" الوفاء للقدس والمرابطين بأكنافها "
بين الفينة والفينة يُطالعنا المداخلة والجامية بشنشنة أخزم، وجعجعة أثرم، وعَروضٍ أخرم، بدعوى لا مقاومة وأن الدماء تُسفك دون طائل، ونحو هذا مما ظاهره الحق أريدَ به باطل.!
وما بالقوم إلا العُجر والبُجر الذي يدفعهم إلى الخطبة بالحرم النبوي عن برد الشتاء والاستدفاء بغليان الأمة على القدس، وهم يعلمون أن الناس يعلمون أنـهم على باطل، وإنما هم كالحوت يظمأ وهو في البحر على حد قول القائل:
كالحوتِ لا يُرويه شيءٌ يَلْهَمُهْ ... يُصبِحُ ظَمْآنَ وفي البحرِ فَمُهْ
ولا عجب فإمامهم بالحرم يعتقد أن أمريكا تقود العالم للسلام، وقرار ترمب هذا أول ما يصدّق هذيانه البارد، وليس مع القوم غير أصلين فاسدين في تقرير مذهبهم هذا الداعي إلى ترك المقاومة بدعوى عصمة الدماء، أحدهما: مولاة الطغاة وطلب رضاهم، وثانيهما: بغض بعض الجماعات الإسلامية، ومن عجب دعوى عصمة دماء الفلسطينيين في مقابلة سفك دماء اليمنيين.!
والواقع أن هذا المذهب الرديء مخالف للشرع والعقل والواقع والفطرة والضرورة والعرف والمصلحة وعمل المسلمين، وليس معهم عليه شبه دليل لا من كتاب ولا من سنة ولا من قياس ولا من قول صاحب ولا من اعتبار ولا من نظر، وليس معهم سوى ما ذكرناه من هذين الأصلين الفاسدين.
وبعضهم يتعلق بفتيا الونشريسي في الأندلس وفتيا الألباني المعروفة، وكلاهما تعلق باطل كريح في قفص، أما فتيا الألباني فإنـها خاصة بالشخص فلا تعم كما تقرر في الأصول، وأما فتيا الونشريسي فإن الأندلس قد قاتل أهلها حتى آخر رجل، ولـما استيقن أهلها أنه لم يعد لهم بـها قرار بتغلب الكفار على عامة بلادهم، تركوا القتال لا فراراً منه ولا إبطالاً للجهاد كما يقوله الجامية، لكنهم انحازوا إلى فئة المسلمين بالمغرب ومصر، وأين للفلسطينيين من فئة ينحازون إليها اليوم.!؟
على أن الأندلس قد تغلب عليها الكفار بالكلية، فكانوا يصبحونـهم بالمباغتة فيمعنون فيهم قتلاً، وقد ذكر القرطبي أن والده ممن باغتهم العدو فأغار عليهم صبيحة الثالث من رمضان المعظم سنة سبع وعشرين وستمائة، والناسُ في أجرانـهم على غفلة فقتل وأسر، قال: وكان من جملة من قُتل والدي رحمه الله، فسألتُ شيخنا المقرئ الأُستاذ أبا جعفر أحمد المعروف بأبي حِجَّة فقال: غسّله وصلّ عليه فإن أباك لم يُقتل في الـمُعترك بين الصفين، ثم سألتُ شيخنا ربيع بن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع بن أُبيّ فقال: إن حكمه حكم القتلى في الـمـُعتركِ، ثم سألتُ قاضي الجماعة أبا الحسن عليّ بن قَطْرال وحوله جماعة من الفقهاء فقالوا: غسِّله وكفّنه وصلِّ عليه، ففعلتُ، ثم بعد ذلك وقفتُ على المسألة في (التبصرة) لأبي الحسن اللخمي وغيرها، ولو كان ذلك قبل ذلك ما غسَّلته، وكنتُ دفنتُهُ بدمه في ثيابه.
وأيضاً فإن مقارنة القدس بالأندلس غير متعقلة أصلاً، لما في القدس من القدسية والبركة كالحرمين الشريفين تفنى دونـها النفوس والنسم، فكيف والمسلمون بـها متوافرون ولهم دولة وصولة ومقاومة لا تريد منهم سوى الدعم المادي، وإن كان جمهور المسلمين يفتدون القدس بأرواحهم.
