الثامن عشر من ديسمبر، اليوم العالمي للغة العربية، أبيات شعرية و طرائف من دواوين العرب و لطائف من النحو و الصرف ينافس بعضها بعضا أيها يظهر أولا على شاشتي.
التاسع عشر من ديسمبر، تختفي الحالات المؤقتة بأربع و عشرين ساعة كحماسة أصحابها لتنتظر حولا قبل أن يزكي القوم عروبتهم و قد بلغوا نصاب الانسلاخ عنها.
العشرون من ديسمبر، لا أحد يتحدث عن ذلك جل ما يمكن أن تجده بعض محاولات "إعادة نشر".
الواحد و العشرون من ديسمبر، تختفي المنشورات العربية و الأبيات الفصيحة عن صفحات أصحابها تحت سيل من النكات التافهة و المواقف اليومية التي لا داعي لنشرها و ترشيحات الأغاني و الأفلام.
الثاني و العشرون من ديسمبر، يعود المنسلخون إلى التبجح بالفرنسية و الانجليزية و تحل هاتان الدخيلتان محل قصيدة حافظ إبراهيم الشهيرة التي نتلوها كل ديسمبر، أما من سلم من هاتين -سلامة مقصودة أو عن جهل- فيواصل كتابة الضاد ظاء و جر المؤنثات جميعا، كيف حالكي و من أنتي.
الثالث و العشرون من ديسمبر، الساعة الأخيرة قبل منتصف الليل، أجلس أنا لأكتب عن العربية و يواصل المصحح التلقائي لهاتفي كتابة التاء المربوطة هاء و وصل همزات القطع.
الرابع و العشرون من ديسمبر،و الخامس و العشرون و السادس من بعده و كذا السابع، أواصل قول "نعم" "من فضلك" و "شكرا"، و يواصل هؤلاء المتجردون من النطق الصحيح للجيم و الضاد مؤاخذتي حتى العام القادم حين يتحولون إلى جباة الضرائب يتجولون بين القوم يتلون "أنا البحر في أحشائه كامن ...."
إن قضية اللغة العربية، باعتبارها لغة و حسب أزمة هوية أولا، أفواه مفغورة أمام كتلة من الإنجازات و الصور البراقة يمنعني الظلم الخفي فيها و الانحلال الجلي لشعبها من تسميتها حضارة.
و اللغة العربية باعتبارها حرف كتاب الله، تطرح إشكالا آخر يتعدى الهوية العربية وصولا إلى الشخصية الإسلامية، أنى لنا بجيل يعي القرآن، يهزه بيانه و يفقه أبواب الفقه و الحديث و هو بالكاد يعرف ما يُرفع من الأسماء مما يُجر.
و اللغة العربية باعتبار ثالث هي قضية ذوق، لست من أهل الاطلاع على اللغات لكن أجزم أنها أبلغها، و إليك الحجة و البرهان، كانت معجزة القرآن إحكامه و تحدى الله ببيانه قريشا و هدى به بعض عباده، بالله عليك أ تعتقد أن لغة أخرى أوسع و قد اتسعت العربية للإعجاز الإلهي ؟
المشكلة هنا أننا أمام جيل كامل ينظر إلى البيان بجمود، لا يذهله تشبيه و لا يربكه مجاز و لا يدغدغه بديع، أما من بدت عليهم السلامة و هم في نظري أشد الناس تضررا فأولئك الذين ينشدون شعرا لا يعرفونه، يوهموننا أنهم أهل الأوزان و القوافي، إن استوقفتهم ثقل عليه تفسير المعاني أو الإتيان بشرح الألفاظ من المباني، فهؤلاء لا يطربون للشعر، هؤلاء كمحبي الغناء يطربون للحن الجميل الذي بهرج به السابقون كلامهم و هم ينقلونه من بلاغة مجمل الكلام إلى جماليات التفاصيل التي تضع في كل موضع حرفا و تعرف موقع السكون من موقع الحركة .
إنها أزمة ذوق، أزمة جيل تعجبه أغنية رديئة و يعلق "أعجبني المغني حين قال .." ما قاله من فراغ يدعو المرء إلى الانسحاب إلى دواوينه.
أزمة ذوق تمنع المرء من النظر إلى خط يده و أسماء الأيام الهجرية على سبورة الابتدائية كقطع من الفن العتيق العريق، لقد ابتلينا بقوم لا يستطيع معرفة سلامة الجملة نحوا و صرفا فأنى لنا أن نرمي إليه ببكائيات امرئ القيس، دعنا نقف معا و نبكي إذن إذا بلغنا بجولتنا هذه مصيبة هؤلاء في القرآن، لا يفهمون جليه من أمر و نهي و لا يفعل بهم خفي جماله من بيان و بديع ما فعل بالسابقين البكائين عند بدايات الآيات و نهايتها .
