〰 قناة عبدالرحمن السيد 〰


Channel's geo and language: not specified, not specified
Category: not specified


إنَّمَا أُمِرتُ أن أعبُدَ الله ولا أُشرِكَ بِه.

Related channels  |  Similar channels

Channel's geo and language
not specified, not specified
Category
not specified
Statistics
Posts filter


ما وجدتُ في كتاب الله أعجبَ ولا أعظم ولا أجمع للمعاني الكبرى التي يحتاجها المسلم: من سورة الفاتحة..

وإني لا أزال أتعجب من حقيقة أني ما أعدتُ قراءتها متدبرا إلا وجدتُ أثر معانيها على النفس حاضرا قويا لا يضعف مع كثرة التكرار، بل كلما ازددتُ تكرارا لها وتأملا: ازددتُ تأثرا بها، وتعلمتُ من معانيها ما لم أكن أعلم، فهي -والله- من آيات ربنا الكبرى، ومن آلائه التي منّ علينا بإنزالها، واختص بنعمته من عباده من يتلوها آناء الليل وأطراف النهار متدبرا في معانيها وأسرارها، ناهلا -في كل يومٍ- من معينها الذي لا ينضب.


"دوام" تذكر وقوفك غدا بين يدي الله، في ذلك اليوم الذي نعرف من صفته وأهواله ما نعرف، من اضطراب الكون وزلزلته، والبعث والنشور، والعرض والحساب، والصحف والموازين، والشهادات والإقرارات، والندم والحسرات، ورؤية النار، والمرور الحق على الصراط..

أقول: إن الاتصال الشعوري بتلك الحقائق المبثوثة في كتاب الله، ودوام تذكير النفس بها، يؤدي بالعبد إلى نتيجة واحدة: وهي أن يكون من المشفقين، الذين لا يزالون -مهما عملوا- خائفين، الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم "وجلة"، لا ينفكون عن تذكر الحقيقة الكبرى: أنهم إلى ربهم راجعون، الذين يمشون على الأرض هونا، قد كسرت تلك الحقيقة غرورهم، وأشغلهم ذلك الحدث المهيب القادم عن التلذذ بكل ما لا ينفعهم فيه.


لما ناجى الله موسى -عليه السلام- بين لنا أن تلك المناجاة هي من مواطن القرب منه، فقال: (وقربناه نجيا).

ومن فضل الله علينا ورحمته أنه لا يزال بإمكاننا -نحن- مناجاة الله، وذلك بالصلاة بين يديه، فقد قال الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ)، فالصلاة هي من مواطن القرب من الله لوقوع المناجاة فيها.

ومن مناجاة الله أيضا: دعاؤه، والثناء عليه، وطلب الحاجة منه، وهذا الدعاء هو -كذلك- من مقامات القرب منه { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِی عَنِّي فَإِنِّی قَرِیبٌ أُجِیبُ دَعوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}.

ولهذا لما اجتمعت عبادتي الصلاة والدعاء في موطن السجود، كان ذلك أقرب المواطن إلى الله عز وجل. (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ)

فمن كان صادقا في طلب القرب من ربه: فليهتز قلبه شوقا وإقبالا لمناجاته، وليحسن صلاته، وليكثر من سجوده، وليتذلل في طلبه، وليتلذذ بالثناء عليه، وليتذكر -كلما قام إلى الصلاة- أن الغاية من قيامه ذاك: هي مناجاة الله عز وجل حقا، والقرب منه صدقا.


قال الشاعر في حب النبي ﷺ:
(ما شممتُ الورد إلا . زادني شوقا إليك)

قلتُ: ولا تعلمتُ علما من علوم الدين، ولا جلستُ مجلسا من مجالسه، ولا طرقت سمعي فائدة من فوائده: إلا صليتُ عليه، وتذكرتُ أنه هو السبب -الذي جعله الله- في وصول كل تلك العلوم إلينا، وتذكرتُ منة الله علينا بذكر تعليم الرسول ﷺ لنا، في قوله: (ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون)، وفي قوله تعالى واصفا حال أهل الأرض قبل إرسال رسوله إليهم: (وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين).


