• هرقليطس
- فيلسوف يوناني من "إفسوس" وُلِد سنة 540 ق.م وتوفي سنة 475 ق.م. ينحدر من أسرة عريقة في المنطقة. ويقال أن هرقليطس في مزاجه وسلوكه كان حزيناً ومتغطرساً وعنيداً. يصفه "ديوجنيس" كارهاً للبشرية ، ويقول بأن صفاته أدت به إلى أن يعيش في الجبال متخِذاً من الأعشاب والجذور طعامه ، وهو نظام جلب عليه مرضه الأخير. ومثل هذا التقرير لا يمكن أن يُختلَق بسهولة من نظرية عامة لسلوك الفيلسوف. وعلى أية حال لم يكن هرقليطس محبَّاً للجماهير ، وإن أعلانه "إن رجلاً واحداً يساوي عندي عشرة آلاف رجل إذا كان من الطبقة الأولى" لَدليل على أنه لم يكن يحتمل الدهماء بسرور.
- إذن كان هرقليطس أرستقراطياً ، يحتقِر العامة وعباداتها السخيفة ، ومعارفها التقليدية ، ويستخرج من حكمها السياسي الشواهد على جهلها وعبثها ، فيشبهها تارةً بالأطفال ، وأخرى بالكلاب ، وثالثة بالحمير. بل إن كبرياءه تعدَّى العامة إلى العلماء ، فكان يزدري العلم الجزئي ، وينعي على "فيثاغورس" و "أكسانوفان" اشتغالهما به. وكان يعتبر العلم الجدير به التفكير العميق في المعاني الكلية.
- ألَّف هرقليطس كتاباً مفرداً. ويصف ديوجنيس موضوعه بأنه "الطبيعة" ، ويضيف أنه كان مقسَّماً ثلاثة أقسام : عن العالم ، المهارة السياسية ، اللاهوت. ولقد أجمع القدماء على أن هذا الكتاب كان صعب الفهم ، وأن المؤلِّف ذاته كان يُوصَف غالباً بمثل هذه الصفات. ويشير ديوجنيس إلى أن الإبهام قد يكون متعمَداً كي لا يقرأ كتابه من لا يُشرِّفه بدرجة مناسبة من المجهود العقلي.
- زعم هرقليطس أن النار هي العنصر الأوحد ، ومنها تنشأ
جميع الأشياء بالتكاثف والتخلخل. ولعله آثر النار لكونها وهي مشتعلة تكون دائمة التغير ، ولصلتها بالحياة ، فإن جوهر النار يتحول على الدوام إلى دخان وتغذيه نار جديدة.
- الأشياء في تغيّر مستمر. يقول : "إنك لا تستطيع أن تنزل النهر مرتين ، لأن مياهاً جديدة تغمرك باستمرار". ولولا التغير لم يكن شيء ، فالاستقرار يعني الموت و العدم. لولا المرض لما اشتهينا الصحة ، لولا الخطر لما كانت الشجاعة ، لولا الشر لما كان الخير ، وهكذا.
- تقوم المعرفة عند هرقليطس على الحواس الثلاث : البصر ، السمع ، الشم. والعين أصدق خبراً من الأذن ، والشم له علاقة وثيقة بدخان النار. فلو تحول كل شيء إلى دخان لميّزته الأنوف. ولكن الحواس لا تحكم على الأشياء ، فهي لا تعدو أن تكون نوافذ للمعرفة. لأننا في النوم نقطع صلتنا بالعالم الخارجي ، ماعدا استنشاق الهواء. ولكن الحواس لا تفيدنا إلا في معرفة الظاهر المتغير ، أما معرفة الكلمة أو القانون فالذي يدركه هو العقل أو البصيرة. وعلينا أن نبحث في أنفسنا عن ذلك العقل ، ويمكن بذلك أن نعرف حقيقة القانون ، لأن العقل الذي فينا جزء من العقل الإلهي. غير أن اقتصار الفيلسوف على النظر في نفسه فقط لا يؤدي إلى كمال المعرفة ، إذ أن الحقيقة في إدراك وحدة الأضداد في جميع الأشياء ، وفي المشاركة مع غيرنا من الناس ، لأن الفكر عام مشترك.
______________
- هرقليطس فيلسوف التغير ، علي سامي النشار - محمد علي أبو ريان - عبده الراجحي ، دار المعارف ، مصر ، 1969.
- فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، أحمد فؤاد الأهواني ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2009.
