المكان، ومن غير أن نراها بدأنا نحك جلودنا).
لا شك أن السطور السابقة ماهي إلا لقطات صغيرة جدا بالمقارنة لكتاب يسرد كل شارد ة وواردة من يوميات شعب في زمن الجوع والمرض والظلم على يد مليك يدّعى أنه خلفية الله على الأرض، وأمير المؤمنين.
- الوجه الآخر
أما الآن فلنرى كيف يتقاسم (أمير المؤمنين) يحيى بن حميد الدين رغيف الخبر مع أبناء شعبه.. وأي تقوى كبحت جماح آل حميد الدين يوم صار زمام اليمن بأيديهم.
تروي لوسيل فيفريييه في مذكراتها كيف كان يتم عد أموال بيت المال، وقيمة النقد، حتى تصل إلى: (في كل مرة تمتلئ فيها غرفة بالأكياس النقدية حتى السقف يتم قفل بابها، والانتقال إلى أخرى) ثم تقص: (عندما وجد أحد الأمراء أن والده الإمام يحيى لا يعطيه مصروفاً كافياً، قام بحفر ثقب في أرضية غرفة تقع فوق أخرى مليئة بالريالات النمساوية، وكان بواسطة صنارة يسرق المبلغ الذي يريده).
أمير آخر يدعى سيف الإسلام قاسم كان متزوجا بإحدى بنات (راغب بيه) وزير الخارجية، كتبت مارسيل عن زوجته (ذات الأصل التركي) قائلة: (كانت الأميرة التركية تراقب زوجها عن كثب، وحين اكتشفت أنه كان يخونها، وضبطته يطارح عشيقته الغرام في إحدى أقبية القصر، جن جنونها، وطاردته في الممرات، وهي تتوعد بأن تضربه.. بالحذاء.. ولم ينج منها إلا بالاختباء بالحمام) وتعلق: (الإمام يحيى عاقب ولده بحرمانه من التنقل على الخيل، لأنه كان يحب زوجة ابنه كثيرا).
وتروي أيضاً: (لدى الأسرة الملكية حضيرة للحيوانات النادرة، وفي حديقة الإمام يحيى أسود، وكذلك عدد من المها)، وتضيف: (في عام 1947م كانت الأسرة الملكية وحدها من يمتلك بعض السيارات).
وبعد أن وصفت حياة نساء الريف اللائي يتناوبن على ثوب واحد، تحدثت مارسيل عن زيارتها لحريم الأسرة الملكية قائلة: (عند وصولنا كن جالسات على وسائد مرتبة حول الغرفة، وكانت النساء كبيرات السن يدخنَّ المداعة، ويبصقن بانتظام في متافل نحاسية مزخرفة بدقة، أما الأصغر سناً فكن يقضمن اللوز والسمسم، والذرة، وبزور القرع المحمص، إضافة إلى بعض الحلوى.. كن سعيدات جداً، ويضحكن من كل شيء ومن لا شيء، مثل نزيلات المقاهي الأوروبيات) وتضيف: (عرضنا عليهن سجائر، فقبلن وأشعلنها بسعادة غامرة).
- سُرّاق الشعوب.. أئمة
على مدى فصلين (العاشر والحادي عشر) ترجمت مارسيل فيفريية الهوية الحقيقية لنظام الإمامة في اليمن، من خلال استعراضها الدقيق للأحداث التي أعقبت اغتيال الإمام يحيى في 17 فبراير 1948م، فقد تابعت الأحداث بالساعات والدقائق حتى تصل بنا إلى مساء السبت 13 مارس 1948م الذي نجح فيه الإمام احمد بن يحيى وجنوده من اقتحام صنعاء.
تروي مارسيل: (في الساعة التاسعة من صباح الأحد بدأ رجال القبائل من جيش الإمام بنهب صنعاء مستخدمين الفؤوس في تحطيم الأبواب)، ثم تقول:(منزل السيد احمد المطاع الواقع أمام منزلنا، نهب: وسائده، سجاده، أطباقه، أبوابه، النوافذ، ولم يبق فيه شيء سوى الجدران).
وتصف حال الناس في ظل البطش الانتقامي: (رأينا نساءً، وأطفالا يخرجون مرعوبين، فتحنا لهم الباب وآويناهم)، وتضيف: (أتذكر رعب النساء المسكينات والأطفال، حين كان السُراق الذين أدخلهم ولي العهد ينزعون عنهن سلاسلهن المعلقة في صدورهن، وكادوا يجرحونهن.. أنهم بربريون حقيقيون)، وتستأنف: (رغم أن الإمام احمد وعد بعدم نهب قاع اليهود، وبير العزب، والأوربيون فيه، إلا أن جميع هذه الأماكن نُهبت، وتم قتل كل من حاول الدفاع عن بيته أو نسائه أو يمنع أعمال النهب.. حتى امتلأت الطرق، والمزارع، والسطوح بجثث القتلى، وكان بينهم كثير من النساء).
