بسمِ الله الرَّحمن الرَّحيم.
خيرُ الكلامِ تجديدُ عهدِ التَّوحيد، وأفضل السَّلام ما يصل لنبيِّنا محمَّدٍ ابن عبدالله الصادقِ الأمين، الذي صام تسع رمضاناتٍ ثمَّ اختار الرفيق الأعلى، ورضوان الله على صحابته الغرِّ المَيامين وزوجاته الطاهرات ومن تبِعه بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد،
ركبُ رمضان لم يفتْ بعد منه شيء، فطوبى لمن فقِه عظيم فضل الأيامِ المقبِلات، وها نحنُ بين إغماضةِ عينٍ وفتحها نودِّعه بمشاعر مختلطة، ما بين فرحةِ لقاء الله وبين غصَّة الترحالِ السريع.
توصِلنا الأقدارُ اليوم لمحطَّات العشر، كريمة الأجر، وفيها خيرٌ عظيم. وفيها يتفاوت تحديد ليلةِ القدر، والله كريمٌ يُضاعف لمن يشاء، وكما قال علماؤنا الأفاضل برجاء قيامِها - إن شاء الله - لمن قام العشرَ جميعا..
فما هي ليلة القدر؟ لمَ سمِّيت كذلك؟ وما السرُّ وراء نهر الأجر فيها؟
نوَّه الله تعالى في كتابه المبارَك بشأن ليلة القدر وقد سمِّيت كذلك لأنَّ فيها تقدَّر الآجال والأرزاق، وما يكون في السَّنة من التدابير الإلهية.
قال النووي:
قال العلماء سمِّيت ليلة القدر لما تَكتب فيها الملائكة من الأقدار، وذلك لقوله تعالى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}
هي الليلة التي قال الله عنها:
(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ).
ففيها أنزل الله القرآن الذي هو كتاب الأمَّة إلى قيام الساعة، فطوبى لمن ظفر بهذه الليلة وأدّى حقّها، ففيها من الخير الكثير العميم.
أمَّا توقيتُها فهو متأرجحٌ ما بين الليالي العشر من شهر رمضان المبارَك، أي ما وصلنا له اليوم بفضل الله ورحمتِه، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هَكَذَا صَحّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:
(هِيَ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ )
وَتَكُونُ فِي الْوِتْرِ مِنْهَا.
والحِكمة الربانيَّة اقتضت بإخفاء توقيتها الصريح، وذلك لتحفيز المسلمين على التنافس المباركِ في العشر تامَّة رجاءَ إدراكها وتحرِّيها، وفي هذا الباب قال العلماء:
الحكمة في إخفاء ليلة القدر، ليحصلَ الاجتهاد في التماسها، بخلاف ما لو عيِّنت لها ليلة لاقتصر عليها.
قال ابن القيِّم رحمه الله وأحسن إليه:
« لو كانت ليلة القدر بالسنة ليلة واحدةً لقمتُ السنة حتى أُدركها، فمـا بالك بعشر ليال! »
والأحاديث الصِّحاح التي وصلَتنا عبر الزمن من الرسول عليه الصَّلاة والسلاة، تعلِّمنا خير ما يُقال في هذه الليلة، أي في العشر جميعًا رجاء القبول، وهو ما ورد عن أمِّنا الطاهرة المبرَّأة عائشة بنت أبي بكرٍ الصدِّيق رضي الله عنهما وأرضاهما وجمعنا وإياهم في الجنان:
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا ؟
قَالَ: قُولِي:
« اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي »
رواه الترمذي وقال حسَن صحيح.
أما علاماتها، فقد لخّصها العلماء بما يأتي:
هي ليلة فردية من إحدى ليالي العشر الأواخر في رمضان، وذلك لقول الرّسول عليه السّلام:
(إنِّي كُنْتُ أُجاوِرُ هذه العَشْرَ ثمَّ بدا لي أنْ أُجاوِرَ هذه العَشْرَ الأواخرَ ومَن كان اعتكَف معي فليلبَثْ في معتكَفِه وقد أُريتُ هذه اللَّيلةَ فأُنسيتُها فالتمِسوها في العَشْرِ الأواخرِ في كلِّ وِتْرٍ وقد رأَيْتُني أسجُدُ في ماءٍ وطينٍ).