بين سورتي الحج ولقمان ترابطٌ عجيب، ليس في الألفاظ فحسب، بل حتى في المضامين..

- ومن ذلك أن سورة الحج افتتحت بـ (يا أيها الناس اتقوا ربكم)، واختتمت بها لقمان.. وفي كلا الآيتين: التذكير بالتقوى وعرض مشهدٍ مخيفٍ من مشاهد يوم القيامة، يتخلى فيه الوالدان عن أبناءهم، ولا ينفع بعضهم بعضا.

- ورد في كلا السورتين بيان أن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل، وفي كلا السورتين ذكرٌ للعديد من أسماء الله الحسنى وآثارها.

- ورد في لقمان: أن وعد الله حق، وفي الحج: أن الساعة آتية لا ريب فيها، وفي كليهما ذكرٌ لقدرة الله على البعث، ففي الحج جاءت: (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم...)، وفي لقمان: (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة)

- في كلا السورتين يتكرر لفظ (ومن الناس)، ويأتي في مجموع تلك الآيات عرض نماذج المعرضين المستكبرين، والمجادلين في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.

- في كلا السورتين آياتٌ عديدةٌ تُفتتح بـ (ألم تر..)، يعدد الله فيها آلاءه ونعمه على خلقه، من تسخير ما في السماوات ومافي الأرض للناس، وإنزال المطر، وجريان الفلك في البحر، ثم يعقب ذلك بذكر جحود الإنسان وعدم شكره لنعم مولاه، فيقول في آخر هذا المقطع في الحج: (إن الإنسان لكفور)، ويقول في آخر مقطع لقمان: (وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور).

- في مقابل كفر الإنسان، يذكر الله غناه التام عن خلقه، وسعة ملكه، فيقول في الحج: (له مافي السماوات ومافي الأرض وإن الله لهو الغني الحميد)، وفي لقمان: (لله مافي السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد).

- ويأتي في أواخر السورتين: ذكر علم الله المحيط بكل شيء، ففي الحج: (ألم تعلم أن الله يعلم مافي السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير)، وخُتمت لقمان بهذه الآية العظيمة: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم مافي الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير).


وهناك من التشابه في المضامين بينهما ما هو أكثر من ذلك، فسبحان الذي أنزل هذا الكتاب مثاني، يشبه بعضه بعضا، ويصدق بعضه بعضا، حتى تستقر معانيه في النفس، وتبرز معانيه الرئيسية بتكررها.. ومع ذلك: تجد تلك المعاني في كل سورة لها وقع خاص في النفس، وتجدها تخدم مقصدا خاصا بتلك السورة، فسبحان الله العليم الحكيم.


تعلم أن الله كبير.. وتعلم أنه عظيم..

لكنك كلما قرأت عن حجم هذا الكون، واتساعه وعظمته، والأرقام الفلكية في عدد نجومه ومجراته.. كلما قرأت ذلك: تعلم أن الله الذي وسع كرسيه السماوات والأرض هو أكبر مما كنت تعتقد، وأنه أعظم مما كنت تعتقد..

ولا تزال كذلك في كل مرة يزداد فيها علمك واطلاعك وتفكرك في آيات الله، تعلم أنه -سبحانه- أعظم مما وقر في قلبك، وتعلم أنك لن تقدُره -مهما فعلت- حق قدره.


وهكذا في سائر صفاته، فكما تعلم أنه سبحانه رحمٰنٌ رحيم، إلا أنك لا تزال -بتأمل آيات الله الكونية والقرآنية- يزداد فيها تعجبك من آثار رحمته التي هي أكبر بكثيرٍ مما كنت تعتقد..

