" الباتوكونيا"
تركتُ كوبَ الشايِ واعتدلتُ بجَلستي وصبَبتُ كامِل تركيزي على كلامِها أكملت: " قبلَ زمنٍ ليسَ بالقريبِ ماتَا أبي وأمي غرَقاً في أوجِ بحرٍ هائٍج، وبقِيتُ معَ أخِي الأكبرِ منّي وتوِّج أخي حاكِماً علىٰ المملكة، وبعدَ شهرينِ ماتَ أخي أيضاً بسُمٍّ في شرابِه وضعتْهُ إحدىٰ الخادِمات، وسُرقَت كلّ أموالِهِ وتُحفِهِ الثمينه، بقىٰ الشّعبُ حائراً فلا يوجَدُ غيري لأتولّىٰ حُكمَ المملكةِ الشمالية، ولكنّي صغيرةٌ علىٰ كلّ تلكَ المسؤوليّات والمهام، بعدَ إلحاحِ شعبي ترأستُ وتُوِّجتُ ملكةً منذُ سنةٍ منَ الآنَ تقريباً، يَقولُ أجدادُنا أنّ الباتوكونيا سيأتي يوماً ما ليكشِفَ كلّ الشّرورِ وستنتصِرُ مملكةٌ واحدة، والباتوكونيا هو الوحيدُ من سيُقرّر أيّ المَملكَتَينِ هيَ الأفضل، إن فازَ عمّي "جهاد" فسيحكُم كِلتَا المملكتين وإن فُزتُ أنا فسأحكُمُ كلتاهُما أيضاً، وسيحدُثُ هذا كلُّه فِي مساءِ الغد، ستصعدين علىٰ مِنَصّةٍ وسطَ شعبِ المَملكَتَين وستقولينَ بصوتٍ عالٍ (أنا الباتوكونيا وأتيتُ لأُظْهرَ الحقيقةَ وأكشفَ السّتارَ عنِ الباطل)، ولقد صنعَ أجدادُنا حجراً ثميناً إسمُه حجرُ النّور إن توهّج الحجرُ وأنارَ جهةَ مملَكتي فهذا يعني أنّكِ إخترتِنا وإن أنارَ جهةَ مملَكَةِ عمّي فهذا يعني أنّكِ إختَرتِهِ هوَ، ولكنّي معَ الأسفِ لن أسمحَ بذلك" إستغربتُ من نبرةِ صَوتِها في كلِماتِها الأخيرة، أينَ الرقّة التي كانتَ تُزَيّنُ حروفَها، سألتُها: "ماذا تقصدين؟!" إبتسمَت بمَكرٍ وأمرَت حارِسانِ بتقييدي، فجأة أحسستُ بثِقلِ جسدي وفقدتُ توازُني ومن ثمّ وَعيِ، فتحتُ عينايَ ورأسي يكادُ ينفجِر، لحظة! ماهذه القُضبان؟ أهذا حقاً سجن؟ ولكن لماذا؟ تحرّكتُ بِبُطئٍ نحوَ قُضبانِ الزِنزانة وبدأتُ أصرُخُ وأطلُبُ المُساعدة انهرتُ باكية، مالذي جاءَ بي إلىٰ هُنا؟! بعدَ وقتٍ قصيرٍ أتَت تلكَ الحمقاء و لولاَ ذاك الحديدِ الصلبِ لنقضَضتُ علَيهَا بأسناني وقتَلتُها، قالت بعجرفةٍ : "ليسَ ذَنبي أنّكِ سهلةُ الخِداعِ، في الحقيقة أنا مَن وراءَ موتِ أخي الأكبر، أمرتُ خادِمَتي أن تضعَ لهُ سُمّاً في شرابِه فمات، وأمرت أيضاً بنهبِ كلّ ثَروَتِه وإخفاءِها في قبوٍ تحتَ الأرض وتكتّمَ خدَمِي عن هذه القِصّة، هه ليسَ لكَثرَةِ ولاءِهِم بل كنتُ أدفَعُ لهُم جيّداً !" صدمةٌ وراءَ صاعِقةٍ وراءَهُما صفَعَات هكذا كانَت ردّةُ فِعلي، قُلتُ لها والدُّخان بدأ بالخروجِ من أذُناي: " أيّ أختٍ أنتِ؟! ألهذا لا تُريدينَ منّي أن أكونَ الباتوكونيا؟ كَي لا أكشِفَ خِداعَكِ ومَكرَكِ وعجرفَتك! " أجابَت ببرودٍ جعَلَني أودُّ صفعَها: "نعم"
