الحرّية...
في أحد الأيّام كنّا في مناظرة بين فئتين، الفئة الأولى تقول إنّ المتديّنين مقيدون ومغلولون ومعقدون، والفئة الأخرى تعارض قولهم هذا وتدافع عن المنظّومة الإلهية تلك.
كان يومها عدد المناظرين قليلاً، ولا أظنّ أنّ عددهم تجاوز العشرة، وهذه المناظرة كان يُحضَّر لها من قِبَل الفئة الأولى على وسائل التواصل الاجتماعي فبدؤوها حتى انهالت التعليقات بين مؤيّد ومعارض، وما كادت تنتهي إلّا بدعوة الأفاضل للتلاقي والمباحثة في هذا الشأن وكان الشهيد محمّد من دعا إليها فكانت المناظرة.
بدأ الشهيد محمّد بالقول إنّ النقاش يجب أن يكون بشكل يليق بالموضوع الذي يتباحثون فيه، وتمنّى على المشاركين التقيّد والالتزام بنظام الحديث وهو أن يتكلّم كلٌّ على حدة وأن لا يتجاوز الحديث الحدود العُرفيّة من لياقة الكلام.
وللمعلومة كان الشهيد يومها في عمر السابعة عشرة والأشخاص الذين شاركوا كانوا من نفس الفئة العمرية.
بدأ الحديث شخص من الفئة التي تتّهم المتديّنين بالتقييد والتعقيد فقال: "أوّلاً إنّ حديثي عن المتديّنين ليس انتقاصاً من شأنهم، فنحن مع الحرّية وهم بإمكانهم التعبير عمّا يريدون ولكن لا يستطيع المتديّن أو حتى دينه أن يفرض ما عليّ القيام به، يقول لي صلِّ وادعُ في الليل والنهار،
أو أن يجبرني على الحج أو الزكاة أو الخمس، أو حتى أن يجبرني على ارتداء الحجاب"؛ دينكم دين الجبر والأمر، وهذا ما نُدينه ونخالفكم فيه، وإنّي أنصحكم بأن تتحرّروا من هذه القيود، فالله لا يقيّد إنساناً، كلّنا خُلقنا أحراراً وسنبقى كذلك."
ثمّ أضاف قائلٌ من تلك الفئة، "الحرّية جائزة ومشروعة طالما أنّها لا تعتدّي على الآخرين أو تنتقص من حقوقهم، فأنا إن لم أصلِّ أو لم أصُم أو لم أزكِّ أو أو.. فلن أؤذي أحداً، لماذا هذا الأمر والجبر على الصلاة والزكاة والحج والدعاء؟!."
قال الشهيد محمّد بدايةً، "نحن أهل الدليل، حيثما مال نميل؛ أوّلاً عندي سؤالٌ لكم، هل أنتم مُلحدون أم تؤمنون بالله الواحد الأحد؟، لأنّ سكّة الحديث تبدأ من هنا." قالوا، "نحن موحّدون والله وهبنا الحرّية وها نحن ندافع عمّا وهبنا الله."
فقال الشهيد، "عندما تتصرّف على أهوائك فأنت شخص مقيّد لأنّك إنسان، والإنسان مخلوقٌ مقيّدٌ ومحدود، أمّا عندما تتصرّف في الله وله عزّ وجل فأنت شخص حرّ لأنّ الله هو أصل الحرّية. الحرّية هي أن تجد نفسك بين يدي الله اللامحدود، لا أن تتقيّد بمحدوديّة الذات واللذات، إنّ الله جلّ وعلا خلقك محدوداً ومقيّداً وأنت بمحدوديّتك تلك لن تصل إلى الحرّية المطلقة إلّا إذا وصلت إلى المعبود اللامحدود، لا يغرّنّك الشيطان بالقول أنّك شخص تتمتّع بمطلق الحرّية، لأنّك بذلك تتكبّر على الله والعياذ بالله، فحواسك محدودة ومقيّدة بالعوامل الخارجيّة والذاتيّة