وتتميّز بأنّها ليلة معتدلة، فلا هي بليلة باردة ولا حارّة، وذلك لقول الرّسول عليه السّلام:
(ليلةُ القدْرِ ليلةٌ سمِحَةٌ، طَلِقَةٌ، لا حارَّةٌ ولا بارِدَةٌ).
وتطلع شمس صباح اليوم الذي يليها بيضاء باردة من دون شعاع، وذلك لحديث الرّسول عليه السّلام:
(هي ليلةُ صبيحةُ سبعٍ وعشرين. وأمارتُها أن تطلعَ الشمسُ في صبيحةِ يومِها بيضاءَ لا شُعاعَ لها). هي ليلة لا يُرى فيها نجمٌ، ولا تهبّ فيها رياح، ولا سحاب، ولا أمطار، كما ورد في الحديث الشريف: (ليلَةُ القَدْرِ لَيْلَةٌ بَلْجَةٌ، لا حارَّةٌ ولا بارِدَةٌ، ولا يُرْمَى فيها بنَجْمٍ، ومِنْ علامةِ يومِها تَطلُعُ الشمْسُ لا شُعاعَ لَهَا).
هذه الليلة العظيمة التي يشعر المسلم فيها بالسّكينة الروحانيّة، وانشراح الصَّدر. هي ليلة الفصل والحكم، أجرها عند الله عظيم، لهذا واجبنا أن نجتهد فيما تبقّى وخاصة في الليالي الفردية تحسُّبًا بأن تكون إحداها هي ليلة القدر دون أن نلاحظ.
أنصحُ نفسي ثم أنصحكم ببذلِ الإخلاصِ على أحسن أوجهِه، فكم من أمنيةٍ لنا عالقةٍ عند باب السماء، نصحو معها نهارًا ونغفو لها ليلًا ونقتطع السجداتِ الطِّوال، سائلين المولى بيان تحقيقِها ورؤيتها في الواقِع.. الليالي هذه هي الفرصة الأكبر، لمن كان له حاجة أو حلم، بأن يتوجَّه لله الذي لا تنفذ خزائنه، بطلَب الرزقِ والفتح والفضل والجمع والعفو العظيم..
____
كتبته:
#عابِدَة_ابنَةُ_أحمَد
#غفرَ_الله_لهُما
خيرُ الكلامِ تجديدُ عهدِ التَّوحيد، وأفضل السَّلام ما يصل لنبيِّنا محمَّدٍ ابن عبدالله الصادقِ الأمين، الذي صام تسع رمضاناتٍ ثمَّ اختار الرفيق الأعلى، ورضوان الله على صحابته الغرِّ المَيامين وزوجاته الطاهرات ومن تبِعه بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد،
ركبُ رمضان لم يفتْ بعد منه شيء، فطوبى لمن فقِه عظيم فضل الأيامِ المقبِلات، وها نحنُ بين إغماضةِ عينٍ وفتحها نودِّعه بمشاعر مختلطة، ما بين فرحةِ لقاء الله وبين غصَّة الترحالِ السريع.
توصِلنا الأقدارُ اليوم لمحطَّات العشر، كريمة الأجر، وفيها خيرٌ عظيم. وفيها يتفاوت تحديد ليلةِ القدر، والله كريمٌ يُضاعف لمن يشاء، وكما قال علماؤنا الأفاضل برجاء قيامِها - إن شاء الله - لمن قام العشرَ جميعا..
فما هي ليلة القدر؟ لمَ سمِّيت كذلك؟ وما السرُّ وراء نهر الأجر فيها؟
نوَّه الله تعالى في كتابه المبارَك بشأن ليلة القدر وقد سمِّيت كذلك لأنَّ فيها تقدَّر الآجال والأرزاق، وما يكون في السَّنة من التدابير الإلهية.
قال النووي:
قال العلماء سمِّيت ليلة القدر لما تَكتب فيها الملائكة من الأقدار، وذلك لقوله تعالى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}
هي الليلة التي قال الله عنها:
(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ).
ففيها أنزل الله القرآن الذي هو كتاب الأمَّة إلى قيام الساعة، فطوبى لمن ظفر بهذه الليلة وأدّى حقّها، ففيها من الخير الكثير العميم.
أمَّا توقيتُها فهو متأرجحٌ ما بين الليالي العشر من شهر رمضان المبارَك، أي ما وصلنا له اليوم بفضل الله ورحمتِه، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هَكَذَا صَحّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:
(هِيَ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ )
وَتَكُونُ فِي الْوِتْرِ مِنْهَا.
