عَطَّاريَّات?

وقال: ألا تستترين؟

قالت: آهٍ، ما عساي أقول، وقد أصبح لِبْسُ ما يُظهِرُ ولا يُخفي من أصلِ نفسي، بعدَ أن تَمرَّسْتُ فيهِ زمنًا طويلًا؟

قال: فإنْ لم تُشفِقي على الناظرين إلى جمالِ جسدِك مع امتناعِهم لَمْسَهُ فأشْفِقي على جسدِكِ من البردِ وما يَتبعُه من أمراضٍ تُوهِي العظامَ وتُذبِلُ اللحم!!

قالت: وما عساي أقولُ غيرَ أنّ الكرمَ مُتأصِّلٌ فيَّ، فأُريكم كرمًا وأكتمُ عذرًا، وإنّي أعدُّ ما ترون من جسدي زكاةً، فزكاةُ المال تَجِبُ بإعطاءِ المال للفقراء، وزكاةُ الجمال تَجِبُ بكشفِ الجمالِ للأغنياء والفقراءِ.
أفَرَأيتَ كيفَ أنّ زكاتي أعمُّ وأكبر؟
فزكاةُ المالِ لا تجوزُ إلا على الفقير، وزكاةُ الجمال تجوزُ على الغنيّ والفقيرِ.

قال: سبحانَ الله! كأنّ الخمسَ التي يُبنى عليها دينُكِ غيرَ الخمس التي أعرفها، فعَدِّديها لعلّي آخذُ قبسًا من فضولِ نارِ علمِكِ، ولعلّي أُحَصِّلُ واديًا من جحيمِ أفكاركِ المشتعلة.

قالت: حُبًّا وكرامةً، فاسمع، شهادةُ الجمال لي واجبة، وصلاتي إذا كنت قد طليتُ أظافري جائزة، وزكاتي كما علمت بلغت نِصابَها وفاضت حتى أصبحت صدقة، وصومي هو صوم اللسان عن الكلام الحرام فإنْ فعلتُ حُلِّلَ ليَ الشرابُ والطعام، وأمّا الأخيرةُ فهي الوصول إليّ، ولِأنّي لستُ كباقي الفتيات فلا سبيل إليَّ، إنّما هي أَمانٍ يُمنّونَ أنفسَهم بها.

قال: تاللهِ ما عدوتِ الحقَّ في ميزان الباطلِ، فإنّك سيدةُ الثقلين فيما ذكرتِ ولا يغلِبُكِ في ذلك أحدٌ حتى إبليس.

فلم تفهم ما رمى إليه، وقالت: بمثل هذا فليَمدَحنا مَن أراد وِصالنا.
انتهى.

محمد عطار.

قالت ماريَّةُ: وأبيكِ يا أرمانوسةُ، إنّ هذا لعجيب! فقد مات سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم من الفلاسفة الحكماء، وما استطاعوا أن يُؤدِّبوا بحكمتهم وفلسفتهم إلا الكتب التي كتبوها.
فلم يُخرِجوا للدنيا جماعةً تامّةَ الإنسانيّة، فضلًا عن أمةٍ كما وصفتِ أنتِ من أمر المسلمين، فكيف استطاعَ نبيُّهم أن يُخرِجَ هذه الأمةَ وهم يقولون إنّه كان أميًّا؟
أفَتَسْخَرُ الحقيقةُ من كبار الفلاسفة والحكماء وأهل السياسة والتدبير، فتدعُهم يعملون عبثًا أو كالعبث، ثمّ تستسلم للرجل الأمّيِّ الذي لم يكتب ولم يقرأ ولم يدرس ولم يتعلم؟

الرافعي، وحي القلم ج١ (اليمامتان).

حَسَدُوا الفتى إذْ لمْ ينالوا سَعيَهُ
فالقومُ أعداءٌ لهُ و خُصُومُ

كَضَرائرِ الحسناءِ قُلْنَ لوجهها
حَسَدًا وبُغضًا: إنّهُ لدميمُ

أبو الأسود الدؤلي.

لا يموتُ صاحبُ عزمٍ إلّا إحدى ميتَتَين:
إمّا أن يموتَ موتَ شِدَّةٍ في سبيل ما عزم عليه، أو أنْ يموتَ موتَ رخاءٍ بعد إنهاء ما عزم عليه.
وما سوى هاتين المِيْتَتَين حرامٌ بإجماعِ أصحابِ الهِمَمِ.

محمد عطار.

وربّما عابوا السُمُوَّ الأدبيّ بأنّه قليل، ولكنّ الخير كذلك، وبأنّه مخالَفٌ، ولكنّ الحقّ كذلك، وبأنّه محيّرٌ، ولكنّ الحُسنَ كذلك.

من مقدمة وحي القلم للرافعي.

لقاءُ الإخوانِ جلاءُ الأحزانِ.

عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ما للعين لا تنتهي؟!
ليت أمَّ عمر لم تلد عمر.

