(لم نفهم العلمانية جيداً، فالعلمانية ليست طريقة واحدة، فثم فرق بين العلمانية المتطرفة التي هي ضد الدين، والعلمانية المحايدة التي لا تعادي الدين).
هذه من الدعاوى الشائعة التي تتكرر كثيراً، وهي تعبر عن "أزمة العلمانية" في الأوساط الشعبية، فقد وجدت العلمانية نفسها في حالة انفصال عن عموم المسلمين، وكسبت نفوراً ورفضاً شديداً خلال فترة تاريخية طويلة، فاضطر بسببها كثير من العلمانيين إلى التخلص من هذا المصطلح، والدعوة إلى تبني مصطلحات جديدة كالعقلانية والتنوير ونحو ذلك، تخلصاً من الحمولة السيئة للعلمانية، بينما دعا آخرون منهم إلى تقديم العلمانية في صياغات ملطفة لا تعادي الدين ولا ترفضه، وإنما تحفظه وتحامي عنه.
فالدعوة إذن إلى إعادة "فهم العلمانية" من قبل اتباع التيار العلماني متفهمة.
الإشكال أن هذه الدعوة لم تقتصر على العلمانيين فقط، بل أصبحت تتكرر على ألسنة غيرهم، بل ومن بعض من كان خصماً للعلمانية، ورافعاً لراية تحكيم الشريعة، ومنادياً بتطبيق الإسلام، أصبح بعضهم يقول: مشكلتنا مع العلمانية المتطرفة، لا العلمانية المحايدة، فالمعركة مع العلمانية ما تزال باقية، لكنهم يعيبون علينا قصور الفهم في تحديد أرض المعركة.
حسناً، دعونا نفحص الفرق بين العلمانية "المتطرفة" و "المحايدة" حتى نكتشف ما الذي تغير: هل كان فهمنا خاطئاً لمحل الخلاف مع العلمانية؟
مفهوم العلمانية المتطرفة ينظر إليها على مستويين:
المستوى الأولى: العلمانية التي تنتهك أساس الحريات والحقوق، فلا يكون للدين فيها أي حرية، ولا يبقى للمسلمين فيها مجالاً لإقامة دينهم، وذلك في مثل النظم السياسية التي تمنع المسلمين من العبادة، وتضيق عليهم في الصيام، وقد يتعرضون للقتل والتعذيب والتهجير بسبب دينهم، وهذه لا شك أنها نظم متطرفة، لكن هذا المستوى من الظلم والقمع ليس له علاقة بالعلمانية من حيث الأصل، فهي نظم قمعية تبنت العلمانية، لكن مفهوم العلمانية يتعلق بفصل الدين عن الدولة، وأما الاعتداء الجسدي على أصحاب الدين فشأن آخر، فالخلاف مع العلمانية ليس له علاقة بهذا المستوى قطعاً.
المستوى الثاني: الخلاف في كيفية حضور الدين في الشأن العام، وهذا هو مستوى الخلاف الحقيقي داخل التفكير العلماني، لأن العلمانية تقر حرية الضمير والدين، وتقوم على فصل الدين عن الدولة.
وهنا يقع خلاف كبير بين العلمانيين في هذين الأصلين إذا تعارضا، فتجد أن ثم اتجاهين رئيسيين:
الأول: من يغلب النظر إلى حرية الضمير، فيكون متسامحاً مع الحرية الفردية الدينية في الشأن العام.
الثاني: من يغلب النظر إلى فصل الدين عن الدولة، فلا يرى وضع أي امتياز للدين في الشأن العام.
وثم مسائل شهيرة يجري الخلاف فيها بين الفريقين، وذلك مثل إظهار الحجاب والرموز الدينية في الفضاء العام، وحكم تقديم الإعانات المالية للجمعيات الدينية، ومراعاة أصحاب الدين في أعيادهم، والحصول على إعفاءات دينية من بعض القوانين الملزمة، ونحو ذلك، كما يكون لها حضور في بعض القضايا المثيرة للخلاف مما له أصل ديني كالاجهاض والشذوذ الجنسي.
فالجميع متفق على أصل الحرية الدينية وكفالة الدولة له، ومتفقون على حياد الدولة مع الأديان وفصل الدين عن الدولة، وإنما يقع الخلاف في المساحة المشتركة، فتتباين فيها الرؤى، ويكثر فيها الجدل على المستوى السياسي والفكري والشعبي.
فهنا يقال عن العلمانية التي تميل إلى ترجيح كفة الحرية الدينية فتسمح لهم باظهار رموزهم وشعائرهم، وتعفيهم من بعض القوانين التي يرونها منتهكة لحقهم في ممارسة الدين، بأنها علمانية معتدلة، أو محايدة لا تملك عداء ضد الدين، وأما العلمانية التي تضيق على حرية الدين تمسكاً بأصل الفصل بين الدين والدولة فهي علمانية متطرفة، وقد يزيد تطرفها أكثر فلا يقف على حدود المبالغة وحرفية التمسك بالفصل بين الدين والدولة، بل تميل إلى فرض العلمنة على المجتمع، وتستند في ذلك إلى أن مفهوم العلمنة لا يقتصر على التنظيم السياسي، بل هو ثقافة وعقل لا بد من فرضها، فيتبع ذلك تعزيز رفض الدين في المجتمع، وفرض الاندماج الديني في الفضاء العلماني.