ثم تسرد الكاتبة قصصا مختلفة للأعمال الوحشية (البربرية) التي كما تقول (أطلق الإمام احمد والسادة المتنفذين أيدي رجالهم للقيام بها دون رأفة بصغير أو كبير، ولا برجل أو امراة.. حتى أصبح أهالي صنعاء في غضون إسبوع لا يمتلكون كسرة الخبز التي يُسكتون بها بكاء أطفالهم الجوعى..).
وهكذا آلت مقاليد حكم اليمن إلى أيدي من لا يخفون إلاً ولا ذمة في شعوبهم.. وأعلن احمد بن يحيى حميد الدين نفسه إماما على اليمن، ولقب نفسه ب(سيف الإسلام)، يحفه مئات اللصوص القتلة، ممن آلت إليهم مقادير إدارة شئون شعب اليمن المغلوب على أمره.
- عودة إلى اليمن الحديث
في أبريل 1981م عادت لوسيل فيفرييه إلى اليمن ثانية لزيارة قبر والدها المدفون قرب (حده)، فكان أول تعبيرها فيما رأت هو الدهشة: (يا إلهي! كم تطورت أحوال اليمن.. لم يعد في شوارع صنعاء أولئك السجناء البؤساء المكبلة أقدامهم بالسلاسل، ينظفون الطرقات بينما الجروح تنزف منها..).
وفي مقدمة كتابها تحدثت عن مخاض التفكير السابق لزيارتها اليمن، قائلة: (كنت أعلم أن اليمن قد تطور بفضل ما أتيح له من إمكانيات بعد عشرين عاما من حرب العصابات، وإن الجمهورية قد أُعلنت ، وأن رئيس اليمن يعمل على تشجيع مناخات السلام والاستقرار، وطالما رددت كلاما عن ماضي اليمن لا شعوريا، إلى درجة أن يصرخ أقاربي بوجهي "كفى أنت ويمنك).
ثم
لا شك أن السطور السابقة ماهي إلا لقطات صغيرة جدا بالمقارنة لكتاب يسرد كل شارد ة وواردة من يوميات شعب في زمن الجوع والمرض والظلم على يد مليك يدّعى أنه خلفية الله على الأرض، وأمير المؤمنين.
- الوجه الآخر
أما الآن فلنرى كيف يتقاسم (أمير المؤمنين) يحيى بن حميد الدين رغيف الخبر مع أبناء شعبه.. وأي تقوى كبحت جماح آل حميد الدين يوم صار زمام اليمن بأيديهم.
تروي لوسيل فيفريييه في مذكراتها كيف كان يتم عد أموال بيت المال، وقيمة النقد، حتى تصل إلى: (في كل مرة تمتلئ فيها غرفة بالأكياس النقدية حتى السقف يتم قفل بابها، والانتقال إلى أخرى) ثم تقص: (عندما وجد أحد الأمراء أن والده الإمام يحيى لا يعطيه مصروفاً كافياً، قام بحفر ثقب في أرضية غرفة تقع فوق أخرى مليئة بالريالات النمساوية، وكان بواسطة صنارة يسرق المبلغ الذي يريده).
أمير آخر يدعى سيف الإسلام قاسم كان متزوجا بإحدى بنات (راغب بيه) وزير الخارجية، كتبت مارسيل عن زوجته (ذات الأصل التركي) قائلة: (كانت الأميرة التركية تراقب زوجها عن كثب، وحين اكتشفت أنه كان يخونها، وضبطته يطارح عشيقته الغرام في إحدى أقبية القصر، جن جنونها، وطاردته في الممرات، وهي تتوعد بأن تضربه.. بالحذاء.. ولم ينج منها إلا بالاختباء بالحمام) وتعلق: (الإمام يحيى عاقب ولده بحرمانه من التنقل على الخيل، لأنه كان يحب زوجة ابنه كثيرا).
وتروي أيضاً: (لدى الأسرة الملكية حضيرة للحيوانات النادرة، وفي حديقة الإمام يحيى أسود، وكذلك عدد من المها)، وتضيف: (في عام 1947م كانت الأسرة الملكية وحدها من يمتلك بعض السيارات).