ولو علمَ الناسُ ما يُقاسيه الناسُ لَما فاتحَ أحدٌ أحدًا بأيّ كلامٍ، لكنّ سِرَّ التعايشِ الجهلُ.

محمد عطار.

والهُمومُ إذا لم تجِد صاحبًا يُخَفِّفُ من آلامها، والزفراتُ إن لم تُصادف مواسيًا يُبرِّدُ من حرِّها، فأنّى لصاحب هذه الهمومِ والزفرات أن يتحمّل؟
وأنّى للتَجَمُّلِ والهدوء أن يجدَ وسيلةً إلى القلب؟
لا بدَّ للأفراح لكي تُصبِح مشرقة، ولا بدّ للأحزان لكي تكونَ متحمَّلة من صاحب وشريك فيهما.
وإلّا فما أحرى بالهموم التي تُحيط بها الوحشة والانفراد أن تُصبح سببًا للاهتياج والجنون!!

من كتاب (مَمُو زَيْن)، مقطع: في محراب الأحزان.

العُجبُ آفَّةُ العقل، واللجاجةُ قُعودُ الهوى، والبخلُ لقاح الحرص، والمراء فساد اللسان، والحميَّة سببُ الجهل، والأَنَفُ توأمُ السفهِ، والمنافسةُ أختُ العداوة.

الأدب الكبير والأدب الصغير لابن المقفع.

درجةُ المواساةِ تختلفُ من أسًى إلى أسًى، ومن قَدرِ المُواسِي في نفسِ المُواسى.

محمد عطار.

((بيت في رأسي))

قال جرير:

قالَت أُمامةُ: ما لِجهْلِكَ ما لهُ؟
كيفَ الصبابةُ بعدما ذهبَ الصبا؟


قلنا:
الصبابة هي الحبّ وهي من مشتقات الصبا، والصبا والتصابي والصبابة من خواصّ الشباب لا العجائز، فهذه المرأة التي تُدعى (أمامة) تزجرُ جريرًا على حبِّه وتصابيه بعد أن بلغ من الكبر عتيًّا، فكأنّ الصبابة والصبا متلازمان، ولا يكون الأول إلا مع الثاني.
ونرى أنّ في هذا الكلام نظرًا، إذ إنّ الشباب شباب العقل والقلب، والشيخوخة شيخوخة القلب والعقل، فكم من شاب شيخ وكم من شيخ شاب!!

دخل عقيلٌ على معاوية، فقال لأصحابه:
هذا عقيلٌ عمُّه أبو لهب.

قال عقيلٌ: وهذا معاوية عمَّتُه حمّالة الحطب.

من كتاب (العقد).

وكأنّ المرأةَ إذا خالفت سُنّةَ رَجُلِها أفسَحَتِ المجالَ في قلبهِ لغيرها، ثمّ تَسْألُه باستنكار:
كيف تُدخِلُهُنَّ في قلبِكَ زُمرًا زُمَرًا؟!
وكأنّها لا تدري أنّها بيدها وَسَّعَت قلْبَه كَسعَةِ ما بين السماوات والأرض.
فتلك خالفت سُنَّةً، فما بالكم بمَن خالفَت فريضةً!!

محمد عطار.

قال الشاعر:

إذا خطب الغنيُّ نساءَ عصري
رقصنَ من المسَرَّة والبِشَارَة

وإن جاء الفقير ولو تَقِيًّا
فَزِعْنَ إلى صلاة الاستخارة

وقد كان أحدُ المثقفين ينعزل ساعة في يومه، ويقول لخادمه:
مهما حدث فلا تخبرني إلا إذا احترق المبني الذي نحن فيه.

من كتاب القراءة المثمرة.

((بيت في رأسي))

قال المتنبي:

إذا تَرَحَّلْتَ عن قومٍ وقد قَدروا
ألَّا تُفارقَهم، فالراحِلون هُمُ


قلنا:
معيارُ المحبّة التضحيةُ، فمُحبّ اللهِ يُضَحِّي بشهواته في سبيل مَن أحبَّ، ومُحبُّ حبيبٍ يُضَحِّي بما يُزعِجُ حبيبَه وإن كان يُعجبه.
فذاك رأس المحبّة، ولكن الحال مع المتنبي اختلف، فقد قرّر الرحيل لأمرٍ من الأمور، ويستطيع أحبَّتُه أن يكفوه هذا الأمر لكنَّهم لم يفعلوا، فكأنّه بهذا لم يرحلْ عنهم، بل هم من رحلوا عنه وتركوه.
وهذا الرحيل والترك تركٌ قلبيّ، وهو أشدّ على المرء من التركِ المادّيّ.

وكانت من فَرطِ غَيْرَتِها عليه إذا تواضعَ شتَمَتهُ لِيَكُفَّ عن نفسِه وضْعَ قدرِ نفسِه، فتَحسَبُ أنّها بشتمِهِ رفعَتهُ، وأنّها بتركه دون شتيمة وضعَتهُ.😂😂

محمد عطار.