هناك فرق بين المناصحة في العلم التي غايتها الوصول إلى الحق ممن جاء به وبين ما يكون من المغالبة التي غايتها الانتصار للنفس على المخالف ولو بالباطل .
ومن جميل المأثور في المناصحة كلمات نورانية نقلت عن الإمام الشافعي رحمه الله ، منها قوله :" ما ناظرت أحدا على الغلبة "، وقوله :" ما ناظرت أحدا إلا أحببت أن يوفق ويسدد ، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ ، وما كلمت أحدا قط إلا ولم أبال بيَّن الله الحق على لساني أو على لسانه ، ويبني أمره على النصيحة لدين الله وللذي يجادله ، لأنه أخوه في الدين "، وقال يونس الصدفي بعد مناظرة له مع الشافعي اختلفا فيها :" ما رأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته يوما في مسألة ثم افترقنا ، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال : يا أبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة ؟" ، وعلق الإمام الذهبي على هذه الحكاية فقال :" هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام ، وفقه نفسه ، فما زال النظراء يختلفون ".
فمن يكون علمه لله تعالى فإنما تكون مناظرته في العلم لطلب الحق ، فلا يبالي أن يظهر الله الحق على لسانه أو على لسان غيره ، ولا يكون عنده حرج أن يكون على خطأ فيجد من يدله على الصواب ، بل يكون ذلك مما يستوجب شكر من بين له خطأه ودله على الحق .
وأما ما قد يكون من المغالبة في مسائل العلم وحب الظهور على المخالف فليس من هدي أهل العلم الربانيين ، وعاقبته الانحراف عن الحق والشذوذ حتى في المحكمات والأصول ، لأن من كان حاله كذلك فلا يزال يسعى في تبرير خطئه إذا أخطأ والسعي في تأييده ولو بالباطل ، فيوقعه الخطأ اليسير فيما هو أبعد منه ، حتى لا يصبح يتبين الفرق بين ما يقوله لأجل ظهور الحجة فيه وما يقوله لأجل هواه وما تطلبه نفسه من الظهور والغلبة على مخالفيه ، وقد يكون في أول أمره مترددا غير جازم بما يقول ثم ينقلب حاله بعد الرد عليه والتشنيع على قوله إلى أن يصر أنه على الحق ، ولا يعود ينظر في أن يرجع عن قوله ، لأن حاله قد تغير من النظر في المسألة التي ضل فيها وأنها كانت مشتبهة عليه إلى أن قوله فيها قد أصبح عنده من عرضه الذي لابد له من حمايته ولو بالباطل .
وتأمل في هذا حال ذر الهمداني في أول إظهاره للإرجاء وأنه كان في أول أمره يرى أنه رأي رآه ، ولم يُعرف عنه حينذاك الإصرار عليه ولا الدعوة إليه ، بل كان يقول إنه يخاف أن يُتخذ قوله دينا ، حتى إذا جاءته الكتب من الآفاق بالرد عليه والتشنيع على بدعته تغير حاله ، فأصبح يدَّعي أن ما أظهره من القول بالإرجاء إنما هو الدين الذي جاء به نوح عليه السلام ! .
ولأجل ذلك كان السلف - مع حرصهم على بيان الحق وإقامة الحجة على من خالف فيه - يحذِّرون من الخصومة في الدين أشد التحذير ، وينهون عن مجادلة أصحابها ومجالستهم ، لأن مجادلتهم لا تزيدهم إلا بعدا عن الحق ، ولأنه قد تورث مجادلتهم الشبهة عند من لا يعرف فساد أقوالهم وما تؤول إليه .
فهذا الإمام مالك وقد طلب منه رجل متهم بالإرجاء أن يجادله ، وأن المغلوب منهما يتبع الغالب ، فنهره الإمام مالك ، وبين له أن هذا يؤدي إلى التنقل في الدين ، وذكر له قول عمر بن عبدالعزيز : من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل ، وقال رجل للحسن البصري تعال أخاصمك في الدين ، فقال الحسن : أما أنا فقد أبصرت ديني ، فإن كنت قد أضللت دينك فالتمسه ، وقال عمرو بن قيس : قلت للحكم : ما اضطر الناس إلى الأهواء ؟ قال : الخصومات .
فإياك يا طالب العلم ومن يريد الخير لنفسه أن تشتبه عليك الأمور فلا تعود تفرق بين ما ينبغي لك من الحرص على طلب العلم ، ومداولة النظر في مسائله مع أهله بعقل وبصيرة ، وبين ما يظهر بين آونة وأخرى من مجادلات ومغالبات، تصرفك عن طلب العلم على أصوله ، وتشوش عليك قصدك ، وتصرفك عن غايتك ، والله يتولاني وإياك .
