.
قد تكاثرت نصوص الوحي في ذم السرف وإنكاره وتبشيعه، وبيان عقوبته في الدنيا والآخرة، فهذا أمر قد فرغ منه، ولا تميل معه الرؤوس.
لكنّ الذي يُحتاج إليه في تمام فقه هذه النصوص، ودراستها، معرفة ضابط السرف وحدِّه وقدره.
وقد جاء في ذلك أقوال في ضبطه عن بعض أهل العلم، أنقل هنا بعض ما يمكن أن يضبط به السرف في النفقات:
•• مجاوزة الحد، وقد نقله الطبري عن جمع من السلف.
(تفسيره ١٩ / ٢٩٩)
فيكون السرف كل ما تجاوز به صاحبه للحد، وقد ضبطه بذلك الجويني، وزاد قيدا فيه فقال: فيما لا يكسب أجرا.
(انظر: نهاية المطلب ١١ / ٥٥٤).
وممن ضبطه بذلك: ابن تيمية، كما نقله ابن مفلح في الآداب الشرعية، (٣ / ١٩٧).
• ومن أمثلته التي ذكرها أهل العلم: الأكل فوق الشبع. (انظر: أحكام القرآن للجصاص ٤ / ٢٠٧، المبسوط للسرخسي ٢٤ / ٩).
- وهل يحرم الأكل فوق الشبع أم يكره؟ نقل القرطبي فيه قولين.
(تفسير القرطبي ٧ / ١٩١)
- بل جاء عن عمر -رضي ﷲ عنه- ما هو أشدّ، فثبت في الزهد لأحمد عن عمر أنه قال: "كفى بالمرء إسرافا أن يأكل كل ما اشتهى". (الزهد لأحمد ص ١٠٢)
- فإن قيل: فما هو الضَّابط للقدر الذي يُعَدّ تجاوزا للحدّ، ويذمّ تجاوزه؟
فيقال: يضبطه النظر إلى ما يليق بحال المنفق وبقدر ماله، فما كان لا يليق به عرفا فهو سرف محرم.
وفي مصنف ابن أبي شيبة ﻋﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ: "ﻭﻻ ﺗﻨﻔﻖ ﻧﻔﻘﺔ ﻳﻘﻮﻝ اﻟﻨﺎﺱ: ﺇﻧﻚ ﺃسرفت ﻓﻴﻬﺎ".
(المصنف ٢٤٨٧٩).
وهذا مذهب جمع من الفقهاء، كما هو مذهب الشافعية.
وانظر: نهاية المحتاج (٤/ ٣٦٢)، فتح الباري (١٠ / ٤٠٨).
وممن ذكر تقييده بالعرف ابن مفلح (الآداب الشرعية ٣ / ٤٢٥).
• ومن الضوابط كذلك: ألّا يضيّع ما هو أولى منه، كالديون والنفقات الواجبة، نحو النفقة على الزوجة والأولاد، وفي المسند والسنن ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: "ﻛﻔﻰ ﺑﺎﻟﻤﺮء ﺇﺛﻤﺎ ﺃﻥ ﻳﻀﻴﻊ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﺕ".
(رواه أحمد ٦٤٩٥، وأبو داود ١٦٩٢).
والله أعلم.