،" في السّاعه الواحده ظهراً ، العاشر من نوفمبـر "
كانت والدتي مستلقيه على الأريكه مُتعبه ، كانت تعاني من الزهايمـر وارتفاع في الضغط والسّكر ، احياناً لا تتذكرني وأحياناً يأخدها عقلها الى جيل قديم لم اكن فيه ، لم اعتد اتحمل تلك المسؤوليه وحدي فقررت الزواج بـِ ابنة جاري لتساعدني في اتمام امور والدتي من مأكلٍ ومشرب وملبس ، تجوزت ويومًا بعد يوم يزداد الأمر سوءً ! والدتي لم تعد بعقلها التّام ، ولا تتذكر زوجتي وأحياناً تراودها بجملـة ( من انتِ ؟)
زوجتي لم تعد تتحمل هذا الأمر فقالت لي بأنك عليك وضعها في دار العجزه ، هنالك سوف تتلقى الإهتمام المناسب ، وافقت وليتني في حينها رفضت ، ذهبت بها الى دار العجزه ، كانت عيناها مُمتلئه بالدموع وكنت منسدل بحرقه قلبي ، رميتُها ولم اعد اتسائل عنها ..
السادسة مساءاً " الخامس والعشرين من نوفمبر "
أجلس وسط مجموعة من الناس الذين يملكون نفس قصتي تقريباً ، نتشارك جميعنا في أن أبناءنا تخلوا عنا ، أملك أبن لا أذكر جيداً أسمه سأدونه لاحقاً ، نعم أعاني من الزهايمر وبعض الأمراض الجانبية السكر وأحياناً الضغط و القرحة ، عمري خمسٌ و سابعون عاماً ، ليس لأنني أذكره لا سألت الممرضة عليه الان .
من بين كل الأيام التي نسيتها و الذكريات والأشخاص ، لازلت أذكر ذلك اليوم أذكره جيداً وكأن الزهايمر غادرني يومها وأنا بكامل صحتي .
أبني يقود السيارة وينظر إلي خلسة وأحياناً نتبادل أطراف الحديث قبل أن أنسى من هو ، أبني علي غير عادته إلي أين يأخذني ، إلي أن وصلنا علمت بالأمر علمت من الأشخاص الذين قابلتهم ،مرّ شريط الذكريات في مخيلتي عادت جميعها ، أول خطوة له ، أول كلمة ماما سمعتها منه ، أول يوم مدرسة ، أول يوم جامعة عادت جميعها بكامل تفاصيلها نظرت إليها بثقل ، بثقل الذكريات والحنان الذي أعطيته له ، بثقل ألم ولادتي له وأنتظاري له خمس سنوات ، بثقل الحب الذي منحته أياه ، متاكدة بأنه كان يريدني أن أنساه حينها ليرتاح قليلاً .
لكني لم أنسى ، لم يتفوه بأي كلمة و لم أقل بدوري شيئاً فقط أستندت علي الممرضة ودخلت يوم يومان ثلاثة ثم لم أره أبداً .
لم يكن كافياً يابُني ، الحب ، الحنان ، الأمان ، وكل شيء ، ربما لم أخبرك أن الدنيا تدور يا بُني وأنك ستوضع يوماُ ما في نفس مكاني ، لم أعلمك الحب جيداً والصبر أيضاً كم عمرك الآن 35 أو أكثر حسناً هذا فترة صبري عليك وأنت لم تحتمل سنتان فقط .
لن أغضب عليك لا ، تبقى أبني وفلذة كبدي وجزء مني ، لكن خاب ظني بك ، أستندت علي وأنت صغير كنت أتمنى أن أجدك سنداً في كُبري ، لكن ما أن أستندت عليك سقطت أرضاً ولأنك الأقرب كانت الوقعة أشد ألماً .
محاسن حسن ، ريم الإدريسي