@Newphilosopher
- فيلسوف يوناني من "إفسوس" وُلِد سنة 540 ق.م وتوفي سنة 475 ق.م. ينحدر من أسرة عريقة في المنطقة. ويقال أن هرقليطس في مزاجه وسلوكه كان حزيناً ومتغطرساً وعنيداً. يصفه "ديوجنيس" كارهاً للبشرية ، ويقول بأن صفاته أدت به إلى أن يعيش في الجبال متخِذاً من الأعشاب والجذور طعامه ، وهو نظام جلب عليه مرضه الأخير. ومثل هذا التقرير لا يمكن أن يُختلَق بسهولة من نظرية عامة لسلوك الفيلسوف. وعلى أية حال لم يكن هرقليطس محبَّاً للجماهير ، وإن أعلانه "إن رجلاً واحداً يساوي عندي عشرة آلاف رجل إذا كان من الطبقة الأولى" لَدليل على أنه لم يكن يحتمل الدهماء بسرور.
- إذن كان هرقليطس أرستقراطياً ، يحتقِر العامة وعباداتها السخيفة ، ومعارفها التقليدية ، ويستخرج من حكمها السياسي الشواهد على جهلها وعبثها ، فيشبهها تارةً بالأطفال ، وأخرى بالكلاب ، وثالثة بالحمير. بل إن كبرياءه تعدَّى العامة إلى العلماء ، فكان يزدري العلم الجزئي ، وينعي على "فيثاغورس" و "أكسانوفان" اشتغالهما به. وكان يعتبر العلم الجدير به التفكير العميق في المعاني الكلية.
- ألَّف هرقليطس كتاباً مفرداً. ويصف ديوجنيس موضوعه بأنه "الطبيعة" ، ويضيف أنه كان مقسَّماً ثلاثة أقسام : عن العالم ، المهارة السياسية ، اللاهوت. ولقد أجمع القدماء على أن هذا الكتاب كان صعب الفهم ، وأن المؤلِّف ذاته كان يُوصَف غالباً بمثل هذه الصفات. ويشير ديوجنيس إلى أن الإبهام قد يكون متعمَداً كي لا يقرأ كتابه من لا يُشرِّفه بدرجة مناسبة من المجهود العقلي.
- زعم هرقليطس أن النار هي العنصر الأوحد ، ومنها تنشأ
جميع الأشياء بالتكاثف والتخلخل. ولعله آثر النار لكونها وهي مشتعلة تكون دائمة التغير ، ولصلتها بالحياة ، فإن جوهر النار يتحول على الدوام إلى دخان وتغذيه نار جديدة.
- الأشياء في تغيّر مستمر. يقول : "إنك لا تستطيع أن تنزل النهر مرتين ، لأن مياهاً جديدة تغمرك باستمرار". ولولا التغير لم يكن شيء ، فالاستقرار يعني الموت و العدم. لولا المرض لما اشتهينا الصحة ، لولا الخطر لما كانت الشجاعة ، لولا الشر لما كان الخير ، وهكذا.
- تقوم المعرفة عند هرقليطس على الحواس الثلاث : البصر ، السمع ، الشم. والعين أصدق خبراً من الأذن ، والشم له علاقة وثيقة بدخان النار. فلو تحول كل شيء إلى دخان لميّزته الأنوف. ولكن الحواس لا تحكم على الأشياء ، فهي لا تعدو أن تكون نوافذ للمعرفة. لأننا في النوم نقطع صلتنا بالعالم الخارجي ، ماعدا استنشاق الهواء. ولكن الحواس لا تفيدنا إلا في معرفة الظاهر المتغير ، أما معرفة الكلمة أو القانون فالذي يدركه هو العقل أو البصيرة. وعلينا أن نبحث في أنفسنا عن ذلك العقل ، ويمكن بذلك أن نعرف حقيقة القانون ، لأن العقل الذي فينا جزء من العقل الإلهي. غير أن اقتصار الفيلسوف على النظر في نفسه فقط لا يؤدي إلى كمال المعرفة ، إذ أن الحقيقة في إدراك وحدة الأضداد في جميع الأشياء ، وفي المشاركة مع غيرنا من الناس ، لأن الفكر عام مشترك.
______________
- هرقليطس فيلسوف التغير ، علي سامي النشار - محمد علي أبو ريان - عبده الراجحي ، دار المعارف ، مصر ، 1969.
- فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط ، أحمد فؤاد الأهواني ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 2009.
@Newphilosopher