يسير الوقفات مع آية من الآيات▪️
▫️قال تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } [التغابن: 16]
📌سياق الآية : أن الله جل ثناؤه قد كان عذر من لم يقدر على الهجرة بتركها بقوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم إلى قوله فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم) فأخبر أنه قد عفا عمن لا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلا بالإقامة في دار الشرك، ولذلك جاء قبل الآية التي معنا قوله تعالى {إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم} فكذلك يكون معنى قوله: (فاتقوا الله ما استطعتم) في الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام أن تتركوها.
▫️قوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) احذروا الله أيها المؤمنون وخافوا عقابه، وتجنبوا عذابه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، والعمل بما يقرب إليه ما أطقتم وبلغه وسعكم.
وقيل: هذه رخصة من الله، والله رحيم بعباده، وكان الله جل ثناؤه أنزل قبل ذلك (اتقوا الله حق تقاته) وحق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ثم خفف الله تعالى ذكره عن عباده، فأنزل الرخصة بعد ذلك فقال: (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا).
ومعنى (ما استطعتم) بمعنى وأنتم للهجرة مستطيعين. بفتنة أموالكم وأولادكم.
وقيل بل المعنى جهدكم وطاقتكم. وهو أشمل من السابق, وعليه عموم الآية. ولما جاء في الحديث "إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه".
تحرز بالاستطاعة من الإكراه والنسيان وما لا يؤاخذ به العبد
▫️قوله تعالى (واسمعوا وأطيعوا) أي: كونوا منقادين لما يأمركم الله به ورسوله، ولا تحيدوا عنه يمنة ولا يسرة، ولا تقدموا بين يدي الله ورسوله، ولا تتخلفوا عما به أمرتم، ولا تركبوا ما عنه زجرتم.
▫️قوله تعالى (وأنفقوا خيرا لأنفسكم) أي: وابذلوا مما رزقكم الله على الأقارب والفقراء والمساكين وذوي الحاجات، وأحسنوا إلى خلق الله كما أحسن إليكم، يكن خيرا لكم في الدنيا والآخرة، وإن لا تفعلوا يكن شرا لكم في الدنيا والآخرة.
▫️قوله تعالى (ومن يوق شح نفسه) وذلك أن ثم آفة تمنع كثيرا من الناس، من النفقة المأمور بها، وهو الشح المجبولة عليه أكثر النفوس، فإنها تشح بالمال، وتحب وجوده، وتكره خروجه من اليد غاية الكراهة.
▫️قوله تعالى (فأولئك هم المفلحون) فمن وقاه الله شر شح نفسه فأولئك هم المفلحون؛ لأنهم أدركوا المطلوب، ونجوا من المرهوب.
📌مسألة : الأمر بالنفقة والنهي عن البخل شامل لكل ما أمر به العبد، ونهي عنه، فإنه إن كانت نفسه شحيحة، لا تنقاد لما أمرت به، ولا تخرج ما قبلها، لم يفلح، بل خسر الدنيا والآخرة.
وإن كانت نفسه نفسا سمحة، مطمئنة، منشرحة لشرع الله، طالبة لمرضاة، فإنها ليس بينها وبين فعل ما كلفت به إلا العلم به، ووصول معرفته إليها، والبصيرة بأنه مرض لله تعالى، وبذلك تفلح وتنجح وتفوز كل الفوز.
📝من فوائد تفسير الآية:
1- الأمر بتقوى الله تعالى والتي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه.
2- تقييد الأوامر بالاستطاعة وهذا كثير في القرآن.
3- لم تقيد النواهي بالاستطاعة لأن الترك امتناع والكل يقدر عليه, ولذلك في الحديث (وما نهيتكم عنه فاجتنبوه)
4- يعفى عن البعد الإكراه والنسيان وما لا يؤاخذ به.
5- وجوب الانقياد لأمر الله وأمر رسوله ﷺ وعد الحيدة في ذلك.
6- عدم التقدم بين يدي الله ورسوله.
7- الأمر بالبذل على الأقارب والمساكين وعموم المحتاجين, وأن خير ذلك متحقق في الدنيا والآخرة.
8- ذم ما جبلت عليه كثير من النفوس من حب المال والشح به عن الإنفاق وأداء ما افترضه الله فيه.
9- من وقاه الله شر شح نفسه وبخله عليها فقد أفلح لأنه أدرك المطلوب.
10- الأمر بالنفقة والنهي عن البخل شامل لكل ما أمر به العبد، ونهي عنه.
📋من مراجع تفسير الآية :
1- جامع البيان للطبري
2- التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي
3- تفسير القرآن العظيم لابن كثير
4- تيسير الكريم الرحمن
5- تفسير السمعاني
6- تفسير القرطبي ▪️كتبه :د. محمد بن غالب العمري
منقول
https://t.me/Da3iyatilaallah