أما و قد أنشد القوم أنا البحر في أحشائه الدر كامن ، فدعني أنشد :
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني
أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحينَ وَفاتي
أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ
إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ
✍️ ألف
التاسع عشر من ديسمبر، تختفي الحالات المؤقتة بأربع و عشرين ساعة كحماسة أصحابها لتنتظر حولا قبل أن يزكي القوم عروبتهم و قد بلغوا نصاب الانسلاخ عنها.
العشرون من ديسمبر، لا أحد يتحدث عن ذلك جل ما يمكن أن تجده بعض محاولات "إعادة نشر".
الواحد و العشرون من ديسمبر، تختفي المنشورات العربية و الأبيات الفصيحة عن صفحات أصحابها تحت سيل من النكات التافهة و المواقف اليومية التي لا داعي لنشرها و ترشيحات الأغاني و الأفلام.
الثاني و العشرون من ديسمبر، يعود المنسلخون إلى التبجح بالفرنسية و الانجليزية و تحل هاتان الدخيلتان محل قصيدة حافظ إبراهيم الشهيرة التي نتلوها كل ديسمبر، أما من سلم من هاتين -سلامة مقصودة أو عن جهل- فيواصل كتابة الضاد ظاء و جر المؤنثات جميعا، كيف حالكي و من أنتي.
الثالث و العشرون من ديسمبر، الساعة الأخيرة قبل منتصف الليل، أجلس أنا لأكتب عن العربية و يواصل المصحح التلقائي لهاتفي كتابة التاء المربوطة هاء و وصل همزات القطع.
الرابع و العشرون من ديسمبر،و الخامس و العشرون و السادس من بعده و كذا السابع، أواصل قول "نعم" "من فضلك" و "شكرا"، و يواصل هؤلاء المتجردون من النطق الصحيح للجيم و الضاد مؤاخذتي حتى العام القادم حين يتحولون إلى جباة الضرائب يتجولون بين القوم يتلون "أنا البحر في أحشائه كامن ...."
إن قضية اللغة العربية، باعتبارها لغة و حسب أزمة هوية أولا، أفواه مفغورة أمام كتلة من الإنجازات و الصور البراقة يمنعني الظلم الخفي فيها و الانحلال الجلي لشعبها من تسميتها حضارة.
و اللغة العربية باعتبارها حرف كتاب الله، تطرح إشكالا آخر يتعدى الهوية العربية وصولا إلى الشخصية الإسلامية، أنى لنا بجيل يعي القرآن، يهزه بيانه و يفقه أبواب الفقه و الحديث و هو بالكاد يعرف ما يُرفع من الأسماء مما يُجر.
و اللغة العربية باعتبار ثالث هي قضية ذوق، لست من أهل الاطلاع على اللغات لكن أجزم أنها أبلغها، و إليك الحجة و البرهان، كانت معجزة القرآن إحكامه و تحدى الله ببيانه قريشا و هدى به بعض عباده، بالله عليك أ تعتقد أن لغة أخرى أوسع و قد اتسعت العربية للإعجاز الإلهي ؟
المشكلة هنا أننا أمام جيل كامل ينظر إلى البيان بجمود، لا يذهله تشبيه و لا يربكه مجاز و لا يدغدغه بديع، أما من بدت عليهم السلامة و هم في نظري أشد الناس تضررا فأولئك الذين ينشدون شعرا لا يعرفونه، يوهموننا أنهم أهل الأوزان و القوافي، إن استوقفتهم ثقل عليه تفسير المعاني أو الإتيان بشرح الألفاظ من المباني، فهؤلاء لا يطربون للشعر، هؤلاء كمحبي الغناء يطربون للحن الجميل الذي بهرج به السابقون كلامهم و هم ينقلونه من بلاغة مجمل الكلام إلى جماليات التفاصيل التي تضع في كل موضع حرفا و تعرف موقع السكون من موقع الحركة .
إنها أزمة ذوق، أزمة جيل تعجبه أغنية رديئة و يعلق "أعجبني المغني حين قال .." ما قاله من فراغ يدعو المرء إلى الانسحاب إلى دواوينه.
أزمة ذوق تمنع المرء من النظر إلى خط يده و أسماء الأيام الهجرية على سبورة الابتدائية كقطع من الفن العتيق العريق، لقد ابتلينا بقوم لا يستطيع معرفة سلامة الجملة نحوا و صرفا فأنى لنا أن نرمي إليه ببكائيات امرئ القيس، دعنا نقف معا و نبكي إذن إذا بلغنا بجولتنا هذه مصيبة هؤلاء في القرآن، لا يفهمون جليه من أمر و نهي و لا يفعل بهم خفي جماله من بيان و بديع ما فعل بالسابقين البكائين عند بدايات الآيات و نهايتها .
أما و قد أنشد القوم أنا البحر في أحشائه الدر كامن ، فدعني أنشد :
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني
أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحينَ وَفاتي
أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ
إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ
✍️ ألف