انصرَفت وبعدَ إنصرافِها جاءَ ضابطٌ هزيلُ البُنيَة و وقفَ على بابِ زِنزَانتِي، نادَيتُهُ فأبىٰ في البدايةِ تلبِيةِ نِدائي ولكنّي عرَضتُ علَيهِ صفقةً مُربِحةً بالنسبة لَه ولم يستَطِع تجنُّبَها قُلت له: " هذهِ ساعتِي إن أخرجْتَنِي من هُنا وأرشدتَني لمَنَصّةِ الباتوكونيا سأعطيهَا لك" قال: "في ماذا تُستَخدَم؟" أجبتُه: " تحتسبُ بِها الوقتَ وعددَ الثواني والدقائقِ والسّاعات بدلَ الإعتمادِ علىٰ الظل" ظننتُ بأنّهُ لن يُصدّقَنِي ولكنّهُ فتحَ ليَ البابَ ومنَ الصدمةِ بقِيتُ بالدّاخلِ أنظرُ للباب فقال لي بتعجّبٍ: " أتراجَعتِي عنِ الصّفقة؟" أعطَيتُهُ ساعتِي وقامَ بإرشادِي نحوَ مِنصّةِ الباتوكونيا، بقيَ أمامِي عِشرونَ دقيقةً وتشرُقُ الشمسُ فكانَ عليَّ أن أُسرِع، بعد خمسِ دقائِق خرجنا مِن القصرِ وبدأَ صخبُ النّاسِ يعلُو شيئاً فشيئاً عندَها علِمتُ أنّنا اقترَبنَا من وِجهَتِنَا، رأيتُ زمرّد علىٰ المَنصّةِ ويقفُ بجانِبِها رجلٌ طويلُ القامَةِ ويتخلّلُ رأسُه بعضُ الشّيبِ ومِن تاجِهِ الذّهبيِّ عَرَفتُ أنّهُ عَمُّهَا "جهاد" أسرعتُ لركُوبِ المِنصّة وعلاماتُ الدهشَةِ تملأُ ملامِحَ زُمرّد إبتسمتُ لتعابيرِ وجهِهَا وقبلَ أن تقفَ رفعتُ كُمَّ قميصي ليظهَرَ رمزُ الباتوكونيا فأتَت كالمجنونةِ تستشيطُ غضباً ولكنّهُ أمرَ أحدَ رِجالِهِ فأمسَكُوها . . .
يتبع . . . . .
بِقَلم: فرح أسامة.
تركتُ كوبَ الشايِ واعتدلتُ بجَلستي وصبَبتُ كامِل تركيزي على كلامِها أكملت: " قبلَ زمنٍ ليسَ بالقريبِ ماتَا أبي وأمي غرَقاً في أوجِ بحرٍ هائٍج، وبقِيتُ معَ أخِي الأكبرِ منّي وتوِّج أخي حاكِماً علىٰ المملكة، وبعدَ شهرينِ ماتَ أخي أيضاً بسُمٍّ في شرابِه وضعتْهُ إحدىٰ الخادِمات، وسُرقَت كلّ أموالِهِ وتُحفِهِ الثمينه، بقىٰ الشّعبُ حائراً فلا يوجَدُ غيري لأتولّىٰ حُكمَ المملكةِ الشمالية، ولكنّي صغيرةٌ علىٰ كلّ تلكَ المسؤوليّات والمهام، بعدَ إلحاحِ شعبي ترأستُ وتُوِّجتُ ملكةً منذُ سنةٍ منَ الآنَ تقريباً، يَقولُ أجدادُنا أنّ الباتوكونيا سيأتي يوماً ما ليكشِفَ كلّ الشّرورِ وستنتصِرُ مملكةٌ واحدة، والباتوكونيا هو الوحيدُ من سيُقرّر أيّ المَملكَتَينِ هيَ الأفضل، إن فازَ عمّي "جهاد" فسيحكُم كِلتَا المملكتين وإن فُزتُ أنا فسأحكُمُ كلتاهُما أيضاً، وسيحدُثُ هذا كلُّه فِي مساءِ الغد، ستصعدين علىٰ مِنَصّةٍ وسطَ شعبِ المَملكَتَين وستقولينَ بصوتٍ عالٍ (أنا الباتوكونيا وأتيتُ لأُظْهرَ الحقيقةَ وأكشفَ السّتارَ عنِ الباطل)، ولقد صنعَ أجدادُنا حجراً ثميناً إسمُه حجرُ النّور إن توهّج الحجرُ وأنارَ جهةَ مملَكتي فهذا يعني أنّكِ إخترتِنا وإن أنارَ جهةَ مملَكَةِ عمّي فهذا يعني أنّكِ إختَرتِهِ هوَ، ولكنّي معَ الأسفِ لن أسمحَ بذلك" إستغربتُ من نبرةِ صَوتِها في كلِماتِها الأخيرة، أينَ الرقّة التي كانتَ تُزَيّنُ حروفَها، سألتُها: "ماذا تقصدين؟!" إبتسمَت بمَكرٍ وأمرَت حارِسانِ بتقييدي، فجأة أحسستُ بثِقلِ جسدي وفقدتُ توازُني ومن ثمّ وَعيِ، فتحتُ عينايَ ورأسي يكادُ ينفجِر، لحظة! ماهذه القُضبان؟ أهذا حقاً سجن؟ ولكن لماذا؟ تحرّكتُ بِبُطئٍ نحوَ قُضبانِ الزِنزانة وبدأتُ أصرُخُ وأطلُبُ المُساعدة انهرتُ باكية، مالذي جاءَ بي إلىٰ هُنا؟! بعدَ وقتٍ قصيرٍ أتَت تلكَ الحمقاء و لولاَ ذاك الحديدِ الصلبِ لنقضَضتُ علَيهَا بأسناني وقتَلتُها، قالت بعجرفةٍ : "ليسَ ذَنبي أنّكِ سهلةُ الخِداعِ، في الحقيقة أنا مَن وراءَ موتِ أخي الأكبر، أمرتُ خادِمَتي أن تضعَ لهُ سُمّاً في شرابِه فمات، وأمرت أيضاً بنهبِ كلّ ثَروَتِه وإخفاءِها في قبوٍ تحتَ الأرض وتكتّمَ خدَمِي عن هذه القِصّة، هه ليسَ لكَثرَةِ ولاءِهِم بل كنتُ أدفَعُ لهُم جيّداً !" صدمةٌ وراءَ صاعِقةٍ وراءَهُما صفَعَات هكذا كانَت ردّةُ فِعلي، قُلتُ لها والدُّخان بدأ بالخروجِ من أذُناي: " أيّ أختٍ أنتِ؟! ألهذا لا تُريدينَ منّي أن أكونَ الباتوكونيا؟ كَي لا أكشِفَ خِداعَكِ ومَكرَكِ وعجرفَتك! " أجابَت ببرودٍ جعَلَني أودُّ صفعَها: "نعم"
انصرَفت وبعدَ إنصرافِها جاءَ ضابطٌ هزيلُ البُنيَة و وقفَ على بابِ زِنزَانتِي، نادَيتُهُ فأبىٰ في البدايةِ تلبِيةِ نِدائي ولكنّي عرَضتُ علَيهِ صفقةً مُربِحةً بالنسبة لَه ولم يستَطِع تجنُّبَها قُلت له: " هذهِ ساعتِي إن أخرجْتَنِي من هُنا وأرشدتَني لمَنَصّةِ الباتوكونيا سأعطيهَا لك" قال: "في ماذا تُستَخدَم؟" أجبتُه: " تحتسبُ بِها الوقتَ وعددَ الثواني والدقائقِ والسّاعات بدلَ الإعتمادِ علىٰ الظل" ظننتُ بأنّهُ لن يُصدّقَنِي ولكنّهُ فتحَ ليَ البابَ ومنَ الصدمةِ بقِيتُ بالدّاخلِ أنظرُ للباب فقال لي بتعجّبٍ: " أتراجَعتِي عنِ الصّفقة؟" أعطَيتُهُ ساعتِي وقامَ بإرشادِي نحوَ مِنصّةِ الباتوكونيا، بقيَ أمامِي عِشرونَ دقيقةً وتشرُقُ الشمسُ فكانَ عليَّ أن أُسرِع، بعد خمسِ دقائِق خرجنا مِن القصرِ وبدأَ صخبُ النّاسِ يعلُو شيئاً فشيئاً عندَها علِمتُ أنّنا اقترَبنَا من وِجهَتِنَا، رأيتُ زمرّد علىٰ المَنصّةِ ويقفُ بجانِبِها رجلٌ طويلُ القامَةِ ويتخلّلُ رأسُه بعضُ الشّيبِ ومِن تاجِهِ الذّهبيِّ عَرَفتُ أنّهُ عَمُّهَا "جهاد" أسرعتُ لركُوبِ المِنصّة وعلاماتُ الدهشَةِ تملأُ ملامِحَ زُمرّد إبتسمتُ لتعابيرِ وجهِهَا وقبلَ أن تقفَ رفعتُ كُمَّ قميصي ليظهَرَ رمزُ الباتوكونيا فأتَت كالمجنونةِ تستشيطُ غضباً ولكنّهُ أمرَ أحدَ رِجالِهِ فأمسَكُوها . . .
يتبع . . . . .
بِقَلم: فرح أسامة.