س/
هل أنت مع من يقول إن مسلما سبق البخاري في تصنيف الصحيح، وإن من ردَّ عليه في مقدمة الصحيح هو أبو حاتم؟
ج/
الحمد لله وحده.
لا يصح أن يقول أحد إن مسلما سبق البخاري في وضع الصحيح.
فالبخاري عرض كتابه على علي بن المديني سنة نيف وثلاثين ومائتين، لما كان مسلم ما زال في مرحلة جمع أصوله التي انتقى منها بعد ذلك مرويات صحيحه.
وهل قال بذلك كبير أحد؟!
بل؛ ذكرت سابقا أن مسلما قد صنّف الصحيح وهو يلمَح كتاب البخاريّ، وليس معنى هذا أنه أخذ كتاب البخاري فاستخرج عليه وزاد، كما يقوله الدارقطني أو غيره، هذا غير صحيح عندي.
لكن البخاريّ فعل أمرين اثنين بتصنيفه الصحيح:
1- جمع أكثر الروايات التي اتفق أهل الصنعة على ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2- انتقى من الروايات التي يقع الخلاف بين الأئمّة في ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا قد اتفقوا على العمل بقتضاها، أو سواغ الخلاف في العمل بمقتضاها.
هذا من حيث الأصل، ثم قد يقع النظر في بعض ذلك.
فلو أراد أيّ واحد من هؤلاء النقاد الأئمة، أن يصنف مثل البخاري، أعني مَن هم من طبقة البخاري:
فلم يكن يسعه إلا أن يضمّن كتابه الروايات التي في الرقم (1).
ثم لكلّ إمام نظر مختلف في الروايات التي في الرقم (2).
فلما أراد مسلم أن يضع كتابه الصحيح، لم يسعه إلا أن يوافق البخاريّ في الرقم (1) كما أقول لك.. وليس هذا استخراجًا..
ثم إنه لمح صنيع البخاري في الرقم (2) فخالفه في اجتهاده، فزاد عنه ونقص، وبيّن هذا في كتابه وعلّله، لكن بطريقة عبقريّة.
[ويصح أن تقول: كان له رأيه في قضايا الخلاف الحديثي بين النقاد، فأدلى بدلوه كما فعل البخاري، وهي الروايات التي في رقم (2)].
وهو بذلك يستكمل بناء الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أما من أراد أن يصنّف ممن جاء بعد صاحبي الصحيحين من الأئمة المجتهدين النقّاد، فلا بدّ أنه أراد أن يضيف شيئًا بتصنيفه، بعد استكمال بناء الصحيح بكتاب مسلم.
لكن لم يكن يسع الواحد منهم إلا أن يضمّن كتابه قدرًا يزيد أو ينقص من الروايات الشائعة عند النقاد الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن استوى علم العلل على ساق، وهي الروايات التي في الرقم (1).
ثم هو بعد ذلك يبحث لنفسه عن مزيّة لكتابه، فيجعها في روايات كتابه (رقم 2).
فالترمذيّ بنى كتابه على ما عليه العمل، فتوسّع، فأورد فيه الصحيح، وغيره، مما يعرف هو ضعفه، لكنّه غير مطّرح من جهة المتن، وإلا فقد روى عن الضعفاء، والضعفاء جدًّا.
وأبو داود أيضًا قريب منه، إلا أن طريقته في إيراد الضعيف في الباب هي طريقة شيخه أحمد، لا سيّما في الأحاديث الأفراد في الباب.
وهكذا ، حتى اكتمل البناء التصنيفي بكتاب النسائي أبي عبد الرحمن ، الذي اعتنى بالتعليل، مع لمح المعمول به أيضًا، وكتابه السنن الكبير عظيم في هذا الجانب، مغفول عنه.
وكل من جاء بعد القرن الثالث، فلا شكّ أنه أراد أن يجد له مكانا في سلك المصنّفين مع صنع مزيّة لكتابه، فإما أن يتساهل في الشرط، لمكان الضعف في معرفة العلل غالبا.
وإما أن يجمع الروايات التي تنكّب عنها أئمة القرون الثلاثة وتركوها متعمّدين، كما فعل الطبراني في معاجمه، فإنه قصد إلى الأفراد التي لا يرفع بها أحد رأسًا.
لذلك كانت النتيجة الحتميّة لمن تأمّل في تاريخ التصنيف في السنّة، أن يجزم أنه لا يمكن أن يتفرّد أحد بعد استواء التصنيف الحديثي بنهاية القرن الثالث بحديث واحد صحيح محتاج إليه في الأحكام مرفوعًا، فإما أن يكون مسبوقا بالمتن فيسوقه بإسناده، أو يكون الحديث معلولا قد تنكّب عنه الأئمّة.
بل هذا واقع لبعض من صنّف ممن عاش في أواخر القرن الثالث.
أما بخصوص الشقّ الثاني من السؤال:
فنعم لم يقصد مسلم البخاريَّ في مقدّمة صحيحه، وليس هناك دليل على ذلك أبدًا، ولا هو جار مع ما عرف من تعظيم مسلم للبخاريّ، بغض النظر هل أراد بذلك أبا حاتم أو غيره.
والله أعلم.
————
تم تحرير هذا الجواب في 8 يوليو 2016
فأعدت نشره اليوم بتعديل يسير في الصياغة، وإضافة ما بين المعقوفين: لمناسبة قراءتي لنفي بعض المشايخ أن يكون كل ما خرج عن الكتب التسعة ضعيفا.
وكون الخارج عنها ضعيفا هو كلام بعض الأئمة، كابن رجب رحمه الله.
ومراده ما كان بالشروط المذكورة في الجواب السابق إن شاء الله.
والله أعلم.