وحلمه وعفوه، وقوته وقدرته، ولطفه وإحاطته، وعلمه وحكمته، وعزته وكرمه.. كلها صفاتٌ هي أعظم -بما لا يتصوره أحد- مما يعتقده الناس مهما بلغ علمهم، وهذا هو ميدان تفاضل السائرين الحقيقي، الذين لا يزالون يرتقون في مدارج معرفة ربهم حتى يلقونه بما وقر في قلوبهم.


انظروا لهذا الدعاء الذي ذكره الله لنا على لسان الراسخين في العلم، ليعلمنا كيف ندعوه:

{ رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَیتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّاب • رَبَّنَاۤ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِیَومࣲ لَّا رَیبَ فِیهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُخلِفُ ٱلۡمِیعَاد}

• جمعوا في دعائهم هذا بين:

مقام الخوف من الرجوع للضلال..
ومقام الشكر بنسبة الهداية لله..
ومقام الافتقار بطلب الرحمة التي لا يملكها غيره..
ومقام الثناء بحمد الله بأسمائه الحسنى..
ومقام تذكر اليوم الآخر أثناء دعائهم..
ومقام التصديق بوعد الله الذي وعدهم بالغيب..
ومقام التسبيح بتزيهه عما لا يليق به..


فطوبى لمن اهتدى بكتاب الله عند قراءة آياته، واستحضر هذه المقامات القلبية في دعائه، واستن بسنة الذين أوتوا العلم في كل شأنه، وحري بمن فعل ذلك أن يكون لدعائه شأن آخر.


لو خيّر الله مريم ابنت عمران، لاختارت أن تكون نسيا منسيا على أن تحمل بذلك الطفل..
لكنها لم تختر، بل جاءها الخبر معقَبا بكونه أمرٌ مقضيٌ في السماء، لا يدَ لها في تغييره.

فكان ما قضى الله واختار، وصار هذا الحدث الذي لم ترغب مريم في خوض غماره: بوابة كبرى من بوابات الرحمة الإلهية التي فُتحت لأهل الأرض، وكان عيسى ابن مريم، المختار المفضل عند الله، أحق الله به الحق، وأبطل الباطل، وأقام على يديه الآيات البينات، وأنزل الشريعة عليه، وجعله أحد خير من وطئت أرجلهم الأرض.

فسبحان الله العليم الحكيم..
وسبحان الله الحميد المجيد..


الليلة كنت في جلسة مع بعض الأقارب، تحت ضوء النجوم، سألتهم فيها سؤالا طلبتُ من كل فرد أن يجيب عليه، وهو:

- أي اسم من أسماء الله الحسنى له وقعٌ خاصٌ في نفسك، ولك علاقةٌ مختلفةٌ تعيشها معه؟


فكانت الإجابات متنوعةً وجميلة، أنقل ما أتذكره منها:

- قال أحدهم أنه يُكثر من ذكر اسمَي: الحي القيوم، لا سيما في الدعاء، وأنه يجد لهما أثرا في النداء بهما، وفي الإجابة.
- وقال أحدهم: أنه يعيش رحلةً مع اسمَي: الحميد المجيد، ومع ما فيهما من السعة والشمول لصفات الثناء والحمد لله عز وجل، وأنه يجد في اقتران اسم الحميد في القرآن ببعض الأسماء الأخرى -كالغني والعزيز- ما يفتح آفاقا ممتدة من معرفة اسم الحميد والإحاطة بمواضعه المتنوعة الواردة في القرآن.
- وقال آخر: أنه يحب اسم: الرب، ويجد له معنى خاصا في نفسه عند الدعاء به، لأنه يذكره بعناية الله به في كل مراحل عمره، وإصلاحه له، والقيام بشأنه.
- وقال رابع: أن له شأنا مع اسم الله: الولي، وأنه يبعث في نفسه الطمأنينة، ويذكره بأن الله هو من يتولى أموره كلها، فيورثه ذلك التوكل على الله، وتفويض الأمر كله إليه.
- وقال أحدهم: أنه كثيرا ما يدعو الله باسم: الهادي، طالبا منه الهداية، مستشعرا أنها أعز المطالب لديه، وأن أكثر أهل الأرض قد حُرموا منها.
- وقال آخر: أنه مرتبط مع اسمَي: العليم والحكيم، وأنه -سبحانه- منفرد بتمام العلم والحكمة، وأن كل ما يأتينا من الله فهو صادر عن علمه وحكمته.
- وقال آخرهم: أنه يحب اسمَي: العزيز القهار، وأنهما يذكرانه بطبيعة علاقته مع ربه، وأنه ما هو إلا عبدٌ مقهور، يسير في سلطان الله القهار، العزيز الذي لا يمتنع عليه شيء، الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.


