فإنَّ في الحَياةِ أسبابَ الزَّيغ والباطِل والمُنافسة والعَداوة والكَيد ونَحوها، وهذه كُلُّها يَمحوها المَسجد؛ إذ يَجمع النَّاس مِرارًا كُلَّ يَومٍ على سَلامَة الصَّدر وبَراءة القَلب، ورَوحانية النَّفس؛ ولا تَدخُلُه إنسانيَّةُ الإنسان إلَّا طَاهرة مُنزَّهة مُسبِغةً على حُدودِ جِسمها من أعلاه لأسفله شعَارَ الطُّهر الَّذي يُسَمَّى الوضُوء، كَأنَّما يَغسل الإنسانُ آثارَ الدُّنيا عن أعضائه قبل دخولِه المَسجد.
ثُمَّ يستوي الجَميعُ في هذا المسجدِ ٱستواءً واحدا، ويقفون موقفًا واحدًا، ويخشعون خشوعًا واحدًا، ويكونون جَميعًا في نفسية واحدة؛ وليس هَذا وحده بل يَخِرُّونَ إلى الأرضِ جَميعًا سَاجدين للّٰه، فليس لرأسٍ على رأس ٱرتفاع، ولا لوجهٍ على وجهٍ تَمييز؛ ومن ثَمَّ فليس لذاتٍ على ذاتٍ سلطان، وهل تُحقِّق الإنسَانيَّةُ وحدَتَها في النَّاسِ بأبدع من هذا؟ ولعمري أين يَجدُ العَالمُ صَوابَه إلَّا ها هُنا!
الرافعي | وَحيُ القَلَم.