[تصوير ابن المقفّع لغفلة الإنسان عن الآخرة]
قال في كتاب كليلة ودمنة (ص: 89-90):
"فالتمست للإنسان مثلاً، فإذا مثَلُه مثَلُ رجلٍ نجا من خوفِ فيلٍ هائجٍ، إلى بئرٍ، فتدلى فيها، وتعلق بغصنين كانا على سمائها[أي: أعلى البئر] فوقعت رجلاه على شيءٍ في طيّ البئر، فإذا حياتٌ أربع قد أخرجن رؤوسهن من أجحارهن، ثم نظر فإذا في قاع البئر تِنِّينٌ [أكبر ما يكون من الحيات] فاتحٌ فاه، منتظر له ليقع فيأخذه، فرفع بصره إلى الغصنين، فإذا في أصلهما جُرذان [فأران كبيران] أسود وأبيض، وهما يقرضان الغصنين دائبين لا يفتران، فبينما هو في النظر لأمره والاهتمام لنفسه، إذا أبصر قريباً منه كِوَارةً [بيت النحل] فيها عسل نحلٍ، فذاق العسل، فشغلته حلاوته، وألهته لذته عن الفكرة في شيءٍ من أمره، وأن يلتمس الخلاص لنفسه؛ ولم يذكر أن رجليه على حياتٍ أربعٍ لا يدري متى يقع عليهن؛ ولم يذكر أن الجرذين دائبان في قطع الغصنين، ومتى انقطعا وقع على التنّين.
فلم يزل لاهياً غافلاً مشغولاً بتلك الحلاوة حتى سقط في فم التنّين فهلك.
فشبّهتُ بالبئر الدنيا المملوءة آفاتٍ وشروراً، ومخافاتٍ وعاهاتٍ.
وشبهت بالحيات الأربع الأخلاط الأربعة التي في البدن: فإنها متى هاجت أو أحدها كانت كحمة الأفاعي والسم المميت.
وشبهت بالجرذين الأسود والأبيض الليل والنهار اللذين هما دائبان في إفناء الأجل. وشبهت بالتنّين المصير الذي لا بد منه.
وشبهت بالعسل هذه الحلاوة القليلة التي ينال منها الإنسان فيطعم ويسمع ويشم ويلمس، ويتشاغل عن نفسه، ويلهو عن شأنه، ويصد عن سبيل قصده".
#ذروة_السنام
قال في كتاب كليلة ودمنة (ص: 89-90):
"فالتمست للإنسان مثلاً، فإذا مثَلُه مثَلُ رجلٍ نجا من خوفِ فيلٍ هائجٍ، إلى بئرٍ، فتدلى فيها، وتعلق بغصنين كانا على سمائها[أي: أعلى البئر] فوقعت رجلاه على شيءٍ في طيّ البئر، فإذا حياتٌ أربع قد أخرجن رؤوسهن من أجحارهن، ثم نظر فإذا في قاع البئر تِنِّينٌ [أكبر ما يكون من الحيات] فاتحٌ فاه، منتظر له ليقع فيأخذه، فرفع بصره إلى الغصنين، فإذا في أصلهما جُرذان [فأران كبيران] أسود وأبيض، وهما يقرضان الغصنين دائبين لا يفتران، فبينما هو في النظر لأمره والاهتمام لنفسه، إذا أبصر قريباً منه كِوَارةً [بيت النحل] فيها عسل نحلٍ، فذاق العسل، فشغلته حلاوته، وألهته لذته عن الفكرة في شيءٍ من أمره، وأن يلتمس الخلاص لنفسه؛ ولم يذكر أن رجليه على حياتٍ أربعٍ لا يدري متى يقع عليهن؛ ولم يذكر أن الجرذين دائبان في قطع الغصنين، ومتى انقطعا وقع على التنّين.
فلم يزل لاهياً غافلاً مشغولاً بتلك الحلاوة حتى سقط في فم التنّين فهلك.
فشبّهتُ بالبئر الدنيا المملوءة آفاتٍ وشروراً، ومخافاتٍ وعاهاتٍ.
وشبهت بالحيات الأربع الأخلاط الأربعة التي في البدن: فإنها متى هاجت أو أحدها كانت كحمة الأفاعي والسم المميت.
وشبهت بالجرذين الأسود والأبيض الليل والنهار اللذين هما دائبان في إفناء الأجل. وشبهت بالتنّين المصير الذي لا بد منه.
وشبهت بالعسل هذه الحلاوة القليلة التي ينال منها الإنسان فيطعم ويسمع ويشم ويلمس، ويتشاغل عن نفسه، ويلهو عن شأنه، ويصد عن سبيل قصده".
#ذروة_السنام