَّا ينتظر قالوا له: أخرج من بلدنا، وحرَّشوا عليه الصبيان والرعاع فوقفوا له في صفَّين يرمونه بالحجارة ويشتمونه، وزيد بن حارثة يحاول عبثاً الدفاع عنه حتَّى شُجَّ في رأسه وأصيب الرسول ﷺ في أقدامه فسالت منها الدماء، وألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة وهما من أهل مكَّة ويملكان هذا الحائط بالطائف فصرفا عنه الغلمان والأوباش، وجلس ﷺ يستريح وتمرُّ به ذكريات الأيام التي عاناها مع أهل مكَّة والمآسي المتلاحقة، فاتَّجه إلى خالق السماوات والأرض فهو المعين لأهل الحقِّ دائماً وحاشاه سبحانه وتعالى أن يخذله ويتركه، رفع النبي ﷺ يديه إلى الله هاتفاً: «اللهمَّ إليك أشكو ضعف قوَّتي، وقلَّة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت ربُّ المستضعفين وأنت ربِّي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهَّمني أم إلى عدو ملَّكته أمري، إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، ولكنَّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن ينزل بي غضبك أو يحلَّ عليَّ سخطك، لك العتبى حتَّى ترضى، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بك» وتحرَّكت عاطفة القرابة في قلوب ابني ربيعة فأرسلا مع غلام لهما اسمه عدَّاس وكان نصرانيَّاً يقطف من العنب إلى رسول الله ﷺ، فلمَّا قال عدَّاس: إنَّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة، قال له النبي ﷺ: «من أي البلاد أنت؟» قال: أنا نصراني من نينوى، فقال له رسول الله ﷺ: «أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متَّى؟»، قال له: وما يدريك ما يونس؟ قال رسول الله ﷺ: «ذلك أخي كان نبيَّاً وأنا نبي» فأكبَّ عدَّاس على رجلي رسول الله ﷺ يقبِّلهما، فقال ابنا ربيعة أحدهما للآخر: أمَّا غلامك فقد أفسده عليك، فلمَّا جاء عدَّاس قالا له: ويحك ما هذا؟ قال: ما في الأرض خير من هذا الرجل، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلَّا نبي؛ وحاولا تثبيته على نصرانيَّته.
وناداه ملك الجبال فسلَّم عليه ثمَّ قال: يا محمَّد، إنَّ الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربُّك إليك لتأمرني بأمرك بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال ﷺ: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً».
إنَّ العقوبة لو أرادها رسول الله ﷺ كانت موجَّهة لأهل مكَّة فالأخشبان جبلا مكَّة، ذلك أنَّ أهلها هم السبب في إخراجه وحصول ما أصابه ولكنَّه ﷺ وهو رحمة للعالمين لم يكن لينتقم لنفسه على الرغم من ذلك العناء الذي هو فيه، ولا بدَّ أنَّ النبيَّ ﷺ حين أتاه ملك الجبال ما كان يغيب عنه ما لاقاه في مكَّة من صد وأذى وحصار له ولأتباعه، كلُّ ذلك كان كفيلاً بأن يقول نعم، وحينئذ كان سوف يقال: كانت مكَّة، لكنَّ الرسول ﷺ الذي كان على ثقة بنصر الله كان أمله كبيراً في أن تكون مكَّة نفسها مصدراً لإمداد البناء الإيماني ببعض رجالها، وقد تحقَّقت أمنيته عليه السلام فيما بعد.
وتابع طريقه ﷺ إلى مكَّة ماشياً كما ذهب، وقَبِلَ مطعم بن عدي أن يدخله في جواره، وركب مطعم ناقته ثمَّ نادى: يا معشر قريش قد أَجَرْتُ محمَّداً فلا يَهْجُهُ أحد منكم، فلمَّا انتهى ﷺ إلى الكعبة صلَّى ركعتين ثمَّ انصرف إلى بيته ومطعم وأهله يحرسونه بأسلحتهم، وقيل إنَّ أبا جهل سأل مطعماً: أمجير أنت أم متابع؟ - مسلم - قال: بل مجير، قال: قد أجرنا ما أجرت، ويتابع النبي مهمَّته في مكَّة داعياً إلى الله، وبينما هو ماضٍ في جهاده إذ وقعت له وقعة الإسراء والمعراج.
*
🌸#قناة_الهدى_الإسلامية🌸
@AlhudaIs
✍️بقلم: أ. أبو ياسر القادري
💎إلى الطائف:
رأينا ما قامت به قريش من صد للدعوة وإلحاق الأذى بالمسلمين ومعهم النبي ﷺ فتوجَّه رسول الله ﷺ إلى الطائف وهي تبعد عن مكة نحو خمسين ميلاً ماشياً على قدميه عسى أن يجد فيها أنصاراً لدعوته ويجعل الله له فيها مخرجاً، وهكذا صاحب الدعوة همُّه نشر دعوة الحق متحمِّلاً صعوبة الطريق ومتجاوزاً العقبات، لأنَّ انتصار الدين عنده تهون لأجله المصائب والابتلاءات.