وبعد أن وصفت حياة نساء الريف اللائي يتناوبن على ثوب واحد، تحدثت مارسيل عن زيارتها لحريم الأسرة الملكية قائلة: (عند وصولنا كن جالسات على وسائد مرتبة حول الغرفة، وكانت النساء كبيرات السن يدخنَّ المداعة، ويبصقن بانتظام في متافل نحاسية مزخرفة بدقة، أما الأصغر سناً فكن يقضمن اللوز والسمسم، والذرة، وبزور القرع المحمص، إضافة إلى بعض الحلوى.. كن سعيدات جداً، ويضحكن من كل شيء ومن لا شيء، مثل نزيلات المقاهي الأوروبيات) وتضيف: (عرضنا عليهن سجائر، فقبلن وأشعلنها بسعادة غامرة).
- سُرّاق الشعوب.. أئمة
على مدى فصلين (العاشر والحادي عشر) ترجمت مارسيل فيفريية الهوية الحقيقية لنظام الإمامة في اليمن، من خلال استعراضها الدقيق للأحداث التي أعقبت اغتيال الإمام يحيى في 17 فبراير 1948م، فقد تابعت الأحداث بالساعات والدقائق حتى تصل بنا إلى مساء السبت 13 مارس 1948م الذي نجح فيه الإمام احمد بن يحيى وجنوده من اقتحام صنعاء.
تروي مارسيل: (في الساعة التاسعة من صباح الأحد بدأ رجال القبائل من جيش الإمام بنهب صنعاء مستخدمين الفؤوس في تحطيم الأبواب)، ثم تقول:(منزل السيد احمد المطاع الواقع أمام منزلنا، نهب: وسائده، سجاده، أطباقه، أبوابه، النوافذ، ولم يبق فيه شيء سوى الجدران).
وتصف حال الناس في ظل البطش الانتقامي: (رأينا نساءً، وأطفالا يخرجون مرعوبين، فتحنا لهم الباب وآويناهم)، وتضيف: (أتذكر رعب النساء المسكينات والأطفال، حين كان السُراق الذين أدخلهم ولي العهد ينزعون عنهن سلاسلهن المعلقة في صدورهن، وكادوا يجرحونهن.. أنهم بربريون حقيقيون)، وتستأنف: (رغم أن الإمام احمد وعد بعدم نهب قاع اليهود، وبير العزب، والأوربيون فيه، إلا أن جميع هذه الأماكن نُهبت، وتم قتل كل من حاول الدفاع عن بيته أو نسائه أو يمنع أعمال النهب.. حتى امتلأت الطرق، والمزارع، والسطوح بجثث القتلى، وكان بينهم كثير من النساء).
ثم تسرد الكاتبة قصصا مختلفة للأعمال الوحشية (البربرية) التي كما تقول (أطلق الإمام احمد والسادة المتنفذين أيدي رجالهم للقيام بها دون رأفة بصغير أو كبير، ولا برجل أو امراة.. حتى أصبح أهالي صنعاء في غضون إسبوع لا يمتلكون كسرة الخبز التي يُسكتون بها بكاء أطفالهم الجوعى..).
وهكذا آلت مقاليد حكم اليمن إلى أيدي من لا يخفون إلاً ولا ذمة في شعوبهم.. وأعلن احمد بن يحيى حميد الدين نفسه إماما على اليمن، ولقب نفسه ب(سيف الإسلام)، يحفه مئات اللصوص القتلة، ممن آلت إليهم مقادير إدارة شئون شعب اليمن المغلوب على أمره.
- عودة إلى اليمن الحديث
في أبريل 1981م عادت لوسيل فيفرييه إلى اليمن ثانية لزيارة قبر والدها المدفون قرب (حده)، فكان أول تعبيرها فيما رأت هو الدهشة: (يا إلهي! كم تطورت أحوال اليمن.. لم يعد في شوارع صنعاء أولئك السجناء البؤساء المكبلة أقدامهم بالسلاسل، ينظفون الطرقات بينما الجروح تنزف منها..).
وفي مقدمة كتابها تحدثت عن مخاض التفكير السابق لزيارتها اليمن، قائلة: (كنت أعلم أن اليمن قد تطور بفضل ما أتيح له من إمكانيات بعد عشرين عاما من حرب العصابات، وإن الجمهورية قد أُعلنت ، وأن رئيس اليمن يعمل على تشجيع مناخات السلام والاستقرار، وطالما رددت كلاما عن ماضي اليمن لا شعوريا، إلى درجة أن يصرخ أقاربي بوجهي "كفى أنت ويمنك).
ثم