فماذا عنكم؟


لطالما كنتُ إذا أخذتُ أطفالي في نزهة، ووجدتُ أنهم قد قضوا وقتا ممتعا لا يرغبون بانقضائه، أترددُ في كيفية إخبارهم بنهاية الوقت، لا سيما لو كانوا قد قضوا وقتا قصيرا في نزهتهم بالفعل، ربما كنتُ أترددُ لعلمي أنّ تلك السعادة والضحكات ستتحول -في نهاية المطاف- إلى أحزانٍ ودموع أثناء طريق العودة..

وكنت أعجبُ -أشد العجب- عند رؤية أحد الأطفال في ذلك الموقف: يحفظ المعروف، فيتحامل على نفسه كيلا يعود حزينا، ويجاهد نفسه -ما استطاع- ليظهر نصف ابتسامة على وجهه، وهذا نادر.
وأندر منه أن يعود سعيدا ضاحكا، راضيا بالوقت القصير الذي قضاه، ممتنا لمن كان سببا في إدخال السعادة عليه.

ولسبب ما، يجعلني ذلك أتفكرُ في النعمة التي يقدر الله سبحانه بعلمه وحكمته أن يسلبها من عبده، ويستردها منه بعد أن متعه بها ما شاء له أن يمتعه، كوفاة قريب له، أو ابتلائه بمرض يفقد فيه بعض أعضائه أو حواسه، أو بنقص ماله ورزقه.

يجعلني ذلك أتفكر: كيف سيكون موقف ذلك العبد حينها من ولي نعمته؟

سيتذمر ويتأفف كما يفعل أولئك الأطفال بعد انقضاء نزهتهم؟ ولا يستحضر -في ذلك الموقف- إلا أن الوقت قد انتهى؟ وأن النعمة قد ذهبت عنه؟ ناسٍ لكل الأوقات الجميلة التي متعه بها صاحب تلك النعمة دون استحقاق منه؟

أم أنه سيكون في ذلك الموقف صابرا رابطَ الجأش، متماسكا لا يصدر منه ضجرٌ ولا تأفف، يستحي أن يكون موقفه -بعد كل ما متعه به وليه وأكرمه- هو الجحود والنكران.

أم أنه سيكون من أولئك الخاصة، الذين يشاهدون -في ذلك الوقت الصعب- ما لا يشاهده غيرهم؟ فيرى سلْب النعمة منه، وانتهاء الوقت الذي قُدر له أن يتمتع بها: فرصة للتوجه لولي النعمة، ومشاهدة سابق فضله وقديم إحسانه، ولشكره على منحه إياها كل ذلك الوقت، والرضى حقا بتقديره الذي صدر عن تمام العلم والحكمة؟

فذلك مقام السابقين، الذين وإن تألموا ألما بشريا عاديا بما يصيبهم، فهم ينظرون -مع ذلك- إلى حقائق الأمور، ويشاهدون تقدير العزيز الكريم المحسن الحكيم العليم في كل قدرٍ من أقداره.


سؤال للتفكر:
لماذا كانت صفة التقوى تحديدا من أكثر الصفات التي يصف الله بها أهل الجنة؟


وإنما تفاضل السالكون بتفاضلهم في دوام استحضار الحقائق الكبرى:

إلهٌ عظيمٌ حيٌّ في السماء..
ومخلوقٌ وُجد بعد أن كان عدما..
واختبارٌ يحدد مصيرا خالدا..




