منذ وقت طويل أشعر بأن شيئا ما يدعوني للكتابة عن الموت، رغم ذلك الدفع الخفي والمستمر إلا أنني نجحت إلى اليوم في تحاشيه ومدافعته.
في الحقيقة لا شيء يرهبني ويسبب لقلبي الكثير من الرجفة أقوى من الموت... عندما أحضر جنازة ما، أو أسمع بموت معين، ترعبني الكثير من الأسئلة التي ينفثها الخوف في وجهي كسيجارة رخيصة من مدخن مبتدئ، أتحاشاها، أغالبها بكف بترها الرعب، أنفضها من أمامي، ثم أعود لحياتي الطبيعية وكأن شيئا لم يكن.
مع كل هذا الزلزال الذي يحدث داخلي، إلا أنني شخصيا لم أستطع البكاء على ميت من قبل، أشعر بغصة عظيمة عند فقد من أحب، أحس كأن الكوكب انحشر في حلقة دفعة واحدة، أختنق.. أختنق حرفيا.. لكنني لا أبكي، ربما أن هذا الشعور يصل إلى مرحلة هي أبعد من الدموع بمراحل، ربما.
كعادة الأطفال في إلقاء الأسئلة الفلسفية التي لا تنتهي، سألني ولدي صلاح "ليش يبكوا الناس إذا مات قريبهم، واحنا أصلا كلنا بنموت؟!" أربكني السؤال فررت من الإجابة بوضع سؤال آخر "يعني لو أموت ما باتبكه عليا؟" رد: إلا، قدو ضروري.
وبقي السؤال معلقا في ذهنينا معا..
عند حضور الدفن في أي جنازة تصادفني، تتناوشني الكثير من الأفكار، تدهشني كل خطوة، أدخل في موجة تأمل بلا قرار، من إعلان الموت، إلى وضع الميت، إلى أقارب الميت، أتفرس وجوههم، أحاول أن أستكنه المخبوء خلف الألسن والدموع، أتساءل لماذا يبكي هذا بحرقة، ولماذا يبدو هذا أنه غير مبال؟! وألف لماذا أخرى...
أتحرك مع الجنازة وأنا أرقب التصرفات، الملامح، الوجوه، الخطوات.. تستفزني كثيرا تلك التعازي الباردة، الأشياء التي نعملها بحكم العادة، المواعظ المقولبة والجاهزة..
..
ربما ستكون هذه الليلة على والدي أشق ليلة وأتعبها من سنوات، أشفق كثيرا عليه، كلما فكرت في ملامحه وهو يتحمل هذا الخبر، كأن السماء فعليا سقطت على كتفه، إذ أن أخته هذه هي من ساعدت أمها في تربيته وإسناده وكانت له أما بعد وفاة أمه، فهي تكبره بسنين كثيرة لا نعلم عدها.
اتصلت به فور علمي بهذا الخبر، حاول أن يكون رده قويا، في البداية أتقن تمثيل هذا الدور، بدا كممثل محترف، لكنه أنهار بعد أقل من دقيقة عندما قدمت له تعزيتي " عظم الله أجرك يا به وهذا حال الدنيا، وكلنا للمصير نفسه" قلتها مطمئنا.. لكن الرد كان نوبة بكاء منعت الحديث.. حاولت التهدئة وفشلت، كما هو شأني في كل شيء 💔 أدركت أن من واجب احترامي أن انهي المكالمة..
..
تربكني ردود أفعال أقارب الميت دائما، كيف لحبيب أن يهيل التراب ويضع الأحجار على حبيبه ويتركه في حفرة ويمضي؟! .. كيف يطاوعه قلبه على الحديث عن سرعة الدفن والاستعجال بالتجهيز؟! وألف كيف أخرى..
لكنه لا خيار آخر..
نترك الميت في حفرة ونترك معه جزءا منا من ذكرياتنا آلامنا أحلامنا أحاديثنا.. هكذا.. ونمضي
نبكي، نستقبل التعازي الصادقة منها والعادية، نقوم بواجب الضيافة للمعزين أحيانا ثم ننسى كل شيء بما فيها من اجتمعنا لأجله.
في طريقنا إلى موتنا نتناقص شيئا فشيئا، وتسقط كل يوم ورقة من شجرة إنسانيتنا، ونتماسك بعدها وكأن الأمر لا يعنينا، إلى أن يكون أحدنا الورقة التالية.