ومن جميل المأثور في المناصحة كلمات نورانية نقلت عن الإمام الشافعي رحمه الله ، منها قوله :" ما ناظرت أحدا على الغلبة "، وقوله :" ما ناظرت أحدا إلا أحببت أن يوفق ويسدد ، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ ، وما كلمت أحدا قط إلا ولم أبال بيَّن الله الحق على لساني أو على لسانه ، ويبني أمره على النصيحة لدين الله وللذي يجادله ، لأنه أخوه في الدين "، وقال يونس الصدفي بعد مناظرة له مع الشافعي اختلفا فيها :" ما رأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته يوما في مسألة ثم افترقنا ، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال : يا أبا موسى ، ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة ؟" ، وعلق الإمام الذهبي على هذه الحكاية فقال :" هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام ، وفقه نفسه ، فما زال النظراء يختلفون ".
فمن يكون علمه لله تعالى فإنما تكون مناظرته في العلم لطلب الحق ، فلا يبالي أن يظهر الله الحق على لسانه أو على لسان غيره ، ولا يكون عنده حرج أن يكون على خطأ فيجد من يدله على الصواب ، بل يكون ذلك مما يستوجب شكر من بين له خطأه ودله على الحق .
وأما ما قد يكون من المغالبة في مسائل العلم وحب الظهور على المخالف فليس من هدي أهل العلم الربانيين ، وعاقبته الانحراف عن الحق والشذوذ حتى في المحكمات والأصول ، لأن من كان حاله كذلك فلا يزال يسعى في تبرير خطئه إذا أخطأ والسعي في تأييده ولو بالباطل ، فيوقعه الخطأ اليسير فيما هو أبعد منه ، حتى لا يصبح يتبين الفرق بين ما يقوله لأجل ظهور الحجة فيه وما يقوله لأجل هواه وما تطلبه نفسه من الظهور والغلبة على مخالفيه ، وقد يكون في أول أمره مترددا غير جازم بما يقول ثم ينقلب حاله بعد الرد عليه والتشنيع على قوله إلى أن يصر أنه على الحق ، ولا يعود ينظر في أن يرجع عن قوله ، لأن حاله قد تغير من النظر في المسألة التي ضل فيها وأنها كانت مشتبهة عليه إلى أن قوله فيها قد أصبح عنده من عرضه الذي لابد له من حمايته ولو بالباطل .
وتأمل في هذا حال ذر الهمداني في أول إظهاره للإرجاء وأنه كان في أول أمره يرى أنه رأي رآه ، ولم يُعرف عنه حينذاك الإصرار عليه ولا الدعوة إليه ، بل كان يقول إنه يخاف أن يُتخذ قوله دينا ، حتى إذا جاءته الكتب من الآفاق بالرد عليه والتشنيع على بدعته تغير حاله ، فأصبح يدَّعي أن ما أظهره من القول بالإرجاء إنما هو الدين الذي جاء به نوح عليه السلام ! .
ولأجل ذلك كان السلف - مع حرصهم على بيان الحق وإقامة الحجة على من خالف فيه - يحذِّرون من الخصومة في الدين أشد التحذير ، وينهون عن مجادلة أصحابها ومجالستهم ، لأن مجادلتهم لا تزيدهم إلا بعدا عن الحق ، ولأنه قد تورث مجادلتهم الشبهة عند من لا يعرف فساد أقوالهم وما تؤول إليه .
فهذا الإمام مالك وقد طلب منه رجل متهم بالإرجاء أن يجادله ، وأن المغلوب منهما يتبع الغالب ، فنهره الإمام مالك ، وبين له أن هذا يؤدي إلى التنقل في الدين ، وذكر له قول عمر بن عبدالعزيز : من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل ، وقال رجل للحسن البصري تعال أخاصمك في الدين ، فقال الحسن : أما أنا فقد أبصرت ديني ، فإن كنت قد أضللت دينك فالتمسه ، وقال عمرو بن قيس : قلت للحكم : ما اضطر الناس إلى الأهواء ؟ قال : الخصومات .
فإياك يا طالب العلم ومن يريد الخير لنفسه أن تشتبه عليك الأمور فلا تعود تفرق بين ما ينبغي لك من الحرص على طلب العلم ، ومداولة النظر في مسائله مع أهله بعقل وبصيرة ، وبين ما يظهر بين آونة وأخرى من مجادلات ومغالبات، تصرفك عن طلب العلم على أصوله ، وتشوش عليك قصدك ، وتصرفك عن غايتك ، والله يتولاني وإياك .