قال الإمامُ أبو الوفاءِ عليُّ بنُ عَقِيلٍ الحنبليُّ في الفُنونِ: "من عجيبِ ما نقدتُ أحوالَ النَّاسِ كَثرةُ ما ناحُوا على خرابِ الدِّيارِ، وموتِ الأقاربِ والأسلافِ، والتَّحسُّرِ على قِلَّةِ الأرزاقِ بذمِّ الزَّمانِ وأهلِه، وذِكرِ نَكَدِ العيشِ فيه، وقد رَأَوْا من انهِدامِ الإسلامِ، وشَعَثِ الأديانِ، وموتِ السُّنَنِ، وظُهورِ البِدَعِ، وارتِكابِ المعاصي، وتَقَضِّي العُمرِ في الفارغِ الذي لا يُجدِي، فلا أحدٌ منهم ناح على دِينِه، ولا بكى على فارطِ عُمرِه، ولا تأسَّى على فائتِ دهرِه،
ولا أرى لذلك سببًا إلَّا قِلَّةَ مُبالَاتِهم بالأديانِ، وعِظَمَ الدُّنيا في عُيونِهم، ضدُّ ما كان عليه السَّلَفُ الصَّالِحُ: يَرضَونَ بالبلاغِ، وينوحونَ على الدِّينِ".
نَقَلَه عنه ابنُ مُفلِحٍ المقدسيُّ في الآدابِ الشَّرعيَّةِ والمِنَحِ المَرعيَّةِ ( ٢ / ٢٣٤ ).
إيهٍ يا ابنَ عقيلٍ! كيف لو رأيتَ حالَنا وقد وَهِيَ الإسلامُ، وهُجِرَتِ السُّنَنُ واندَرَسَتْ؟! ولا باكٍ لذلك ولا نائحٌ! وانكِبابَنا على المعاصي والشَّهواتِ، وتمَسُّكَنا بالدُّنيا وزخارفِها، وهُجومَ الأوبئةِ كجارفِ السَّيلِ نذيرًا لنا؟! ولا مُتَّعِظٌ لذلك ولا مُدَّكِرٌ!
يا ربِّ! ارْحَمْ حالَنا وتقصيرَنا، واغْفِرْ لنا إنَّا هُدنا إليكَ، وتلَطَّفْ بنا، وارْفَعْ عنَّا البلاءَ والوباءَ، ونَجِّنا بمنِّكَ وكرَمِكَ، ورُدَّنا إلى دِينِكَ ردًّا جميلًا يا ذا الجلالِ والإكرامِ . . .