مخلوقٌ لا وزن له في هذا الكون الواسع..
يتمتمُ بكلماتٍ لا يسمعها أحد..

يراه الله..
ويسمعه الله..
ويرضى عنه الله..


تفكر في حقيقة الوجود..
وكأن الله لم يخلق بشرا غيرك!

واقرأ القرآن..
وكأنه لم ينزل إلا لهدايتك وحدك!


في بداية قصة يوسف عليه السلام، عندما كان صغيرا، وقبل كل الابتلاءات التي مرّ بها، هيأ الله له ولأبيه من الأسباب والرسائل الخفية ما يبشرهم ويثبتهم بها، وذلك بالرؤيا التي حكاها يوسف لأبيه، فعلم أبوه أنها نافذة للمستقبل أطلعهما الله عليها، ثم بالوحي الذي أوحاه الله ليوسف قبل إلقاءه في الجب.

فاختار الله -بعلمه وحكمته- أن تكون وسيلة تثبيتهم وتبشيرهم بالمستقبل: وسيلة عجيبة، من الرؤى والوحي الذي يصل لهم بخفاء، ولذلك قال سبحانه: (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) فلم يشعر أحد بتلك الإشارات والتقديرات الربانية الخفية التي يسوقها الله لمن يشاء.

وما أشبه قصة يوسف من هذا الوجه بقصة موسى، عليهما السلام.

ففي أول قصته أيضا، ثبت الله أمه بوحي خفي، ربط به على قلبها، وفتح لها نافذة مبشرة للمستقبل فقال: { وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰۤ أُمِّ مُوسَىٰۤ أَنۡ أَرۡضِعِیهِ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَیۡهِ فَأَلۡقِیهِ فِی ٱلۡیَمِّ وَلَا تَخَافِی وَلَا تَحۡزَنِیۤ إِنَّا رَاۤدُّوهُ إِلَیۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ }.
ثم قدر الله أسباب قصة اليم العجيبة، التي يحمله فيها على ظهر الماء، ليلتقطه آل فرعون، فيكون مأمنه من القتل عندهم، وليسخر له من يربيه ويضمه ويتخذه ولدا، كما اتخذ آل العزيز يوسف ولدا من قبل، وكل ذلك بتقديرات إلهية متتالية لم يشعر الناس حينها بمعناها العظيم الذي أراده الله، فقال في موسى لما هيأ له امرأة فرعون لتنقذه من القتل: { وَقَالَتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ عَیۡنࣲ لِّی وَلَكَۖ لَا تَقۡتُلُوهُ عَسَىٰۤ أَن یَنفَعَنَاۤ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدࣰا وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ } فلم يشعروا بما يعنيه قرار إبقاءه حيا في ذلك الوقت.


وذلك العطاء الإلهي الخفي، والبشارات والرسائل التي يبشر بها أولياءه، ويثبتهم بها، والعناية التي يسوقها الله لهم بأقداره، والتي لا يشعر بها أحد: هي من آثار اسم الله اللطيف، الذي من معانيه: أنه -سبحانه- يسوق لأوليائه الخير والبر بخفاء من حيث لا يعلمون، ويرزقهم ويتفضل عليهم من حيث لا يحتسبون، وينزل عليهم الثبات والسكينة من حيث لا يشعرون.


ينتبه للوقت، فيقف بسيارته على الفور، متجاهلا كل الأعمال التي كان يسير ليلحق بها، ومؤجلا كل المواعيد التي تنتظره..

يمدّ سجادته على التراب، ويقف منتصبا على طرف طريقٍ لا تتوقف فيه حركة العابرين، ويُكبّر..

وهناك يتوقف الزمن، ويسكن كل شيء، وتتحرك شفاهه لاهجةً بصوتٍ شجي: "إياك نعبد.. وإياك نستعين".

