دعاء الله عز وجل ليس مجرد كلماتٍ تتلفظ بها بلسانك سريعا حتى تفرغ منها، بل هي عبوديةٌ مشتركةٌ بين اللسان والقلب، ينعكس أثر ما ينطق به اللسان من الطلب والدعاء بما يناسبه على القلب: خوفا وطمعا، وتضرعا وافتقارا، وإخلاصا ومحبة.
فللقلب مقاماتٌ جليلةٌ عند الدعاء، منها:
١. إظهار الافتقار إلى الله، وشدة الحاجة إليه، وأن تعترف وتقر أن الإجابة والقبول لا تكون إلا منه وحده، وأن تعلمَ أن الأبواب كلها مغلقةٌ إلا بابه، ثم تلتزم على ذلك الباب طرقا وإلحاحا، وتوسلا وتضرعا، حتى يُفتح لك، وتخاف خوف من يعلم يقينا أنه سيضل ويشقى ويهلك إن لم يُسمح له بالدخول.
٢. استحضار الحياء منه، والامتنان لواسع كرمه الذي لم تستحق شيئا منه بنفسك، وينتج ذلك من مطالعة تقصيرك الشديد في حقه طوال العام، وغفلتك عنه، وذنوبك التي اقترفتها دون أن تعظم قدره، ثم مطالعة إحسانه عليك إذ أوقفك بين يديه في أفضل الأيام، وأعانك وحملك لترفع يديك تتوسل إليه، وتسأله من فضله ورحمته، رغم كل ما بدر منك، فتسأله بعد هاتين المطالعتين سؤال من يعلم أنه لا يستحق شيئا، وأنه لو لولا فضل الله عليه وإمهاله حتى يرفع يده ليتوب، لاستحق أن يُلقى في النار.
٣. استحضار محبته عز وجل بين يدي دعائك، ويكون ذلك بوسائل كثيرة، منها: الثناء عليه بأسمائه وصفاته، والتفكر بشواهد كل اسمٍ في نفسك وفي هذا الكون، فكل صفاته صفات كمال، من أدام النظر فيه سيورثه ذلك حب من اتصف بها سبحانه، ومن وسائل استحضار المحبة: تذكر نعمته عليك، فيكون من دعائك: يارب، أنت الذي خلقتني وصورتني ورزقتني وعلمتني وهديتني، يارب أنت الذي مننت علي بكذا وكذا، وأنت الذي نجيتني يوم كذا، واستجبت دعائي يوم كذا، وهكذا تُعدد أنعامه التي لا تحصى عليك، حتى تستقر محبته في قلبك، فيكون دعاؤك حينئذٍ دعاء المحب لمحبوبه.