هذه من الدعاوى الشائعة التي تتكرر كثيراً، وهي تعبر عن "أزمة العلمانية" في الأوساط الشعبية، فقد وجدت العلمانية نفسها في حالة انفصال عن عموم المسلمين، وكسبت نفوراً ورفضاً شديداً خلال فترة تاريخية طويلة، فاضطر بسببها كثير من العلمانيين إلى التخلص من هذا المصطلح، والدعوة إلى تبني مصطلحات جديدة كالعقلانية والتنوير ونحو ذلك، تخلصاً من الحمولة السيئة للعلمانية، بينما دعا آخرون منهم إلى تقديم العلمانية في صياغات ملطفة لا تعادي الدين ولا ترفضه، وإنما تحفظه وتحامي عنه.
فالدعوة إذن إلى إعادة "فهم العلمانية" من قبل اتباع التيار العلماني متفهمة.
الإشكال أن هذه الدعوة لم تقتصر على العلمانيين فقط، بل أصبحت تتكرر على ألسنة غيرهم، بل ومن بعض من كان خصماً للعلمانية، ورافعاً لراية تحكيم الشريعة، ومنادياً بتطبيق الإسلام، أصبح بعضهم يقول: مشكلتنا مع العلمانية المتطرفة، لا العلمانية المحايدة، فالمعركة مع العلمانية ما تزال باقية، لكنهم يعيبون علينا قصور الفهم في تحديد أرض المعركة.
حسناً، دعونا نفحص الفرق بين العلمانية "المتطرفة" و "المحايدة" حتى نكتشف ما الذي تغير: هل كان فهمنا خاطئاً لمحل الخلاف مع العلمانية؟
مفهوم العلمانية المتطرفة ينظر إليها على مستويين:
المستوى الأولى: العلمانية التي تنتهك أساس الحريات والحقوق، فلا يكون للدين فيها أي حرية، ولا يبقى للمسلمين فيها مجالاً لإقامة دينهم، وذلك في مثل النظم السياسية التي تمنع المسلمين من العبادة، وتضيق عليهم في الصيام، وقد يتعرضون للقتل والتعذيب والتهجير بسبب دينهم، وهذه لا شك أنها نظم متطرفة، لكن هذا المستوى من الظلم والقمع ليس له علاقة بالعلمانية من حيث الأصل، فهي نظم قمعية تبنت العلمانية، لكن مفهوم العلمانية يتعلق بفصل الدين عن الدولة، وأما الاعتداء الجسدي على أصحاب الدين فشأن آخر، فالخلاف مع العلمانية ليس له علاقة بهذا المستوى قطعاً.
المستوى الثاني: الخلاف في كيفية حضور الدين في الشأن العام، وهذا هو مستوى الخلاف الحقيقي داخل التفكير العلماني، لأن العلمانية تقر حرية الضمير والدين، وتقوم على فصل الدين عن الدولة.
وهنا يقع خلاف كبير بين العلمانيين في هذين الأصلين إذا تعارضا، فتجد أن ثم اتجاهين رئيسيين:
الأول: من يغلب النظر إلى حرية الضمير، فيكون متسامحاً مع الحرية الفردية الدينية في الشأن العام.
الثاني: من يغلب النظر إلى فصل الدين عن الدولة، فلا يرى وضع أي امتياز للدين في الشأن العام.
وثم مسائل شهيرة يجري الخلاف فيها بين الفريقين، وذلك مثل إظهار الحجاب والرموز الدينية في الفضاء العام، وحكم تقديم الإعانات المالية للجمعيات الدينية، ومراعاة أصحاب الدين في أعيادهم، والحصول على إعفاءات دينية من بعض القوانين الملزمة، ونحو ذلك، كما يكون لها حضور في بعض القضايا المثيرة للخلاف مما له أصل ديني كالاجهاض والشذوذ الجنسي.
فالجميع متفق على أصل الحرية الدينية وكفالة الدولة له، ومتفقون على حياد الدولة مع الأديان وفصل الدين عن الدولة، وإنما يقع الخلاف في المساحة المشتركة، فتتباين فيها الرؤى، ويكثر فيها الجدل على المستوى السياسي والفكري والشعبي.
فهنا يقال عن العلمانية التي تميل إلى ترجيح كفة الحرية الدينية فتسمح لهم باظهار رموزهم وشعائرهم، وتعفيهم من بعض القوانين التي يرونها منتهكة لحقهم في ممارسة الدين، بأنها علمانية معتدلة، أو محايدة لا تملك عداء ضد الدين، وأما العلمانية التي تضيق على حرية الدين تمسكاً بأصل الفصل بين الدين والدولة فهي علمانية متطرفة، وقد يزيد تطرفها أكثر فلا يقف على حدود المبالغة وحرفية التمسك بالفصل بين الدين والدولة، بل تميل إلى فرض العلمنة على المجتمع، وتستند في ذلك إلى أن مفهوم العلمنة لا يقتصر على التنظيم السياسي، بل هو ثقافة وعقل لا بد من فرضها، فيتبع ذلك تعزيز رفض الدين في المجتمع، وفرض الاندماج الديني في الفضاء العلماني.