هل أنت مع من يقول إن مسلما سبق البخاري في تصنيف الصحيح، وإن من ردَّ عليه في مقدمة الصحيح هو أبو حاتم؟
ج/
الحمد لله وحده.
لا يصح أن يقول أحد إن مسلما سبق البخاري في وضع الصحيح.
فالبخاري عرض كتابه على علي بن المديني سنة نيف وثلاثين ومائتين، لما كان مسلم ما زال في مرحلة جمع أصوله التي انتقى منها بعد ذلك مرويات صحيحه.
وهل قال بذلك كبير أحد؟!
بل؛ ذكرت سابقا أن مسلما قد صنّف الصحيح وهو يلمَح كتاب البخاريّ، وليس معنى هذا أنه أخذ كتاب البخاري فاستخرج عليه وزاد، كما يقوله الدارقطني أو غيره، هذا غير صحيح عندي.
لكن البخاريّ فعل أمرين اثنين بتصنيفه الصحيح:
1- جمع أكثر الروايات التي اتفق أهل الصنعة على ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2- انتقى من الروايات التي يقع الخلاف بين الأئمّة في ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا قد اتفقوا على العمل بقتضاها، أو سواغ الخلاف في العمل بمقتضاها.
هذا من حيث الأصل، ثم قد يقع النظر في بعض ذلك.
فلو أراد أيّ واحد من هؤلاء النقاد الأئمة، أن يصنف مثل البخاري، أعني مَن هم من طبقة البخاري:
فلم يكن يسعه إلا أن يضمّن كتابه الروايات التي في الرقم (1).
ثم لكلّ إمام نظر مختلف في الروايات التي في الرقم (2).
فلما أراد مسلم أن يضع كتابه الصحيح، لم يسعه إلا أن يوافق البخاريّ في الرقم (1) كما أقول لك.. وليس هذا استخراجًا..
ثم إنه لمح صنيع البخاري في الرقم (2) فخالفه في اجتهاده، فزاد عنه ونقص، وبيّن هذا في كتابه وعلّله، لكن بطريقة عبقريّة.
[ويصح أن تقول: كان له رأيه في قضايا الخلاف الحديثي بين النقاد، فأدلى بدلوه كما فعل البخاري، وهي الروايات التي في رقم (2)].
وهو بذلك يستكمل بناء الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أما من أراد أن يصنّف ممن جاء بعد صاحبي الصحيحين من الأئمة المجتهدين النقّاد، فلا بدّ أنه أراد أن يضيف شيئًا بتصنيفه، بعد استكمال بناء الصحيح بكتاب مسلم.
لكن لم يكن يسع الواحد منهم إلا أن يضمّن كتابه قدرًا يزيد أو ينقص من الروايات الشائعة عند النقاد الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن استوى علم العلل على ساق، وهي الروايات التي في الرقم (1).
ثم هو بعد ذلك يبحث لنفسه عن مزيّة لكتابه، فيجعها في روايات كتابه (رقم 2).
فالترمذيّ بنى كتابه على ما عليه العمل، فتوسّع، فأورد فيه الصحيح، وغيره، مما يعرف هو ضعفه، لكنّه غير مطّرح من جهة المتن، وإلا فقد روى عن الضعفاء، والضعفاء جدًّا.
وأبو داود أيضًا قريب منه، إلا أن طريقته في إيراد الضعيف في الباب هي طريقة شيخه أحمد، لا سيّما في الأحاديث الأفراد في الباب.
وهكذا ، حتى اكتمل البناء التصنيفي بكتاب النسائي أبي عبد الرحمن ، الذي اعتنى بالتعليل، مع لمح المعمول به أيضًا، وكتابه السنن الكبير عظيم في هذا الجانب، مغفول عنه.
وكل من جاء بعد القرن الثالث، فلا شكّ أنه أراد أن يجد له مكانا في سلك المصنّفين مع صنع مزيّة لكتابه، فإما أن يتساهل في الشرط، لمكان الضعف في معرفة العلل غالبا.
وإما أن يجمع الروايات التي تنكّب عنها أئمة القرون الثلاثة وتركوها متعمّدين، كما فعل الطبراني في معاجمه، فإنه قصد إلى الأفراد التي لا يرفع بها أحد رأسًا.
لذلك كانت النتيجة الحتميّة لمن تأمّل في تاريخ التصنيف في السنّة، أن يجزم أنه لا يمكن أن يتفرّد أحد بعد استواء التصنيف الحديثي بنهاية القرن الثالث بحديث واحد صحيح محتاج إليه في الأحكام مرفوعًا، فإما أن يكون مسبوقا بالمتن فيسوقه بإسناده، أو يكون الحديث معلولا قد تنكّب عنه الأئمّة.
بل هذا واقع لبعض من صنّف ممن عاش في أواخر القرن الثالث.
أما بخصوص الشقّ الثاني من السؤال:
فنعم لم يقصد مسلم البخاريَّ في مقدّمة صحيحه، وليس هناك دليل على ذلك أبدًا، ولا هو جار مع ما عرف من تعظيم مسلم للبخاريّ، بغض النظر هل أراد بذلك أبا حاتم أو غيره.
والله أعلم.
————
تم تحرير هذا الجواب في 8 يوليو 2016
فأعدت نشره اليوم بتعديل يسير في الصياغة، وإضافة ما بين المعقوفين: لمناسبة قراءتي لنفي بعض المشايخ أن يكون كل ما خرج عن الكتب التسعة ضعيفا.
وكون الخارج عنها ضعيفا هو كلام بعض الأئمة، كابن رجب رحمه الله.
ومراده ما كان بالشروط المذكورة في الجواب السابق إن شاء الله.
والله أعلم.