ومن عجب تعلقهم بحديث حرمة دم المسلم وأنه أعظم حرمة من الكعبة المشرفة، مع أن معناه عند أهل العلم في سفك الدم الحرام في غير حله، وقتل النفس التي حرم الله بغير حق، وهذا خارج أصلاً عن محل البحث، فكيف وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن من قُتل دون أرضه وعرضه وماله فهو شهيد، فمن قُتل دون بيوت الله ومحارمه أولى، فإنه من تعظيم شعائر الله وحرماته التي هي من تقوى القلوب، وخير عند علام الغيوب، وهذا عام في كل قتال سواء كان العدو أكثر عدة ومنعة أم لا، وقد قال الله: (وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله).!
ومن هنا كانت مقالة الجامية هذه مبطلة لمعنى الجهاد في سبيل الله ومقاصده، فإن الجهاد قد عُلم أن فيه من المفاسد مثل إتلاف النفوس والأموال ما هو ظاهر، لكنّ الشارعَ اغتفر هذه المفاسد في جنب مصلحة إعلاء كلمة الله وحماية بيضة الإسلام.
وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام كما في (الصحيح) أنه لا يزال يقاتل قريشاً حتى تنفرد سالفته، وهي صفحة العنق، وأخبر الصديق الأكبر رضوان الله عليه أنه يقاتل أهل الردة حتى لو جرت الكلاب بأذيال نساء المدينة.
وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في (السنن) لأبي داود وحسّنه الألباني عن أبي بكرة أن رسولَ الله صلى اللهُ عليه وآله وسلم قال: (ينزل ناسٌ من أُمتي بغائط يسمّونه البصرة، عند نـهر يقال له: دجلة، يكون عليه جسر، يكثر أهلها، وتكون من أمصار المهاجرين، فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عِراضُ الوجوه، صغارُ الأعين، حتى ينزلوا على شطّ النهر، فيتفرّق أهلها ثلاثَ فرق: فرقة يأخذون أذنابَ البقر والبرية وهلكوا، وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا، وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم، ويقاتلونـهم وهم الشهداء).
وإنما أخبر بـهلاك الفرقة الأولى وكفر الثانية، لأن الأولى لم تنكر القتال بل فروا طلباً للنجاة وخوفاً على أنفسهم وأمو
بين الفينة والفينة يُطالعنا المداخلة والجامية بشنشنة أخزم، وجعجعة أثرم، وعَروضٍ أخرم، بدعوى لا مقاومة وأن الدماء تُسفك دون طائل، ونحو هذا مما ظاهره الحق أريدَ به باطل.!
وما بالقوم إلا العُجر والبُجر الذي يدفعهم إلى الخطبة بالحرم النبوي عن برد الشتاء والاستدفاء بغليان الأمة على القدس، وهم يعلمون أن الناس يعلمون أنـهم على باطل، وإنما هم كالحوت يظمأ وهو في البحر على حد قول القائل:
كالحوتِ لا يُرويه شيءٌ يَلْهَمُهْ ... يُصبِحُ ظَمْآنَ وفي البحرِ فَمُهْ
ولا عجب فإمامهم بالحرم يعتقد أن أمريكا تقود العالم للسلام، وقرار ترمب هذا أول ما يصدّق هذيانه البارد، وليس مع القوم غير أصلين فاسدين في تقرير مذهبهم هذا الداعي إلى ترك المقاومة بدعوى عصمة الدماء، أحدهما: مولاة الطغاة وطلب رضاهم، وثانيهما: بغض بعض الجماعات الإسلامية، ومن عجب دعوى عصمة دماء الفلسطينيين في مقابلة سفك دماء اليمنيين.!
والواقع أن هذا المذهب الرديء مخالف للشرع والعقل والواقع والفطرة والضرورة والعرف والمصلحة وعمل المسلمين، وليس معهم عليه شبه دليل لا من كتاب ولا من سنة ولا من قياس ولا من قول صاحب ولا من اعتبار ولا من نظر، وليس معهم سوى ما ذكرناه من هذين الأصلين الفاسدين.
