يا قوم
هذا ليس كلام عاطفي
وليس تعليقًا على مقاوم خرج بشكل فردي من بين ركام بيته في شمال غزة ليأخذ بثأر عائلته ويغلق حساب آبائه وأجداده
بل حديث عن منظومة لا تفسير لثباتها واستمراريتها بهذا النسق المنتظم سوى أن تُسلِّم وتستلم أن "للبيت ربٌ يحميه" ولهذه المقاومة ربٌ يرعاها
هذه المنظومة التي ما زالت وبعد 440 يومًا على أصعب محرقة بالتاريخ يرصد أحد أبنائها تقدم الآليات فيأتي بالخبر للمقاتل في عقدته القتالية، فيخرج المقاتل من عقدته مصطحبًا جنديًا آخرًا مكلّفًا بالتصوير، وربما معهم قائد ميداني يحدد طبيعة الضربة وتوقيتها وحجمها، فيسدد المقاتل ضربته، ويلتقط المصور مَشهده، ويخبر القائد الميداني قيادته بتحقيق الضربة هدفها، ثم ينقل مُجاهد الكاميرا مشهد الضربة لقيادته، ثم يقوم المكلف بالمونتاج بمونتاج المشهد، ثم تقرر القيادة ما يُسمح وما لا يُسمح بنشره، ثم ينتقل الأمر للمكلف بالنشر، فيقرر أن يتم النشر على القناة الرسمية مباشرة أم يتم بثها عبر إحدى القنوات التلفزيونية، فإن كان القرار للنشر عبر القنوات يبدأ التواصل مع إحدى هذه القنوات لنقل المشاهد إليها وتحديد وقت النشر.. يحدث هذا التسلسل العجيب العظيم الفائق لتصورات البشر مع كل مشهد يتم نشره، ومع كل مشهد لا يُسمح بنشره
يحدث كل هذا منذ 440 يومًا بمنتهى السلاسة والسرية والاتقان ودون حدوث ولو اختراق واحد، يحدث هذا رغم أننا نعيش في ظل أعتى حرب شهدتها المنطقة على مدار التاريخ وفي ظل أكبر تطور تكنلوجي في عالم التجسس يشهده العالم حيث تحج أكثر طائرات التجسس في العالم إلى سماء غزة يوميًا تبحث عن نَفَسًَا وهمسًا، وفوق كل ذلك فهؤلاء المقاتلين على هذه الأرض لم يأتوا من بعيد بعد أن أمّنوا أحبابهم وعائلاتهم، بل تجلس عائلاتها في الخيام تحت الأمطار ترتجف جلودهم من البرد وتهتز أمعاءهم من الجوع ورغم كل ذلك ما زالوا لليوم يحافظون على كل هذا الثبات الانفعالي والعسكري بشكل لا يمكن للكلمات أن توصفه
عند هؤلاء الرجال سقط المنطق، وسقطت حسابات الأعداد والإعداد والعدة والعتاد وثبتت معادلة واحدة أنهم "لا يضرهم من خذلهم" .. وربما لو كان لهؤلاء الرجال نصيرًا حقيقيًا من شعبهم وأمتهم لكنا اليوم نأكل السمك في غزة صباحًا ونؤدي الجمعة في القدس ظهرًا ونبيت على شط حيفا ويافا وأسوار عكا ليلًا .. ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا