طل🌦

"وقبل الشروع في الكلام عن العلاج يحسن ذكر ملاحظة، وهي: أن كثيرا من الذين يحسّون بقسوة قلوبهم يبحثون عن علاجات خارجية يريدون الاعتماد فيها على الآخرين، مع أن بمقدورهم -لو أرادوا- علاج أنفسهم بأنفسهم، وهذا هو الأصل؛ لأن الإيمان علاقة بين العبد وربه، وفيما يلي ذكر عدد من الوسائل الشرعية التي يمكن للمسلم أن يعالج بها ضعف إيمانه…:

🌸 ١) تدبّر القرآن

"والقرآن فيه توحيد، ووعد ووعيد، وأحكام، وأخبار، وقصص، وآداب، وأخلاق، وآثارها في النفس متنوعة.."

#ظاهرة_ضعف_الإيمان
⠀⠀

٤. من وسائل علاج ضعف الإيمان:

"روى الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه عن النبي ﷺ أنه قال: «إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكُمْ كَما يَخلَقُ الثّوبُ ، فاسْألُوا اللهَ أنْ يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلوبِكمْ» يعني بذلك أن الإيمان يبلى في القلوب كما يبلى الثوب إذا اهترأ وأصبح قديمًا، وتعتري قلب المؤمن في بعض الأحيان سحب المعصية فيظلم، وهذه الصورة صوّرها لنا رسول الله ﷺ بقوله في الحديث الصحيح: «مَا مِنَ الْقُلُوبِ قَلْبٌ إِلَّا وَلَهُ سَحَابَةٌ كَسَحَابَةِ الْقَمَرِ ، بَيْنَمَا الْقَمَرُ مُضِيءٌ إِذْ عَلَتْهُ سَحَابَةٌ فَأَظْلَمَ ، إِذْ تَجَلَّتْ عَنْهُ فَأَضَاءَ»…فإذا سعى لزيادة إيمانه واستعان بالله -عز وجل- انقشعت تلك السحب، وعاد نور قلبه يضيء كما كان.
ومن المرتكزات المهمة في فهم قضية ضعف الإيمان وتصور علاجها: هو معرفة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية."

#ظاهرة_ضعف_الإيمان
⠀⠀

٣. من أسباب ضعف الإيمان:

• الابتعاد عن الأجواء الإيمانية
"﴿فَطالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ فَقَسَت قُلوبُهُم﴾ [الحديد: ١٦] فدلت الآية على أن طول الوقت في البُعد عن الأجواء الإيمانية مَدعاة لضعف الإيمان في القلب، فمثلا: الشخص الذي يبتعد عن إخوانه في الله فترة طويلة لسفر أو وظيفة ونحو ذلك فإنه يفتقد الجوّ الإيماني الذي كان يتنعم في ظلاله، ويستمد منه قوّة قلبه، والمؤمن قليلٌ بنفسه كثيرٌ بإخوانه… وهذا مما يفسر حدوث كثير من الانتكاسات لدى البعض في الإجازات التي يسافرون فيها أو عقب انتقالهم إلى أماكن أخرى للعمل أو الدراسة"

• الابتعاد عن طلب العلم الشرعي
"فهناك أنواع من الكتب يحس القارئ بأنها تستثير في قلبه الإيمان…وعلى رأسها كتاب الله وكتب الحديث ثم كتب العلماء المجيدين في الرقائق والوعظ…مثل كتب الإمام #ابن_القيم و #ابن_رجب_الحنبلي وغيرهم. والانقطاع عن مثل هذه الكتب مع الإغراق في قراءة الكتب الفكرية فقط أو كتب الأحكام المجرّدة عن الأدلّة أو كتب اللغة والأصول مثلا؛ من الأشياء التي تورث أحيانًا قسوة القلب، وهذا ليس ذما في كتب اللغة أو الأصول ونحوها بل هو تنبيه لمن أعرض عن كتب التفسير والحديث فلا تكاد تجده يقرأ فيها مع أنها هي الكتب التي تصل القلبَ بالله -عز وجل- فعندما تقرأ في الصحيحين -مثلا- تشعر أنك تعيش في أجواء العصر الأول مع الرسول ﷺ ومع الصحابة وتتعرض لنفحات إيمانية من سيرتهم وحياتهم…"

#ظاهرة_ضعف_الإيمان
⠀⠀

• "ومنها: السرور والغبطة بما يصيب إخوانه المسلمين من فشل أو خسارة أو مصيبة أو زوال نعمة، فيشعر بالسرور لأن النعمة قد زالت، ولأن الشيء الذي كان يتميز عليه غيره به قد زال"

• "عدم الاهتمام بقضايا المسلمين ولا التفاعل معها لا بدعاء ولا صدقة ولا إعانة، فهو بارد الإحساس تجاه ما يصيب إخوانه في بقاع العالم من تسلط العدو والقهر والاضطهاد والكوارث، فيكتفي بسلامة نفسه، وهذا نتيجة ضعف الإيمان فإن المؤمن بخلاف ذلك"

• "ومن مظاهر ضعف الإيمان: انفصام عُرى الأخوّة بين المتآخيين. يقول عليه الصلاة والسلام: «ما توادّ اثنان في الله -جل وعز- أو في الاسلام فيفرّق بينهما أولُ ذنب [وفي رواية: ففُرِّق بينهما إلا بذنب] يحدثه أحدهما» فهذا دليل على أن شُؤْم المعصية قد يطال الروابط الأخوية ويفصمها، وفهذه الوحشة التي يجدها الإنسان بينه وبين إخوانه أحيانًا هي نتيجة لتدني الإيمان بسبب ارتكاب المعاصي.."

#ظاهرة_ضعف_الإيمان
#الإخاء
⠀⠀

ومن مظاهر ضعف الإيمان أيضًا:

• "ضيق الصدر، وتغيّر المزاج، وتغيّر الطبع حتى كأن على الإنسان ثقلًا كبيرًا يَنوءُ به، فيصبح سريع التأفف والتضجر من أدنى شيء، ويشعر بالضيق من تصرفات الناس حوله وتذهب السماحة من نفسه، وقد وصف النبي ﷺ الإيمان بقوله: «الإيمان: الصبر والسماحة».."

• "عدم الغضب إذا انتُهِكت محارم الله -عز وجل-، لأن لهب الغيرة في القلب قد انطفأ فتعطلت الجوارح عن الإنكار.."

• "ومنها: حب الظهور، وهذا له صور، منها: محبة تصدر المجالس والاستئثار بالكلام وفرض الاستماع على الآخرين وأن يكون الأمر له.."

• "ومنها: النظر إلى الأمور من جهة وقوع الإثم فيها أو عدم وقوعه فقط، وغض النظر عن فعل المكروه… بل إن بعض الناس إذا استفتى في شيء وأُخبر أنه محرّم يسأل: هل حرمته شديدة أو لا؟"

• "ومنها: احتقار المعروف، وعدم الاهتمام بالحسنات الصغيرة.."
⠀⠀
#ظاهرة_ضعف_الإيمان
⠀⠀

٢. من مظاهر ضعف الإيمان:

• عدم إتقان العبادات
"ومن ذلك شرود الذّهن أثناء الصلاة وتلاوة القرآن والأدعية ونحوها، وعدم التدبر والتفكر في معاني الأذكار...".

• التكاسل عن الطاعات
"ويدخل في ذلك عدم الاكتراث لمواسم الخير وأوقات العبادة وهذا يدل على عدم اهتمام الشخص بتحصيل الأجر…ومثل هذا لا يشعر بتأنيب الضمير إذا نام عن الصلاة المكتوبة، وكَذا لو فاتته سنّة راتبة أو ورد من أوراده فإنه لا يرغب في قضائه ولا تعويض ما فاته، وكذا يتعمد تفويت كل ما هو سنّة أو من فروض الكفاية، فربما لا يشهد صلاة العيد…ولا يصلي الكسوف والخسوف، ولا يهتم بحضور الجنازة ولا الصلاة عليها، فهو راغب عن الأجر مُستغنٍ عنه، على النقيض ممن وصفهم الله بقوله: ﴿إِنَّهُم كانوا يُسارِعونَ فِي الخَيراتِ وَيَدعونَنا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكانوا لَنا خاشِعينَ﴾ [الأنبياء: ٩٠]".
⠀⠀
#ظاهرة_ضعف_الإيمان
⠀⠀

☁️📖 فوائد من كتاب:
(#ظاهرة_ضعف_الإيمان لمحمد صالح المُنَجِّد)

١. "وقد سُمّي القلب قلبًا لسرعة تقلّبه، قال عليه الصلاة والسلام: «إنما سمي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلّقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرًا لبطن» وهو شديد التقلب كما وصفه النبي ﷺ بقوله: «لقلب ابن آدم أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا»".
⠀⠀

ونختم الفوائد بوصية النبي ﷺ لجابر الهُجَيمي -رضي الله عنه-:

"عليك باتقاء الله، ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المُستَقي، وتكلْم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة، ولا يحبّها الله، وإنِ امرؤٌ عيّرك بشيء يعلمه فيك، فلا تعيّره بشيء تعلمه منه، دعه يكون وباله عليه، وأجرهُ لك، ولا تسبّنّ شيئًا".

#الدعوة_والداعية
#الإخاء
⠀⠀

٢٢. خلاف الدعاة والوحدة الإسلامية الجامعة:

• "قال #ابن_القيم رحمه الله: ووقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه، لتفاوت إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم، ولكن المذموم بَغْيُ بعضهم على بعض وعدوانه.."

• "لعلنا نجد في حديث حذيفة -رضي الله عنه- المروي في الصحيحين بعضًا من الدروس التي تؤكد لنا إمكان خطئنا وزللنا، وما ينفي عنا وعن مناهجنا العصمة التي نستشعرها ونعيشها بقلوبنا وتصرفاتنا، وإن أنكرنا ادّعاء ذلك بألسنتنا وأقلامنا.
وهذا الحديث أيضا درس في تعلم الصبر على إخواننا والْتماس العذر لهم، والتوقف عن نقدهم واتّهامهم، يقول حذيفة رضي الله عنه: «كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافةَ أن يدركني. فقلت: يا رسول الله، إنّا كنا في جاهلية وشرّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم. فقلت: هل بعد ذلك الشرّ من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن» [أي غبش وخلل].
وقبل أن نكمل الحديث نلحظ أن النبي ﷺ يتحدث في الفقرة الأخيرة عن خير قادم في أمّته، ويسجل عليه أنه ليس خيرًا محضا كذاك الخير الذي جاء به ﷺ... فإذا انقضت النبوة المعصومة المسددة من السماء، فقد غدونا في زمن الاجتهادات البشرية التي تصيب وتخطئ… إذن الخير الموعود تشوبه شوائب ونقائص «دخن» وهي لا تخرجه عن سمة الخيرية؛ لأنه في الجملة كذلك، فهو خير لغلبة الخير والهدى عليه…

وهذا الدخن والخلل الذي سيخالط الخير مردودٌ على أصحابه، مستلزم التقويم والتوجيه، لكنه لا يخرجهم من سياق الخيرية الغالبة على عملهم "وإنما العبرة بكثرة المحاسن" ولا يجعل أصحابه في عداد الأشقياء… فهل يسوغ لبعضنا أن يتّهم إخوانه في طريق الدعوة بأنهم شر من اليهود والنصارى؟ وأنهم أخطر من دعاة الزندقة والإلحاد؟ وهل هذا من الإنصاف والعدل الذي قامت عليه السماوات والأرض؟"

#الدعوة_والداعية
#الإخاء
⠀⠀

٢١. حدّثوا الناس بما يفهمون:

وقد أكّد الشاطبي على ضابط ما يجوز كتمانه من العلم فقال: "وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة، فإن صحّت في ميزانها، فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يُؤدِّ ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلم إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم، وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ؛ فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية".

#الدعوة_والداعية
⠀⠀

٢٠. أولويات الدعوة:

"مَن شغله الفرض عن النفل فهو معذور، ومَن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور".

#الدعوة_والداعية
⠀⠀

١٩. من أساليب الدعوة: التربية بالعقوبة.

• "قال سفيان الثوري لأصحابه: «تدرون ما الرفق؟… أن تضع الأمور في مواضعها: الشدة في موضعها، واللين في موضعه، والسيف في موضعه، والسوط في موضعه»"

• "فالتربية بالعقوبة هي مبضع الجراح، ولا يُصار إليه إلا حين يستفحل الداء، وتغدو العقوبة لونا لازما للعلاج؛ رحمةً بالعاصي، ومظهرا يدل على الحرص والشفقة عليه… فالعقوبة لها صور كثيرة تتفاوت في غلظتها بحسب الشخص ورهافة حسّه، وكذلك عظم ذنبه وخطيئته.."

• "وما كل أحد يحتاج هذا الأسلوب، بل الكثير من الناس تكفيه الإشارة، أو النظرة، أو الكلمة العابرة الحانية.."

#الدعوة_والداعية
⠀⠀

١٨. ادعوا الناس وأنتم صامتون:

"قال الإمام #الشافعي -رحمه الله-: «مَن وعظ أخاه بفعله كان هاديًا». وقال إبراهيم بن أدهم -رحمه الله- لأصحابه: «ادعوا الناس وأنتم صامتون» قالوا: كيف ذلك؟ قال: «ادعوا الناس بأفعالكم»".

#الدعوة_والداعية
⠀⠀

١٧. الحكمة في الطرح والأسلوب:

"﴿قُل مَن يَرزُقُكُم مِنَ السَّماواتِ وَالأَرضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنّا أَو إِيّاكُم لَعَلى هُدًى أَو في ضَلالٍ مُبينٍ﴾ [سبأ: ٢٤] فتأمّل -يا رعاك الله- قوله: ﴿وَإِنّا أَو إِيّاكُم لَعَلى هُدًى أَو في ضَلالٍ مُبينٍ﴾ فهذا نوع من الإنصاف في الحجة، «وقد علم أنه على هدى، وأنهم على ضلال مبين، ولكنه رفق بهم في الخطاب، فلم يقل: أنا على هدى وأنتم على ضلال» إذ ليس من أدب الإسلام أن يواجه المرء مقابِلَهُ بكل ما يحيك في صدره عنه، ولو كان حقا، فلا يستقيم في حكمة الدعوة مواجهة صاحب البدعة بالقول: إنك مبتدع. فهذا لن يوازي حكمة القول: إن كان رأيك مستندًا إلى كتاب الله أو قول النبي ﷺ فأنا أول متّبعيه، أو إن أقمتَ عليه حجة فأنا من أنصاره، وحين يعجز المدعوّ عن جوابه يستبين له ما أضمره الداعية في صدره من معانٍ أبى لسانه العفّ عن البوح بها.
وهذا الأدب علّمه الله لنبيه ﷺ ثانية حين قال له: ﴿قُل إِن كانَ لِلرَّحمنِ وَلَدٌ فَأَنا أَوَّلُ العابِدينَ﴾ [الزخرف: ٨١]"

"وحكى الله عن مؤمنِ آل فرعون مثل هذا التنزّل في حواره مع قومه، وهو يروم إقناعهم باتباع موسى عليه السلام: ﴿وَقالَ رَجُلٌ مُؤمِنٌ مِن آلِ فِرعَونَ يَكتُمُ إيمانَهُ أَتَقتُلونَ رَجُلًا أَن يَقولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَد جاءَكُم بِالبَيِّناتِ مِن رَبِّكُم وَإِن يَكُ كاذِبًا فَعَلَيهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صادِقًا يُصِبكُم بَعضُ الَّذي يَعِدُكُم إِنَّ اللَّهَ لا يَهدي مَن هُوَ مُسرِفٌ كَذّابٌ﴾ [غافر: ٢٨]"

#الدعوة_والداعية
⠀⠀

١٦. تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لعبيد بن عمير: "إيّاكَ وإملالَ الناس، وإذا وعظتَ فأوْجِز"

#الدعوة_والداعية
⠀⠀

🌸 الصفة الأخيرة: الصبر

١٥. "في يوم حُنَيْن قسّم ﷺ الغنائم، فآثَرَ بها قومًا تألَّفَ بها قلوبَهم، فقال الأقرع بن حابس: إن هذه لَقِسمةٌ ما أُريدَ بها وجهُ الله.
فلما أُخبِرَ النبي ﷺ بذلك غضب، ثم قال مُسكِّنًا غضب نفسه ومُعزّيًا لها بما تعرض له الدعاة قبله: "يرحم الله موسى، قد أوذيَ بأكثرَ من هذا فصبَرَ".

قال ابن بطال: (وفي تمعّر وجه النبي ﷺ حين أُخبِرَ بقول الرجل من الفقه؛ أن أهل الفضل والخير قد يعزّ عليهم ما يُقال فيهم من الباطل، ويكبُر عليهم، فإن ذلك جبلّة في البشر، فطرهم الله عليها، إلا أن أهل الفضل يتلقّون ذلك بالصبر الجميل اقتداءً بمن تقدّمهم من المؤمنين…)"

#الدعوة_والداعية
⠀⠀

١٤. هل نترك الدعوة إلى حين نصلح أنفسنا أولا؟

"لكن ثمة مسألة مهمة تطرح ههنا، فإننا جميعًا، دعاة ومدعوين، متلبسون بالمعاصي، نسأل الله أن يتجاوز عنا، فهل وقوع الداعية بمعصيةٍ ما يحرم عليه الوعظ فيها؟ كأنْ يكون الداعية قاطعًا لرحمه، أو عاقا لوالديه، أو سيّئ الخلُق، أو مضيعًا لوقته، فهل يجوز أن يدعو الناس إلى ترك ما يفعله من السوء؟ أم يحرم عليه ذلك حتى يتوب من هذه الآفات؟

وفي الجواب نقول:

• إن فعل المعصية لا يمنع العاصي من الإنكار على شركائه فيها، وإنكاره عليهم فيه دعوةٌ للنفس قبل الغير وتذكيرٌ لها، روى الإمام مالك عن سعيد بن جبير -رحمه الله- قوله: (لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر) وعقّب مالك بقوله: (وصدَقَ، مَن ذا الذي ليس فيه شيء؟).

• ودعوة العاصي الآخرين إلى فعلِ ما قصّر فيه أو هجْرِ ما يفعله؛ قد يكفّر سيئته فالله تعالى يقول: ﴿إِنَّ الحَسَناتِ يُذهِبنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: ١١٤] ويقول رسول الله ﷺ: "وأتبِعِ السيئةَ الحسنةَ تمحُها".

لكن بعض الناس قد تسبق إلى ذهنه المفاهيم السلبية، فيرى الوعيد في مثل قوله تعالى ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لِمَ تَقولونَ ما لا تَفعَلونَ﴾ [الصف: ٢] مدعاةً للتقاعس في الدعوة أو تركها بالكلية، بذريعة تقصيره في أداء بعض الواجبات الشرعية… ولربما ترك أحدهم تعلم العلم مخافة أن لا يقوم بحقه، أو خشية أن لا يعمل بموجبه، كما قال رجل لأبي هريرة -رضي الله عنه- يبرر عدم حفظه للقرآن: (أخشى إن حفظته أن أنساه) فأجابه الصحابي الفقيه: (كفى بك نسيانًا أنك ما حفظتَه)".

#الدعوة_والداعية
⠀⠀