...
وكلام كثير.
العزيز/ أحمد صلاح الزوري، كأنه يكتب عني.
في الحقيقة لا شيء يرهبني ويسبب لقلبي الكثير من الرجفة أقوى من الموت... عندما أحضر جنازة ما، أو أسمع بموت معين، ترعبني الكثير من الأسئلة التي ينفثها الخوف في وجهي كسيجارة رخيصة من مدخن مبتدئ، أتحاشاها، أغالبها بكف بترها الرعب، أنفضها من أمامي، ثم أعود لحياتي الطبيعية وكأن شيئا لم يكن.
مع كل هذا الزلزال الذي يحدث داخلي، إلا أنني شخصيا لم أستطع البكاء على ميت من قبل، أشعر بغصة عظيمة عند فقد من أحب، أحس كأن الكوكب انحشر في حلقة دفعة واحدة، أختنق.. أختنق حرفيا.. لكنني لا أبكي، ربما أن هذا الشعور يصل إلى مرحلة هي أبعد من الدموع بمراحل، ربما.
كعادة الأطفال في إلقاء الأسئلة الفلسفية التي لا تنتهي، سألني ولدي صلاح "ليش يبكوا الناس إذا مات قريبهم، واحنا أصلا كلنا بنموت؟!" أربكني السؤال فررت من الإجابة بوضع سؤال آخر "يعني لو أموت ما باتبكه عليا؟" رد: إلا، قدو ضروري.
وبقي السؤال معلقا في ذهنينا معا..
عند حضور الدفن في أي جنازة تصادفني، تتناوشني الكثير من الأفكار، تدهشني كل خطوة، أدخل في موجة تأمل بلا قرار، من إعلان الموت، إلى وضع الميت، إلى أقارب الميت، أتفرس وجوههم، أحاول أن أستكنه المخبوء خلف الألسن والدموع، أتساءل لماذا يبكي هذا بحرقة، ولماذا يبدو هذا أنه غير مبال؟! وألف لماذا أخرى...
أتحرك مع الجنازة وأنا أرقب التصرفات، الملامح، الوجوه، الخطوات.. تستفزني كثيرا تلك التعازي الباردة، الأشياء التي نعملها بحكم العادة، المواعظ المقولبة والجاهزة..
..
ربما ستكون هذه الليلة على والدي أشق ليلة وأتعبها من سنوات، أشفق كثيرا عليه، كلما فكرت في ملامحه وهو يتحمل هذا الخبر، كأن السماء فعليا سقطت على كتفه، إذ أن أخته هذه هي من ساعدت أمها في تربيته وإسناده وكانت له أما بعد وفاة أمه، فهي تكبره بسنين كثيرة لا نعلم عدها.
اتصلت به فور علمي بهذا الخبر، حاول أن يكون رده قويا، في البداية أتقن تمثيل هذا الدور، بدا كممثل محترف، لكنه أنهار بعد أقل من دقيقة عندما قدمت له تعزيتي " عظم الله أجرك يا به وهذا حال الدنيا، وكلنا للمصير نفسه" قلتها مطمئنا.. لكن الرد كان نوبة بكاء منعت الحديث.. حاولت التهدئة وفشلت، كما هو شأني في كل شيء 💔 أدركت أن من واجب احترامي أن انهي المكالمة..
..
تربكني ردود أفعال أقارب الميت دائما، كيف لحبيب أن يهيل التراب ويضع الأحجار على حبيبه ويتركه في حفرة ويمضي؟! .. كيف يطاوعه قلبه على الحديث عن سرعة الدفن والاستعجال بالتجهيز؟! وألف كيف أخرى..
لكنه لا خيار آخر..
نترك الميت في حفرة ونترك معه جزءا منا من ذكرياتنا آلامنا أحلامنا أحاديثنا.. هكذا.. ونمضي
نبكي، نستقبل التعازي الصادقة منها والعادية، نقوم بواجب الضيافة للمعزين أحيانا ثم ننسى كل شيء بما فيها من اجتمعنا لأجله.
في طريقنا إلى موتنا نتناقص شيئا فشيئا، وتسقط كل يوم ورقة من شجرة إنسانيتنا، ونتماسك بعدها وكأن الأمر لا يعنينا، إلى أن يكون أحدنا الورقة التالية.
...
وكلام كثير.
العزيز/ أحمد صلاح الزوري، كأنه يكتب عني.