عندما تقرّر الوداع وترسل رسالة لصديق ولا يهتم بالرّد لفراقك لا تظنن بأنه يهملك، بل تأكّد أنه يلوذ بنفسه الآن ويخلو للبكاء على فراقك، لكنه لا يحبّ أن ينغّص عليك رحيلك. تأكّد أن الأكثر صمتًا هو الأكثر تألمًا لغيابك. قد يجلس معك ساعات ولا يقوى على البوح والتعبير أنه لن يحتمل غيابك، لكنه لن يستطيع أن يخفي كلام عينيه..
ما لا يظهر للعلن هو الأكثر ثمنًا.
وتأتي لحظة الوداع لتدفع بحبيبك أن يغدق عليك بأجود ما لديه كتذكار، أو تطييب خاطر، أو ليبقى شيء منه معك، فيحمّلك إياه.
عندما كنت طفلة كانت جدّتي (رحمها الله وأكرم مثواها) تمنعنا من قطف زهرة "الجيرانيوم" التي كانت تستقبلنا (في تنكة السمن النباتي) عند باب دارها لدى وصولنا، ولكن ما إن تنتهي أيام الضيافة ونجلس في السيارة للعودة إلى ديارنا حتى تغافلنا لحظة وتذهب ثم تأتي وبيدها لكل منّا كل الزهور التي أزهرت في فترة مكوثنا، كانت تقدمها مبتلّة، وعندما يتغيّر صوت جدّتي ويتحشرج وهي تودعنا نرفع رأسنا وننظر في عينيها فنرى مصدر بلل الورود فتتملّكنا الغصّة.
وهكذا كان حين أنزل بضيافة بيت جدي وأمكث عندهم أيامًا. كنت كلما قلت عن شيء أنه جميل يصبح بمحفظتي! ذلك أنه بحسب قوانين ضيافتهم، طالما أنا ضيفة بدارهم كل شيء جميل بنظري يغدو ملكًا لي!
أيها الودود! ها قد انتهت مدّة استضافتك لنا!
لا أظن حنان جدتي الغزير يقارن بنظر رحيمة منك، لا أظنها أجود منك،
ولا أظن "التفاصيل" الجميلة من بيت جدي التي كانت تضعها خالتي في حقيبتي تقارن بتلك "التفاصيل" التي لديك!
ها أنا قد أمسكت حقيبتي وبدأت أشمّ رائحة جيرانيوم، لن أسألك من جمالك بأجمله:
"فكل جمالك جميل!"
في وداع شهر الله الحبيب
بتول زين الدين
ما لا يظهر للعلن هو الأكثر ثمنًا.
وتأتي لحظة الوداع لتدفع بحبيبك أن يغدق عليك بأجود ما لديه كتذكار، أو تطييب خاطر، أو ليبقى شيء منه معك، فيحمّلك إياه.
عندما كنت طفلة كانت جدّتي (رحمها الله وأكرم مثواها) تمنعنا من قطف زهرة "الجيرانيوم" التي كانت تستقبلنا (في تنكة السمن النباتي) عند باب دارها لدى وصولنا، ولكن ما إن تنتهي أيام الضيافة ونجلس في السيارة للعودة إلى ديارنا حتى تغافلنا لحظة وتذهب ثم تأتي وبيدها لكل منّا كل الزهور التي أزهرت في فترة مكوثنا، كانت تقدمها مبتلّة، وعندما يتغيّر صوت جدّتي ويتحشرج وهي تودعنا نرفع رأسنا وننظر في عينيها فنرى مصدر بلل الورود فتتملّكنا الغصّة.
وهكذا كان حين أنزل بضيافة بيت جدي وأمكث عندهم أيامًا. كنت كلما قلت عن شيء أنه جميل يصبح بمحفظتي! ذلك أنه بحسب قوانين ضيافتهم، طالما أنا ضيفة بدارهم كل شيء جميل بنظري يغدو ملكًا لي!
أيها الودود! ها قد انتهت مدّة استضافتك لنا!
لا أظن حنان جدتي الغزير يقارن بنظر رحيمة منك، لا أظنها أجود منك،
ولا أظن "التفاصيل" الجميلة من بيت جدي التي كانت تضعها خالتي في حقيبتي تقارن بتلك "التفاصيل" التي لديك!
ها أنا قد أمسكت حقيبتي وبدأت أشمّ رائحة جيرانيوم، لن أسألك من جمالك بأجمله:
"فكل جمالك جميل!"
في وداع شهر الله الحبيب
بتول زين الدين