الداخليّة، وأنت بكيانك محدود وبمشاعرك محدود وبخيالك محدود وحتّى بأسلوب حياتك محدود، أطلق عنانك واعترف بحبّك الأزلي لله، فابكِ بين يديه وناجيه واطلب منه واعبده ولا تقطع صلتك به، وستجد ذاتك في نهاية المطاف ذلك أنّك حرٌّ لأنّ محدوديّتك الإنسانيّة اتّصلت باللامحدوديّة الملكوتيّة، عزيزي ديني يذكّرني بالتواصل مع الله ولا يأمرني بذلك، ونحن نعبد الله لأنّنا نحبّه لا لأنّنا مُجبرون على ذلك، إلى متى أُهملُ من أُحبّ باللذات؟ إلى متى أُشبع ذاتي بالشهوات؟ صديقي لذّتنا التي تفترض أنّك ستُحقّق حرّيتك بها هي لذّة محدودة لأنّك محدود، مهما قمتَ من أفعال ستبقى محدوداً، نأكل، نشرب، نلهو، ننام كلّها محدوديّات يحدّها الزمان والمكان والكيان البشري، إنّ جانباً غيبيّاً يجب أن يتدخل، أنتَ أيّها المحدود لا تستطيع أن تصل إلى الحرّية المطلقة لأنّك خُلقت مقيّداً مكبلاً، نحن ننصحكم أن تتحرّروا ذلك بأن تستثمروا عشقكم لله، صِلُواأرواحكم بالله الحرّ اللامحدود فهو يمتلك مُطلق الحرّية وإن لم تتصلوا بها سوف لن تذوقوا طعم الحرّية المطلقة الحقيقيّة، إلّا على ألسنتكم التي تتذوّق حرّية زائفة تُلهيكم عن الحرّية الحقيقيّة المطلقة التي لا يمتلك مخازنها إلّا الله تعالى، موضوع الحرّية لا يتعلّق بأذيّة الآخرين أو عدمه، الحرّية بالنسبة لنا تتحقّق عندما نصل إلى الله فنُشبع شهواتنا ولذّاتنا بما أحلّ الله، ونربط أرواحنا بالله، نبكي ونخشع بين يديه، نلتزم بأوامره ونواهيه، لأنّ العشق الملكوتيّ فينا يُلزمنا بذلك، إن اختبرتَ الحبّ ستعرف ماذا أقول، وإن لم تختبر العشق الغيبي
فإنّي أبشّرك أنّك لم تُحقّق شيئاً من حرّيتك المزعومة تلك، ديننا بالنسبة لك دين التقييد، ولكن بالنسبة لنا هو سبيل الله الحرّ المطلق، ولا سبيل للحرّية إلى بالوصول إلى الله".
في أحد الأيّام كنّا في مناظرة بين فئتين، الفئة الأولى تقول إنّ المتديّنين مقيدون ومغلولون ومعقدون، والفئة الأخرى تعارض قولهم هذا وتدافع عن المنظّومة الإلهية تلك.
كان يومها عدد المناظرين قليلاً، ولا أظنّ أنّ عددهم تجاوز العشرة، وهذه المناظرة كان يُحضَّر لها من قِبَل الفئة الأولى على وسائل التواصل الاجتماعي فبدؤوها حتى انهالت التعليقات بين مؤيّد ومعارض، وما كادت تنتهي إلّا بدعوة الأفاضل للتلاقي والمباحثة في هذا الشأن وكان الشهيد محمّد من دعا إليها فكانت المناظرة.
بدأ الشهيد محمّد بالقول إنّ النقاش يجب أن يكون بشكل يليق بالموضوع الذي يتباحثون فيه، وتمنّى على المشاركين التقيّد والالتزام بنظام الحديث وهو أن يتكلّم كلٌّ على حدة وأن لا يتجاوز الحديث الحدود العُرفيّة من لياقة الكلام.
وللمعلومة كان الشهيد يومها في عمر السابعة عشرة والأشخاص الذين شاركوا كانوا من نفس الفئة العمرية.
بدأ الحديث شخص من الفئة التي تتّهم المتديّنين بالتقييد والتعقيد فقال: "أوّلاً إنّ حديثي عن المتديّنين ليس انتقاصاً من شأنهم، فنحن مع الحرّية وهم بإمكانهم التعبير عمّا يريدون ولكن لا يستطيع المتديّن أو حتى دينه أن يفرض ما عليّ القيام به، يقول لي صلِّ وادعُ في الليل والنهار،
أو أن يجبرني على الحج أو الزكاة أو الخمس، أو حتى أن يجبرني على ارتداء الحجاب"؛ دينكم دين الجبر والأمر، وهذا ما نُدينه ونخالفكم فيه، وإنّي أنصحكم بأن تتحرّروا من هذه القيود، فالله لا يقيّد إنساناً، كلّنا خُلقنا أحراراً وسنبقى كذلك."
