بسم الله
بفضل الله تعالى انتهيتُ اليوم من المراجعة الأخيرة للكتاب النفيس، المؤسس على أحسن تأسيس، الدرة الرابعة من سلسلة (من درر الأشاعرة)؛ كتاب "شرح مقاصد المقاصد" لشيخ الإسلام العلَّامة أبي عبد الله شمس الدين محمد الدلجي الشافعي الأشعري، المتوفى سنة ( ٩٤٧هـ)، وبعد أيام إن شاء الله تعالى سندفعه للمطبعة.
ولن أتكلم في خدمتي للكتاب عن تخريج الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، ونصوص العلماء المنيفة؛ فرأيي أنه فرض عين على مَنْ يشتغل بصنعة التحقيق.
وإنما سأتكلم عن مزية الكتاب على غيره من كتب الفن؛ فقد انطوى على مزيتين إحداهما ظاهرة، والأخرى باطنة.
أما الأولى (الظاهرة): فهي قوة سبك العبارة وشدة تحريرها، فالإمام الدلجي رضي الله تعالى عنه مِنَ الأفراد الذين وهبهم الله تعالى بلاغة عجيبة في اختصار الكلام مع تمام حصول المقصود، وهذا ما أشار له تلميذه العلامة ابن حجر المكي؛ فقال: "أعطي في العلوم الشرعية والعقلية من متانة التصنيف وقوة السبك ما لم يعطه أحد من أهل زمانه"!
فقام الإمام الدلجي أولًا باختصار متن "المقاصد" للمحقق السعد، ثم شرح مختصره بكتابه "شرح مقاصد المقاصد" شرحًا مزجيًّا عجيبًا، ولولا أنَّ المؤلِّف ميَّز متن كتابه بالتحمير.. لما استطاع القارئ تمييز المتن من الشرح؛ لأنهما كالجسد الواحد المصوَّر على أحسن صورة!
وأما الثانية (الباطنة) وهي التي عمل الفقير على إظهارها: أن الذي يتبادر لذهن قارئ عنوان الكتاب، أو مطالعته دون معرفته لأصله؛ يظن أن المؤلف اختصر "شرح المقاصد" فقط، وليس كذلك؛ بل قد مزج الإمام الدلجي في مواضع كثيرة من كتابه بين كلام العلامة العضد في "المواقف" وكلام السيد الشريف في "شرحه" وكلام المحقق السعد في "شرح المقاصد".
وفي كثير من المواضع استبدل عبارة الإمام السعد بعبارة السيد الشريف، وزاد عليه من كلامه، كل ذلك مع الاختصار الحاصل به تمام المقصود كما ذكرتُ من قبل، وكأن "شرح المقاصد" و"شرح المواقف" ممثّلان بين عينيه في صورة محصورة يشاهدها؛ حتى قطعتُ أنَّ الإمام الدلجي كان يحفظ "شرح المقاصد" و "شرح المواقف" عن ظهر غيب، لا أشكُّ في ذلك البتة.
وليس هذا فقط؛ بل قد نقل الإمام الدلجي في بعض المباحث تحقيقات الإمامين السعد والسيد - وكل كلامهم تحقيق - من كتبهم الأخرى، دون أدنى تصريح منه رضي الله تعالى عنه، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
- حاشية المحقق السعد على الكشاف.
-كتابه التلويح إلى كشف حقائق التوضيح في شرح التنقيح".
- حاشية السيد الشريف على لوامع الأسرار في شرح مطالع الأنوار.
- رسالة للسيد الشريف قليلة المبنى عظيمة المعنى في التفريق بين الفائدة والغاية، نقلها الإمام الدلجي بتصرف عند الكلام على أن أفعال الحق جل وعز غير معللة بالأغراض. وبحسب اطلاعي لم تطبع هذه الرسالة بعد.
