تاج
﴿إنَّ اللهَ يُدافِعُ عن الذين آمنوا .... .... وإنَّ اللهَ على نَصْرِهِمْ لَقَدير﴾ ٣٨-٣٩ الحج
ضمِنَ اللهُ للمؤمنين أنه هو يدافع عنهم، ففيمَ يأذن لهم بالقتال ويكتب عليهم الجهاد؟ والله قادر على تحقيق النصر لهم بلا تضحية ولا ألم ولا قتل ولا قتال!
لله الحكمة العليا والحجة البالغة وما ظهر لنا منها أنه سبحانه لم يُرِدْ أن يكون حملة دعوته من التنابلة الكسالى الذين يتنزل عليهم نصره هيِّنًا سهلاً لمجرد أنهم يقيمون الصلاة ويرتلون القرآن ويتوجهون إلى الله بالدعاء كلما مَسَّهم الأذى ووقعَ عليهم الاعتداء..
نعم إنهم يجب أن يقيموا الصلاة وأن يرتلوا القرآن وأن يتوجهوا إلى الله بالدعاء، ولكن هذه العبادة هي الزّاد الذي يتزوّدونه للمعركة، والذخيرة التي يدّخرونها للموقعة، والسلاح الذي يطمئنون إليه وهم يواجهون الباطل بمثل سلاحه ويزيدون عليه بسلاح التقوى والاتصال بالله.
شاء الله أن يجعل دفاعه عن الذين آمنوا عن طريقهم هم أنفسهم كي يتمّ نضجهم هم في أثناء المعركة، فالبنية الإنسانية لا تستيقظ كل الطاقات المذخورة فيها كما تستيقظ وهي تواجه الخطر، وهي تدفع وتدافع، عندئذ تتحفّز كل خليّة بكل ما أودعَ فيها من استعداد لتؤدي دورها، ولتتساند مع الخلايا الأخرى في العمليات المشتركة، ولتؤتي أقصى ما تملكه.
والنصر السريع يعطل تلك الطاقات عن الظهور.
وهناك التربية الوجدانية والدربة العملية التي تنشأ من النصر والهزيمة والأمل والألم والفرح والغم.
من أجل هذا كله ومن أجل غيره مما يعلمه الله: جعل الله دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم ولم يجعله هبة تهبط عليهم من السماء بلا عناء.
قد يبطئ النصر لأن بنية الأُمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها ولم يتمّ بعد تمامها ، فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكًا لعدم قدرتها على حمايته طويلا.
وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة آخر ما في طوقها من قوة وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزًا ولا غاليًا لا تبذله هيّنًا رخيصًا في سبيل الله.
وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة صلتها بالله وهي تعاني وتبذل ولا تجد لها سندًا إلا الله. وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن الله به. فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل.
وقد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأُمة المؤمنة بقية من خير، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصًا ويذهب وحده هالكًا، لا تتلبّس فيه ذرة من خير تذهب في الغمار.
وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماما، فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصارًا من المخدوعين فيه، فتظلّ له جذورٌ في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة، فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى ينكشف عاريًا للناس ويذهب غير مأسوفٍ عليه من ذي بقية.
فلهم أن يطمئنوا إلى حماية الله ونصره إياهم.
وأنّ لهم ما يبرر خوضهم للمعركة فهم منتدبون لمهمة إنسانية كبيرة، لا يعود خيرها عليهم وحدهم، إنما يعود على الجبهة المؤمنة كلّها.
في ظلال القرآن | سيد قطب
.
﴿إنَّ اللهَ يُدافِعُ عن الذين آمنوا .... .... وإنَّ اللهَ على نَصْرِهِمْ لَقَدير﴾ ٣٨-٣٩ الحج
ضمِنَ اللهُ للمؤمنين أنه هو يدافع عنهم، ففيمَ يأذن لهم بالقتال ويكتب عليهم الجهاد؟ والله قادر على تحقيق النصر لهم بلا تضحية ولا ألم ولا قتل ولا قتال!
لله الحكمة العليا والحجة البالغة وما ظهر لنا منها أنه سبحانه لم يُرِدْ أن يكون حملة دعوته من التنابلة الكسالى الذين يتنزل عليهم نصره هيِّنًا سهلاً لمجرد أنهم يقيمون الصلاة ويرتلون القرآن ويتوجهون إلى الله بالدعاء كلما مَسَّهم الأذى ووقعَ عليهم الاعتداء..
نعم إنهم يجب أن يقيموا الصلاة وأن يرتلوا القرآن وأن يتوجهوا إلى الله بالدعاء، ولكن هذه العبادة هي الزّاد الذي يتزوّدونه للمعركة، والذخيرة التي يدّخرونها للموقعة، والسلاح الذي يطمئنون إليه وهم يواجهون الباطل بمثل سلاحه ويزيدون عليه بسلاح التقوى والاتصال بالله.
شاء الله أن يجعل دفاعه عن الذين آمنوا عن طريقهم هم أنفسهم كي يتمّ نضجهم هم في أثناء المعركة، فالبنية الإنسانية لا تستيقظ كل الطاقات المذخورة فيها كما تستيقظ وهي تواجه الخطر، وهي تدفع وتدافع، عندئذ تتحفّز كل خليّة بكل ما أودعَ فيها من استعداد لتؤدي دورها، ولتتساند مع الخلايا الأخرى في العمليات المشتركة، ولتؤتي أقصى ما تملكه.
والنصر السريع يعطل تلك الطاقات عن الظهور.
وهناك التربية الوجدانية والدربة العملية التي تنشأ من النصر والهزيمة والأمل والألم والفرح والغم.
من أجل هذا كله ومن أجل غيره مما يعلمه الله: جعل الله دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم ولم يجعله هبة تهبط عليهم من السماء بلا عناء.
قد يبطئ النصر لأن بنية الأُمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها ولم يتمّ بعد تمامها ، فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكًا لعدم قدرتها على حمايته طويلا.
وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة آخر ما في طوقها من قوة وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزًا ولا غاليًا لا تبذله هيّنًا رخيصًا في سبيل الله.
وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة صلتها بالله وهي تعاني وتبذل ولا تجد لها سندًا إلا الله. وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن الله به. فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل.
وقد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأُمة المؤمنة بقية من خير، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصًا ويذهب وحده هالكًا، لا تتلبّس فيه ذرة من خير تذهب في الغمار.
وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماما، فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصارًا من المخدوعين فيه، فتظلّ له جذورٌ في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة، فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى ينكشف عاريًا للناس ويذهب غير مأسوفٍ عليه من ذي بقية.
فلهم أن يطمئنوا إلى حماية الله ونصره إياهم.
وأنّ لهم ما يبرر خوضهم للمعركة فهم منتدبون لمهمة إنسانية كبيرة، لا يعود خيرها عليهم وحدهم، إنما يعود على الجبهة المؤمنة كلّها.
في ظلال القرآن | سيد قطب
.