وبعضهم يتعلق بفتيا الونشريسي في الأندلس وفتيا الألباني المعروفة، وكلاهما تعلق باطل كريح في قفص، أما فتيا الألباني فإنـها خاصة بالشخص فلا تعم كما تقرر في الأصول، وأما فتيا الونشريسي فإن الأندلس قد قاتل أهلها حتى آخر رجل، ولـما استيقن أهلها أنه لم يعد لهم بـها قرار بتغلب الكفار على عامة بلادهم، تركوا القتال لا فراراً منه ولا إبطالاً للجهاد كما يقوله الجامية، لكنهم انحازوا إلى فئة المسلمين بالمغرب ومصر، وأين للفلسطينيين من فئة ينحازون إليها اليوم.!؟
على أن الأندلس قد تغلب عليها الكفار بالكلية، فكانوا يصبحونـهم بالمباغتة فيمعنون فيهم قتلاً، وقد ذكر القرطبي أن والده ممن باغتهم العدو فأغار عليهم صبيحة الثالث من رمضان المعظم سنة سبع وعشرين وستمائة، والناسُ في أجرانـهم على غفلة فقتل وأسر، قال: وكان من جملة من قُتل والدي رحمه الله، فسألتُ شيخنا المقرئ الأُستاذ أبا جعفر أحمد المعروف بأبي حِجَّة فقال: غسّله وصلّ عليه فإن أباك لم يُقتل في الـمُعترك بين الصفين، ثم سألتُ شيخنا ربيع بن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع بن أُبيّ فقال: إن حكمه حكم القتلى في الـمـُعتركِ، ثم سألتُ قاضي الجماعة أبا الحسن عليّ بن قَطْرال وحوله جماعة من الفقهاء فقالوا: غسِّله وكفّنه وصلِّ عليه، ففعلتُ، ثم بعد ذلك وقفتُ على المسألة في (التبصرة) لأبي الحسن اللخمي وغيرها، ولو كان ذلك قبل ذلك ما غسَّلته، وكنتُ دفنتُهُ بدمه في ثيابه.
وأيضاً فإن مقارنة القدس بالأندلس غير متعقلة أصلاً، لما في القدس من القدسية والبركة كالحرمين الشريفين تفنى دونـها النفوس والنسم، فكيف والمسلمون بـها متوافرون ولهم دولة وصولة ومقاومة لا تريد منهم سوى الدعم المادي، وإن كان جمهور المسلمين يفتدون القدس بأرواحهم.
ومن عجب تعلقهم بحديث حرمة دم المسلم وأنه أعظم حرمة من الكعبة المشرفة، مع أن معناه عند أهل العلم في سفك الدم الحرام في غير حله، وقتل النفس التي حرم الله بغير حق، وهذا خارج أصلاً عن محل البحث، فكيف وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن من قُتل دون أرضه وعرضه وماله فهو شهيد، فمن قُتل دون بيوت الله ومحارمه أولى، فإنه من تعظيم شعائر الله وحرماته التي هي من تقوى القلوب، وخير عند علام الغيوب، وهذا عام في كل قتال سواء كان العدو أكثر عدة ومنعة أم لا، وقد قال الله: (وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله).!
ومن هنا كانت مقالة الجامية هذه مبطلة لمعنى الجهاد في سبيل الله ومقاصده، فإن الجهاد قد عُلم أن فيه من المفاسد مثل إتلاف النفوس والأموال ما هو ظاهر، لكنّ الشارعَ اغتفر هذه المفاسد في جنب مصلحة إعلاء كلمة الله وحماية بيضة الإسلام.
وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام كما في (الصحيح) أنه لا يزال يقاتل قريشاً حتى تنفرد سالفته، وهي صفحة العنق، وأخبر الصديق الأكبر رضوان الله عليه أنه يقاتل أهل الردة حتى لو جرت الكلاب بأذيال نساء المدينة.
وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في (السنن) لأبي داود وحسّنه الألباني عن أبي بكرة أن رسولَ الله صلى اللهُ عليه وآله وسلم قال: (ينزل ناسٌ من أُمتي بغائط يسمّونه البصرة، عند نـهر يقال له: دجلة، يكون عليه جسر، يكثر أهلها، وتكون من أمصار المهاجرين، فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عِراضُ الوجوه، صغارُ الأعين، حتى ينزلوا على شطّ النهر، فيتفرّق أهلها ثلاثَ فرق: فرقة يأخذون أذنابَ البقر والبرية وهلكوا، وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا، وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم، ويقاتلونـهم وهم الشهداء).
وإنما أخبر بـهلاك الفرقة الأولى وكفر الثانية، لأن الأولى لم تنكر القتال بل فروا طلباً للنجاة وخوفاً على أنفسهم وأمو