وأيضًا نقْله عن كتب غيرِهما من العلماء؛ ككتاب "تسديد القواعد في شرح تجريد العقائد" للإمام شمس الدين الأصفهاني.
وكتاب "البدر الطالع في حل جمع الجوامع" للإمام المحلي.
وكتاب "المسامرة في شرح المسايرة" للإمام ابن أبي شريف.
وغيرها من الكتب التي ذكرتها في مقدمة التحقيق، وعيَّنتها في صلب الكتاب.
وحقيقٌ أن يقال في"شرح مقاصد المقاصد" ومؤلفه الإمام الدلجي بمثل ما قاله الإمام الفزاري في "شرح الوجيز للإمام الرافعي: ( ما يعرف قدر الشرح للرافعي.. إلا بأن يجمع الفقيه المتمكن في المذهب الكتب التي كان الإمام الرافعي يستمد منها، ثم يصنف شرحًا للوجيز من غير أن يكون كلام الرافعي عنده، فحينئذ؛ يعرف كل أحد قصوره عما وصل إليه الإمام الرافعي).
وكذلك من خدمة الفقير على الكتاب: إفرادُ متن" مقاصد المقاصد" في أول الكتاب؛ ليسهل حفظه على الطلاب.
وتحليةُ الكتاب بغالب منظومة المؤلف "درر القلائد في سلك العقائد" التي تُعدُّ كالنظم لأهم مقاصد متن "المقاصد" ؛ فوضعت كل بيت منها في موضعه.
وغير ذلك من المقدمات العلمية، والفهارس الفنية.
أسألُ اللهَ تعالى القبول، بجاه سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم، وآله أمهات المؤمنين وأولاد السيدة البتول، وصحبه الفحول، إنه أكرم مسؤول، وخير مأمول.
وكتب
أحمد بن سهيل المشهور
https://www.facebook.com/100062019499042/posts/pfbid02egv9ENR6p4zVAEioqCNJszUtZjnpV6YbZ32mpjDhdTVHwrKGbCuN2YnejBWfeM6Ll/
بفضل الله تعالى انتهيتُ اليوم من المراجعة الأخيرة للكتاب النفيس، المؤسس على أحسن تأسيس، الدرة الرابعة من سلسلة (من درر الأشاعرة)؛ كتاب "شرح مقاصد المقاصد" لشيخ الإسلام العلَّامة أبي عبد الله شمس الدين محمد الدلجي الشافعي الأشعري، المتوفى سنة ( ٩٤٧هـ)، وبعد أيام إن شاء الله تعالى سندفعه للمطبعة.
ولن أتكلم في خدمتي للكتاب عن تخريج الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، ونصوص العلماء المنيفة؛ فرأيي أنه فرض عين على مَنْ يشتغل بصنعة التحقيق.
وإنما سأتكلم عن مزية الكتاب على غيره من كتب الفن؛ فقد انطوى على مزيتين إحداهما ظاهرة، والأخرى باطنة.
أما الأولى (الظاهرة): فهي قوة سبك العبارة وشدة تحريرها، فالإمام الدلجي رضي الله تعالى عنه مِنَ الأفراد الذين وهبهم الله تعالى بلاغة عجيبة في اختصار الكلام مع تمام حصول المقصود، وهذا ما أشار له تلميذه العلامة ابن حجر المكي؛ فقال: "أعطي في العلوم الشرعية والعقلية من متانة التصنيف وقوة السبك ما لم يعطه أحد من أهل زمانه"!
فقام الإمام الدلجي أولًا باختصار متن "المقاصد" للمحقق السعد، ثم شرح مختصره بكتابه "شرح مقاصد المقاصد" شرحًا مزجيًّا عجيبًا، ولولا أنَّ المؤلِّف ميَّز متن كتابه بالتحمير.. لما استطاع القارئ تمييز المتن من الشرح؛ لأنهما كالجسد الواحد المصوَّر على أحسن صورة!
