جاءت الأخبار عن علماء المسلمين - رحمهم الله - تؤكد على ضرورة تعلم الأدب قبل العلم, وتقديم التأدب على التعلم؛ قال الإمام عبدالله بن المبارك رحمه الله: "طلبت الأدب ثلاثين سنةً, وطلبت العلم عشرين سنةً, وكانوا يطلبون الأدب قبل العلم"[1].
وقال - رحمه الله -: "كاد الأدب أن يكون ثُلُثي الدِّين"[2]، وقال أيضًا - رحمه الله -: "نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم"[3].
وأخرج الخطيب في الجامع بسنده إلى مالك بن أنس، قال: قال ابن سيرين: "كانوا يتعلمون الهَدْيَ كما يتعلمون العلم، قال: وبعث ابن سيرين رجلاً فنظر كيف هَدْيُ القاسم وحالُه"[4]، وروى الخطيب في الجامع قال: أخبرني عبدالله بن يحيى السكري، أنا محمد بن عبدالله الشافعي، نا جعفر بن محمد بن الأزهر، نا ابن الغلابي، نا أبي، نا إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: قال لي أبي: "يا بنيَّ، ايتِ الفقهاءَ والعلماء، وتعلم منهم، وخُذْ مِن أدبهم وأخلاقهم وهَدْيِهم؛ فإن ذاك أحبُّ إليَّ لك من كثير من الحديث"[5].
وقد أشار الإمام ابن مفلح المقدسي - رحمه الله - إلى هذا الأدب العظيم، وهو التحلي بالأدب قبل التحلي بالعلم، فقال: "قال في الغُنية بعد أن ذكر جملةً من الآداب: ينبغي لكل مؤمن أن يعمل بهذه الآداب في أحواله؛ روي عن عمر - رضي الله عنه - قال: تأدبوا ثم تعلموا، وقال أبو عبدالله البلخيُّ: أدبُ العلم أكثرُ من العلم"، وقال عبدالله بن المبارك: إذا وُصِف لي رجلٌ له علم الأولين والآخِرين لا أتأسَّف على فَوْت لقائه، وإذا سمعت رجلاً له أدب القسِّ أتمنى لقاءَه وأتأسَّف على فَوته"[6].
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، قال: أدِّبوهم وعلِّموهم"[7].
وينبغي على المؤسسات التربوية أن تُعنَى بهذا الجانب أشدَّ العناية، فينبغي تربية الأبناء بالأدب قبل تربيتهم بالمعرفة؛ لإخراج جيلٍ يعرِف قيمة العلم والعلماء قبل أن يعرف المعرفة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ابن الجزري، شمس الدين أبو الخير ابن الجزري، محمد بن محمد بن يوسف. غاية النهاية في طبقات القراء. مكتبة ابن تيمية. باب العين. ج1. ص446.
[2] ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد الجوزي. صفة الصفوة. تحقيق أحمد بن علي. دار الحديث، القاهرة، مصر. 1421هـ - 2000م. ج2. ص330.
[3] ابن القيم، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد، شمس الدين ابن قيم الجوزية. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين. تحقيق محمد المعتصم بالله البغدادي. دار الكتاب العربي - بيروت. ط3. 1416 هـ - 1996م. فصل أنواع الأدب. ج2. ص356.
[4] الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع. تحقيق محمود الطحان. مكتبة المعارف - الرياض. باب قطع التحديث عند كِبَر السن. ج1. ص79.
[5] الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع. (مرجع سابق). ج1. ص80.
[6] المقدسي، محمد بن مفلح. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج4. ص207.
[7] المقدسي، محمد بن مفلح. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج4. ص208 - 209.
منقول
وقال - رحمه الله -: "كاد الأدب أن يكون ثُلُثي الدِّين"[2]، وقال أيضًا - رحمه الله -: "نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم"[3].
وأخرج الخطيب في الجامع بسنده إلى مالك بن أنس، قال: قال ابن سيرين: "كانوا يتعلمون الهَدْيَ كما يتعلمون العلم، قال: وبعث ابن سيرين رجلاً فنظر كيف هَدْيُ القاسم وحالُه"[4]، وروى الخطيب في الجامع قال: أخبرني عبدالله بن يحيى السكري، أنا محمد بن عبدالله الشافعي، نا جعفر بن محمد بن الأزهر، نا ابن الغلابي، نا أبي، نا إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: قال لي أبي: "يا بنيَّ، ايتِ الفقهاءَ والعلماء، وتعلم منهم، وخُذْ مِن أدبهم وأخلاقهم وهَدْيِهم؛ فإن ذاك أحبُّ إليَّ لك من كثير من الحديث"[5].
وقد أشار الإمام ابن مفلح المقدسي - رحمه الله - إلى هذا الأدب العظيم، وهو التحلي بالأدب قبل التحلي بالعلم، فقال: "قال في الغُنية بعد أن ذكر جملةً من الآداب: ينبغي لكل مؤمن أن يعمل بهذه الآداب في أحواله؛ روي عن عمر - رضي الله عنه - قال: تأدبوا ثم تعلموا، وقال أبو عبدالله البلخيُّ: أدبُ العلم أكثرُ من العلم"، وقال عبدالله بن المبارك: إذا وُصِف لي رجلٌ له علم الأولين والآخِرين لا أتأسَّف على فَوْت لقائه، وإذا سمعت رجلاً له أدب القسِّ أتمنى لقاءَه وأتأسَّف على فَوته"[6].
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، قال: أدِّبوهم وعلِّموهم"[7].
وينبغي على المؤسسات التربوية أن تُعنَى بهذا الجانب أشدَّ العناية، فينبغي تربية الأبناء بالأدب قبل تربيتهم بالمعرفة؛ لإخراج جيلٍ يعرِف قيمة العلم والعلماء قبل أن يعرف المعرفة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ابن الجزري، شمس الدين أبو الخير ابن الجزري، محمد بن محمد بن يوسف. غاية النهاية في طبقات القراء. مكتبة ابن تيمية. باب العين. ج1. ص446.
[2] ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد الجوزي. صفة الصفوة. تحقيق أحمد بن علي. دار الحديث، القاهرة، مصر. 1421هـ - 2000م. ج2. ص330.
[3] ابن القيم، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد، شمس الدين ابن قيم الجوزية. مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين. تحقيق محمد المعتصم بالله البغدادي. دار الكتاب العربي - بيروت. ط3. 1416 هـ - 1996م. فصل أنواع الأدب. ج2. ص356.
[4] الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع. تحقيق محمود الطحان. مكتبة المعارف - الرياض. باب قطع التحديث عند كِبَر السن. ج1. ص79.
[5] الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي. الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع. (مرجع سابق). ج1. ص80.
[6] المقدسي، محمد بن مفلح. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج4. ص207.
[7] المقدسي، محمد بن مفلح. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج4. ص208 - 209.
منقول