إياك يارب..
كل هذه الحياة، وكل هذا السعي، وكل هذا المسير، غايتنا منه أن نقف تلك الوقفة، لنقول تلك الكلمات، رافعين بها أصواتنا، ترددها قلوبنا قبل ألسنتنا، مستشعرين بكل جارحةٍ فينا، أن غايتنا المطلقة، ووسيلتنا لبلوغها، هي في تلك الكلمات فحسب، نرددها ولا نريد من حياتنا كلها شيئا سوى ذلك.


في سورة الحج:
يبين الله -سبحانه وتعالى- أفعاله وكراماته التي يُكرم بها من تولاه، والتي هي أثرٌ من آثار اسمه (الوليّ) الذي يختص عباده المؤمنين بنوع من الولاية الخاصة لهم، فيقول فيها سبحانه:

• { إِنَّ ٱللَّهَ یُدۡخِلُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَفۡعَلُ مَا یُرِیدُ }
• { مَن كَانَ یَظُنُّ أَن لَّن یَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ فَلۡیَمۡدُدۡ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ ثُمَّ لۡیَقۡطَعۡ فَلۡیَنظُرۡ هَلۡ یُذۡهِبَنَّ كَیۡدُهُۥ مَا یَغِیظُ }
• { وَكَذَ ٰ⁠لِكَ أَنزَلۡنَـٰهُ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲ وَأَنَّ ٱللَّهَ یَهۡدِی مَن یُرِیدُ }
• { إِنَّ ٱللَّهَ یُدۡخِلُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ یُحَلَّوۡنَ فِیهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبࣲ وَلُؤۡلُؤࣰاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِیهَا حَرِیرࣱ }
• { إِنَّ ٱللَّهَ یُدَ ٰ⁠فِعُ عَنِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ كُلَّ خَوَّانࣲ كَفُورٍ }
• { وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ }
• { وَلِیَعۡلَمَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَیُؤۡمِنُوا۟ بِهِۦ فَتُخۡبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ }
• { وَٱلَّذِینَ هَاجَرُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤا۟ أَوۡ مَاتُوا۟ لَیَرۡزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزۡقًا حَسَنࣰاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَیۡرُ ٱلرَّ ٰ⁠زِقِینَ . لَیُدۡخِلَنَّهُم مُّدۡخَلࣰا یَرۡضَوۡنَهُۥۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِیمٌ حَلِیم . ذَ ٰ⁠لِكَۖ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِیَ عَلَیۡهِ لَیَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورࣱ }


ثم في آخر آية في السورة، يمدح الله ولايته لأوليائه، وحفظه ونصرته وهدايته لهم، وتدبير أمورهم، ويوصيهم بالتوكل عليه، والاعتصام به، والامتناع به، فهو مولاهم الحق وكافيهم، فيقول سبحانه:
{ فَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱعۡتَصِمُوا۟ بِٱللَّهِ هُوَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ فَنِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِیرُ }

فنعم الولي الله، يهدي ويرزق، ويدافع وينصر، ويُدخل أولياءه الجنة، وبئس المولى من اتُخذ وليا من دونه وبئس العشير، { كُتِبَ عَلَیۡهِ أَنَّهُۥ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُۥ یُضِلُّهُۥ وَیَهۡدِیهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِیرِ }.

وما أجمع هذه السورة لهذا المعنى..


Forward from: 〰 قناة عبدالرحمن السيد 〰
دعاء الله عز وجل ليس مجرد كلماتٍ تتلفظ بها بلسانك سريعا حتى تفرغ منها، بل هي عبوديةٌ مشتركةٌ بين اللسان والقلب، ينعكس أثر ما ينطق به اللسان من الطلب والدعاء بما يناسبه على القلب: خوفا وطمعا، وتضرعا وافتقارا، وإخلاصا ومحبة.