وأما الثانية (الباطنة) وهي التي عمل الفقير على إظهارها: أن الذي يتبادر لذهن قارئ عنوان الكتاب، أو مطالعته دون معرفته لأصله؛ يظن أن المؤلف اختصر "شرح المقاصد" فقط، وليس كذلك؛ بل قد مزج الإمام الدلجي في مواضع كثيرة من كتابه بين كلام العلامة العضد في "المواقف" وكلام السيد الشريف في "شرحه" وكلام المحقق السعد في "شرح المقاصد".
وفي كثير من المواضع استبدل عبارة الإمام السعد بعبارة السيد الشريف، وزاد عليه من كلامه، كل ذلك مع الاختصار الحاصل به تمام المقصود كما ذكرتُ من قبل، وكأن "شرح المقاصد" و"شرح المواقف" ممثّلان بين عينيه في صورة محصورة يشاهدها؛ حتى قطعتُ أنَّ الإمام الدلجي كان يحفظ "شرح المقاصد" و "شرح المواقف" عن ظهر غيب، لا أشكُّ في ذلك البتة.
وليس هذا فقط؛ بل قد نقل الإمام الدلجي في بعض المباحث تحقيقات الإمامين السعد والسيد - وكل كلامهم تحقيق - من كتبهم الأخرى، دون أدنى تصريح منه رضي الله تعالى عنه، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
- حاشية المحقق السعد على الكشاف.
-كتابه التلويح إلى كشف حقائق التوضيح في شرح التنقيح".
- حاشية السيد الشريف على لوامع الأسرار في شرح مطالع الأنوار.
- رسالة للسيد الشريف قليلة المبنى عظيمة المعنى في التفريق بين الفائدة والغاية، نقلها الإمام الدلجي بتصرف عند الكلام على أن أفعال الحق جل وعز غير معللة بالأغراض. وبحسب اطلاعي لم تطبع هذه الرسالة بعد.
وأيضًا نقْله عن كتب غيرِهما من العلماء؛ ككتاب "تسديد القواعد في شرح تجريد العقائد" للإمام شمس الدين الأصفهاني.
وكتاب "البدر الطالع في حل جمع الجوامع" للإمام المحلي.
وكتاب "المسامرة في شرح المسايرة" للإمام ابن أبي شريف.
وغيرها من الكتب التي ذكرتها في مقدمة التحقيق، وعيَّنتها في صلب الكتاب.
وحقيقٌ أن يقال في"شرح مقاصد المقاصد" ومؤلفه الإمام الدلجي بمثل ما قاله الإمام الفزاري في "شرح الوجيز للإمام الرافعي: ( ما يعرف قدر الشرح للرافعي.. إلا بأن يجمع الفقيه المتمكن في المذهب الكتب التي كان الإمام الرافعي يستمد منها، ثم يصنف شرحًا للوجيز من غير أن يكون كلام الرافعي عنده، فحينئذ؛ يعرف كل أحد قصوره عما وصل إليه الإمام الرافعي).
وكذلك من خدمة الفقير على الكتاب: إفرادُ متن" مقاصد المقاصد" في أول الكتاب؛ ليسهل حفظه على الطلاب.
وتحليةُ الكتاب بغالب منظومة المؤلف "درر القلائد في سلك العقائد" التي تُعدُّ كالنظم لأهم مقاصد متن "المقاصد" ؛ فوضعت كل بيت منها في موضعه.
وغير ذلك من المقدمات العلمية، والفهارس الفنية.
أسألُ اللهَ تعالى القبول، بجاه سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم، وآله أمهات المؤمنين وأولاد السيدة البتول، وصحبه الفحول، إنه أكرم مسؤول، وخير مأمول.
وكتب
أحمد بن سهيل المشهور
https://www.facebook.com/100062019499042/posts/pfbid02egv9ENR6p4zVAEioqCNJszUtZjnpV6YbZ32mpjDhdTVHwrKGbCuN2YnejBWfeM6Ll/