ربّما لا يخفى هذا الأمر على أحد. كلُّ ما حدث كان لعبةً زمنيّة اسمها: حقُّ العودة. فهم يعرفون، كما نعرف نحن، أنّ من وُلِدَ عام 1948 وما قبل، إما سينسى وينخرط في حياته الجديدة بشتاته، أو سيختفي. لقد أجادوا اللعبة تماماً! لم يبقَ إلا قلّة قليلة من الناس الذين عاصروا النكبة وشهدوها، وقد لعبوا لعبتهم مع السفر، ومحاولات التأقلم مع التيه، وصرفوا سنيّ عمرهم في إثبات هويتهم بالبلدان التي سكنوها، وفي تحصيل لقمة العيش، والمسكن، ليؤمّنوا للجيل الجديد - نحن والجيل الذي قبلنا، ولم نشهد شيئاً من حوادث فلسطين - مسكناً وهويّة واستقراراً في الضياع. مع ذلك، لم يتركونا، فقد دخلنا التيه الكبير، وبلدان الشتات قليلة، عاصرنا حروبها، قُتِلنا فيها، وتشرّدنا مرات كثيرة، لنذوق طعم التجربة. سنواتٌ قليلة وسيصير "حقُّ العودة" شيئاً مضحكاً أمام مرارة العيش في التيه، وسنبحث عن السفر - كما يفعل الجميع الآن - لنؤمّن للجيل الجديد استقراره ومسكنه. وهكذا، حين يصل الأمر إلى آخر الشاهدين على النكبة، سيضحكون كثيراً، ويقولون: هي مؤامرة الجميع على الجميع!
#يوسف_شرقاوي
#يوسف_شرقاوي