فللقلب مقاماتٌ جليلةٌ عند الدعاء، منها:

١. إظهار الافتقار إلى الله، وشدة الحاجة إليه، وأن تعترف وتقر أن الإجابة والقبول لا تكون إلا منه وحده، وأن تعلمَ أن الأبواب كلها مغلقةٌ إلا بابه، ثم تلتزم على ذلك الباب طرقا وإلحاحا، وتوسلا وتضرعا، حتى يُفتح لك، وتخاف خوف من يعلم يقينا أنه سيضل ويشقى ويهلك إن لم يُسمح له بالدخول.

٢. استحضار الحياء منه، والامتنان لواسع كرمه الذي لم تستحق شيئا منه بنفسك، وينتج ذلك من مطالعة تقصيرك الشديد في حقه طوال العام، وغفلتك عنه، وذنوبك التي اقترفتها دون أن تعظم قدره، ثم مطالعة إحسانه عليك إذ أوقفك بين يديه في أفضل الأيام، وأعانك وحملك لترفع يديك تتوسل إليه، وتسأله من فضله ورحمته، رغم كل ما بدر منك، فتسأله بعد هاتين المطالعتين سؤال من يعلم أنه لا يستحق شيئا، وأنه لو لولا فضل الله عليه وإمهاله حتى يرفع يده ليتوب، لاستحق أن يُلقى في النار.

٣. استحضار محبته عز وجل بين يدي دعائك، ويكون ذلك بوسائل كثيرة، منها: الثناء عليه بأسمائه وصفاته، والتفكر بشواهد كل اسمٍ في نفسك وفي هذا الكون، فكل صفاته صفات كمال، من أدام النظر فيه سيورثه ذلك حب من اتصف بها سبحانه، ومن وسائل استحضار المحبة: تذكر نعمته عليك، فيكون من دعائك: يارب، أنت الذي خلقتني وصورتني ورزقتني وعلمتني وهديتني، يارب أنت الذي مننت علي بكذا وكذا، وأنت الذي نجيتني يوم كذا، واستجبت دعائي يوم كذا، وهكذا تُعدد أنعامه التي لا تحصى عليك، حتى تستقر محبته في قلبك، فيكون دعاؤك حينئذٍ دعاء المحب لمحبوبه.


كلنا يعرف هذا الحديث العظيم:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ".


ولا شك أن لهذا الذكر شأنٌ عظيمٌ في معناه حتى حصل بذكره كل ذلك الفضل، وهذه بعض التأملات في معناه، التي يمكن للمرء استحضارها عند ذكره:


١. لا نعبد إلا الله، الذي من صفته: أنه واحد، وأن له الملك، وأن له الحمد، وأنه قدير على كل شيء.

٢. ‏كيف يكون لله شريك -سبحانه- وله وحده الملك كله، والحمد كله، والقدرة كلها؟

٣. ‏لا إله إلا الله، فكما أنه قد وسعت قدرته وملكه كل شيء، فحمده قد وسع كل ما وسعته قدرته وملكه، فهو المحمود في كل ملكه، وفي كل أقواله وأفعاله وخلقه وأمره.

٤. ‏لا إله إلا الله، ملكٌ ذو سلطانٍ عظيم، قادرٌ على كل شيء، فعالٌ لما يريد، لا يمتنع عليه أحد، ولا يعجزه شيء، ومع ذلك، فهو محمودٌ لا يحكم ويقضي ويفعل إلا بما يقتضيه حمده من الحكمة والرحمة والعدل والفضل.

٥. ‏لا إله إلا الله المحمود في ذاته وأفعاله وأقواله، وهو في حمده ليس بعاجز -سبحانه- كما قد يُحمد الناس في عجزهم، حتى إذا اقتدروا بدر منهم الخطأ والنقص، بل هو ملكٌ قادرٌ يتصرف ويفعل ما يشاء، وما أعظم المحمود إذا كان قادرا متصرفا مستطيعا.

20 last posts shown.

3 085

subscribers
Channel statistics