وصل الطائف وقصد أشرافها فكلَّمهم في مجالسهم بدخول الإسلام ودعاهم إلى الله فردُّوه جميعاً، قال أحدهم: هو يمزِّق ثياب الكعبة إن كان الله أرسله، وقال الآخر: أما وجد الله أحداً يرسله غيرك، وقال الثالث: والله لا أكلِّمك أبداً، لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أَرُدَّ الكلام، ولئن كنت كاذباً على الله فما ينبغي لي أن أكلِّمك.
ومكث النبي ﷺ عشرة أيام يتردَّد على منازلهم دون فائدة، فلمَّا يئس من خير ثقيف قال لهم: «إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عنِّي»، حيث كره رسول الله ﷺ أن تبلغ أهل مكة ما حصل له، لكنَّ القوم أخسُّ ممَّا ينتظر قالوا له: أخرج من بلدنا، وحرَّشوا عليه الصبيان والرعاع فوقفوا له في صفَّين يرمونه بالحجارة ويشتمونه، وزيد بن حارثة يحاول عبثاً الدفاع عنه حتَّى شُجَّ في رأسه وأصيب الرسول ﷺ في أقدامه فسالت منها الدماء، وألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة وهما من أهل مكَّة ويملكان هذا الحائط بالطائف فصرفا عنه الغلمان والأوباش، وجلس ﷺ يستريح وتمرُّ به ذكريات الأيام التي عاناها مع أهل مكَّة والمآسي المتلاحقة، فاتَّجه إلى خالق السماوات والأرض فهو المعين لأهل الحقِّ دائماً وحاشاه سبحانه وتعالى أن يخذله ويتركه، رفع النبي ﷺ يديه إلى الله هاتفاً: «اللهمَّ إليك أشكو ضعف قوَّتي، وقلَّة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت ربُّ المستضعفين وأنت ربِّي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهَّمني أم إلى عدو ملَّكته أمري، إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، ولكنَّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن ينزل بي غضبك أو يحلَّ عليَّ سخطك، لك العتبى حتَّى ترضى، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بك» وتحرَّكت عاطفة القرابة في قلوب ابني ربيعة فأرسلا مع غلام لهما اسمه عدَّاس وكان نصرانيَّاً يقطف من العنب إلى رسول الله ﷺ، فلمَّا قال عدَّاس: إنَّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة، قال له النبي ﷺ: «من أي البلاد أنت؟» قال: أنا نصراني من نينوى، فقال له رسول الله ﷺ: «أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متَّى؟»، قال له: وما يدريك ما يونس؟ قال رسول الله ﷺ: «ذلك أخي كان نبيَّاً وأنا نبي» فأكبَّ عدَّاس على رجلي رسول الله ﷺ يقبِّلهما، فقال ابنا ربيعة أحدهما للآخر: أمَّا غلامك فقد أفسده عليك، فلمَّا جاء عدَّاس قالا له: ويحك ما هذا؟ قال: ما في الأرض خير من هذا الرجل، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلَّا نبي؛ وحاولا تثبيته على نصرانيَّته.
وناداه ملك الجبال فسلَّم عليه ثمَّ قال: يا محمَّد، إنَّ الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربُّك إليك لتأمرني بأمرك بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال ﷺ: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً».
إنَّ العقوبة لو أرادها رسول الله ﷺ كانت موجَّهة لأهل مكَّة فالأخشبان جبلا مكَّة، ذلك أنَّ أهلها هم السبب في إخراجه وحصول ما أصابه ولكنَّه ﷺ وهو رحمة للعالمين لم يكن لينتقم لنفسه على الرغم من ذلك العناء الذي هو فيه، ولا بدَّ أنَّ النبيَّ ﷺ حين أتاه ملك الجبال ما كان يغيب عنه ما لاقاه في مكَّة من صد وأذى وحصار له ولأتباعه، كلُّ ذلك كان كفيلاً بأن يقول نعم، وحينئذ كان سوف يقال: كانت مكَّة، لكنَّ الرسول ﷺ الذي كان على ثقة بنصر الله كان أمله كبيراً في أن تكون مكَّة نفسها مصدراً لإمداد البناء الإيماني ببعض رجالها، وقد تحقَّقت أمنيته عليه السلام فيما بعد.
وتابع طريقه ﷺ إلى مكَّة ماشياً كما ذهب، وقَبِلَ مطعم بن عدي أن يدخله في جواره، وركب مطعم ناقته ثمَّ نادى: يا معشر قريش قد أَجَرْتُ محمَّداً فلا يَهْجُهُ أحد منكم، فلمَّا انتهى ﷺ إلى الكعبة صلَّى ركعتين ثمَّ انصرف إلى بيته ومطعم وأهله يحرسونه بأسلحتهم، وقيل إنَّ أبا جهل سأل مطعماً: أمجير أنت أم متابع؟ - مسلم - قال: بل مجير، قال: قد أجرنا ما أجرت، ويتابع النبي مهمَّته في مكَّة داعياً إلى الله، وبينما هو ماضٍ في جهاده إذ وقعت له وقعة الإسراء والمعراج.
*
🌸#قناة_الهدى_الإسلامية🌸
@AlhudaIs