والحِكمة الربانيَّة اقتضت بإخفاء توقيتها الصريح، وذلك لتحفيز المسلمين على التنافس المباركِ في العشر تامَّة رجاءَ إدراكها وتحرِّيها، وفي هذا الباب قال العلماء:
الحكمة في إخفاء ليلة القدر، ليحصلَ الاجتهاد في التماسها، بخلاف ما لو عيِّنت لها ليلة لاقتصر عليها.
قال ابن القيِّم رحمه الله وأحسن إليه:
« لو كانت ليلة القدر بالسنة ليلة واحدةً لقمتُ السنة حتى أُدركها، فمـا بالك بعشر ليال! »
والأحاديث الصِّحاح التي وصلَتنا عبر الزمن من الرسول عليه الصَّلاة والسلاة، تعلِّمنا خير ما يُقال في هذه الليلة، أي في العشر جميعًا رجاء القبول، وهو ما ورد عن أمِّنا الطاهرة المبرَّأة عائشة بنت أبي بكرٍ الصدِّيق رضي الله عنهما وأرضاهما وجمعنا وإياهم في الجنان:
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا ؟
قَالَ: قُولِي:
« اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي »
رواه الترمذي وقال حسَن صحيح.
أما علاماتها، فقد لخّصها العلماء بما يأتي:
هي ليلة فردية من إحدى ليالي العشر الأواخر في رمضان، وذلك لقول الرّسول عليه السّلام:
(إنِّي كُنْتُ أُجاوِرُ هذه العَشْرَ ثمَّ بدا لي أنْ أُجاوِرَ هذه العَشْرَ الأواخرَ ومَن كان اعتكَف معي فليلبَثْ في معتكَفِه وقد أُريتُ هذه اللَّيلةَ فأُنسيتُها فالتمِسوها في العَشْرِ الأواخرِ في كلِّ وِتْرٍ وقد رأَيْتُني أسجُدُ في ماءٍ وطينٍ).
وتتميّز بأنّها ليلة معتدلة، فلا هي بليلة باردة ولا حارّة، وذلك لقول الرّسول عليه السّلام:
(ليلةُ القدْرِ ليلةٌ سمِحَةٌ، طَلِقَةٌ، لا حارَّةٌ ولا بارِدَةٌ).
وتطلع شمس صباح اليوم الذي يليها بيضاء باردة من دون شعاع، وذلك لحديث الرّسول عليه السّلام:
(هي ليلةُ صبيحةُ سبعٍ وعشرين. وأمارتُها أن تطلعَ الشمسُ في صبيحةِ يومِها بيضاءَ لا شُعاعَ لها). هي ليلة لا يُرى فيها نجمٌ، ولا تهبّ فيها رياح، ولا سحاب، ولا أمطار، كما ورد في الحديث الشريف: (ليلَةُ القَدْرِ لَيْلَةٌ بَلْجَةٌ، لا حارَّةٌ ولا بارِدَةٌ، ولا يُرْمَى فيها بنَجْمٍ، ومِنْ علامةِ يومِها تَطلُعُ الشمْسُ لا شُعاعَ لَهَا).
هذه الليلة العظيمة التي يشعر المسلم فيها بالسّكينة الروحانيّة، وانشراح الصَّدر. هي ليلة الفصل والحكم، أجرها عند الله عظيم، لهذا واجبنا أن نجتهد فيما تبقّى وخاصة في الليالي الفردية تحسُّبًا بأن تكون إحداها هي ليلة القدر دون أن نلاحظ.
أنصحُ نفسي ثم أنصحكم ببذلِ الإخلاصِ على أحسن أوجهِه، فكم من أمنيةٍ لنا عالقةٍ عند باب السماء، نصحو معها نهارًا ونغفو لها ليلًا ونقتطع السجداتِ الطِّوال، سائلين المولى بيان تحقيقِها ورؤيتها في الواقِع.. الليالي هذه هي الفرصة الأكبر، لمن كان له حاجة أو حلم، بأن يتوجَّه لله الذي لا تنفذ خزائنه، بطلَب الرزقِ والفتح والفضل والجمع والعفو العظيم..
____
كتبته:
#عابِدَة_ابنَةُ_أحمَد
#غفرَ_الله_لهُما