ثمّ أضاف قائلٌ من تلك الفئة، "الحرّية جائزة ومشروعة طالما أنّها لا تعتدّي على الآخرين أو تنتقص من حقوقهم، فأنا إن لم أصلِّ أو لم أصُم أو لم أزكِّ أو أو.. فلن أؤذي أحداً، لماذا هذا الأمر والجبر على الصلاة والزكاة والحج والدعاء؟!."
قال الشهيد محمّد بدايةً، "نحن أهل الدليل، حيثما مال نميل؛ أوّلاً عندي سؤالٌ لكم، هل أنتم مُلحدون أم تؤمنون بالله الواحد الأحد؟، لأنّ سكّة الحديث تبدأ من هنا." قالوا، "نحن موحّدون والله وهبنا الحرّية وها نحن ندافع عمّا وهبنا الله."
فقال الشهيد، "عندما تتصرّف على أهوائك فأنت شخص مقيّد لأنّك إنسان، والإنسان مخلوقٌ مقيّدٌ ومحدود، أمّا عندما تتصرّف في الله وله عزّ وجل فأنت شخص حرّ لأنّ الله هو أصل الحرّية. الحرّية هي أن تجد نفسك بين يدي الله اللامحدود، لا أن تتقيّد بمحدوديّة الذات واللذات، إنّ الله جلّ وعلا خلقك محدوداً ومقيّداً وأنت بمحدوديّتك تلك لن تصل إلى الحرّية المطلقة إلّا إذا وصلت إلى المعبود اللامحدود، لا يغرّنّك الشيطان بالقول أنّك شخص تتمتّع بمطلق الحرّية، لأنّك بذلك تتكبّر على الله والعياذ بالله، فحواسك محدودة ومقيّدة بالعوامل الخارجيّة والذاتيّة
الداخليّة، وأنت بكيانك محدود وبمشاعرك محدود وبخيالك محدود وحتّى بأسلوب حياتك محدود، أطلق عنانك واعترف بحبّك الأزلي لله، فابكِ بين يديه وناجيه واطلب منه واعبده ولا تقطع صلتك به، وستجد ذاتك في نهاية المطاف ذلك أنّك حرٌّ لأنّ محدوديّتك الإنسانيّة اتّصلت باللامحدوديّة الملكوتيّة، عزيزي ديني يذكّرني بالتواصل مع الله ولا يأمرني بذلك، ونحن نعبد الله لأنّنا نحبّه لا لأنّنا مُجبرون على ذلك، إلى متى أُهملُ من أُحبّ باللذات؟ إلى متى أُشبع ذاتي بالشهوات؟ صديقي لذّتنا التي تفترض أنّك ستُحقّق حرّيتك بها هي لذّة محدودة لأنّك محدود، مهما قمتَ من أفعال ستبقى محدوداً، نأكل، نشرب، نلهو، ننام كلّها محدوديّات يحدّها الزمان والمكان والكيان البشري، إنّ جانباً غيبيّاً يجب أن يتدخل، أنتَ أيّها المحدود لا تستطيع أن تصل إلى الحرّية المطلقة لأنّك خُلقت مقيّداً مكبلاً، نحن ننصحكم أن تتحرّروا ذلك بأن تستثمروا عشقكم لله، صِلُواأرواحكم بالله الحرّ اللامحدود فهو يمتلك مُطلق الحرّية وإن لم تتصلوا بها سوف لن تذوقوا طعم الحرّية المطلقة الحقيقيّة، إلّا على ألسنتكم التي تتذوّق حرّية زائفة تُلهيكم عن الحرّية الحقيقيّة المطلقة التي لا يمتلك مخازنها إلّا الله تعالى، موضوع الحرّية لا يتعلّق بأذيّة الآخرين أو عدمه، الحرّية بالنسبة لنا تتحقّق عندما نصل إلى الله فنُشبع شهواتنا ولذّاتنا بما أحلّ الله، ونربط أرواحنا بالله، نبكي ونخشع بين يديه، نلتزم بأوامره ونواهيه، لأنّ العشق الملكوتيّ فينا يُلزمنا بذلك، إن اختبرتَ الحبّ ستعرف ماذا أقول، وإن لم تختبر العشق الغيبي
فإنّي أبشّرك أنّك لم تُحقّق شيئاً من حرّيتك المزعومة تلك، ديننا بالنسبة لك دين التقييد، ولكن بالنسبة لنا هو سبيل الله الحرّ المطلق، ولا سبيل للحرّية إلى بالوصول إلى الله".