ـ مقدمة مهمة في بيان الفرق بين القرائن والدليل،والفرق بين المجتهد المصيب والمعذور والمجتهد المتلون...
وبعد،
فاعلم أخي الكريم أنّ مراتب الإحتجاج عند الناس تتفاوت باعتبارات عديدة، نتعرض لأحد جزئيات هذا الباب وهو الفرق بين القرينة والدليل فيما يلي:
القرينة: لغة : من الإقتران وهو المصاحبة، وفي الإصطلاح: هي أمر يشير إلى المطلوب، ويدل عليه دلالة غير صريحة.
(القرائن أو شواهد الحال أو الآمارات تفيد مرادا واحدا)
نصوص شرعية حول القرينة:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : (البكر تستأمر، وإذنها سكوتها) وفي دليل إعمال.
قول الله عزّ وجل: (وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين . وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصادقين) وفيه حكاية حال.
مراتب قوة القرينة:
تتفاوت قوة القرائن، فمنها ما ينزل منزلة الدليل فيحكم به مستقلا، مثل: سكوت البكر إذن في الخطبة، ومنها ما يكون ضعيفا، فلا يعمل به من باب الإستدلال، وإنما من باب الإشتباه والإستئناس.
فالقرائن يعمل بها في كل حال، لكن يختلف هذا العمل باختلاف قوة القرينة، وأقل أحوال العمل بالقرينة: الإشتباه والإستئناس.
فقد تفيد القرينة عدّة أحكام باعتبار جهة الإعمال.
وكثرة قرائن الشيء يزيد قوة الإشارة إليه.
مثل:
مجالسة أهل السوء تفيد الإشتباه.
كثرة التعبد تفيد الإستئناس في المعاملات.
تنبيه: الشبهة تدرأ الحكم والحد، ولا تنفي سوء الظن والحذر.
وطريقة استخدام القرائن فيصل في فطنة القاضي -أو المفتي- وتميّزه.
والعمل بالقرائن هو سبب تأليف ابن القيم –رحمه الله- لكتابه "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية".
ومما قاله حول العمل بالقرائن والأمارات: (فهذه مسألة كبيرة عظيمة النفع، جليلة القدر، إن أهملها الحاكم أو الوالي أضاع حقًّا كثيرًا، وأقام باطلًا كبيرًا، وإن توسع فيها، وجعل معوّله عليها دون الأوضاع الشرعية، وقع في أنواعٍ من الظلم والفساد) اهـ -الطرق الحكمية [1/4]
فإهمال العمل بالقرائن قرينة على عدم أهلية الحاكم، وفيه إضاعة للحق واهله.
والتوسع فيها أو إنزالها منزلة اليقين فيه ظلم وإجحاف.
وعدم ضبط هذا الباب، سبب من أسباب التعجل أو التلون، وسبب من أسباب التميع أو الغلو.
فكم رأينا أهل الغلو وأهل التمييع يستدلون بالمنامات!
وكم رأينا منهم ردّ الإعتراضات الشرعية الواضحة بقولهم لدينا ثقة في فلان وصلاحه!
والأمثلة كثيرة ومن عايشها لا تخفى عليه.
الدليل: ونقصد به الدليل الصحيح في دلالته على المطلوب، حيث: يستفاد من الحكم الشرعي على سبيل القطع، بغض النظر عن رتبة دلالة الدليل في ذاته.
فإعماله في إصدار الأحكام بتوسع لايأتي منه الضرر بل يزيدها صحة، وعدم إعماله يقتضي فساد الحكم.
وقد عرضنا بايجاز الفرق بين القرائن والأدلة، لما لهذا من أهمية في بيان الإجتهاد الصحيح من غيره، وما ينبني على هذا في بيان أحوال القضاة والمفتين.
مراتب تعامل الناس مع الأدلة والقرائن:
اعلم رحمك الله أن الحكام – القضاة ، أهل الفتوى - له أحوال، فهناك:
1 - من أصدر حكما بدليل ظاهر بيّن فقد أصاب كبد الحقيقة.
2- من أصدر حكما بناء على ما ظنه دليلا، فقد أخطأ.
3- أن يحكم بقرينة - لا تفيد القطع – دون اعتماد دليل، فهذا متعجل.
4- أن يحكم بما لاح له من هواه، فهذا رجل سوء اتّخذ الشرعية مطية، ولن يعدم المبطل دليلا،
5- أن يتغير حكمه حول المسألة فهذا راجع لأحوال:
في حالة رجوعه إلى الصواب نجد الأحوال التالية:
أ- أنه أصدر حكما بناء على ما ظنه دليلا ثم بان له الخطأ فرجع فهذا باحث عن الحق أصابه.
ب- أنّه أصدرالحكم بناء على قرائن – لاتفيد القطع- فهذا متعجل تاب.
ت- أنه أصدر الحكم بناء على هوى وانفعال نفسي ثم ثاء إلى رشده.
ث- أنه أصدر الحكم بناء على هوى وانفعال نفسي ثمّ لاح له هوى غيره فهذا متلون يتخذ الشرع مطية.
هذا إن كان تغير حكمه إلى الحق، أما إن كان تغير حكمه إلى غير الحق فهو لا يخرج غالبا عن الصورة: الثانية أو الثالثة أو الرابعة.
في الفرق بين إثبات الحكم الشرعي وإنفاذه:
قد يتفق أهل الإجتهاد حول الحكم الشرعي حول أمر ما لكن يختلفون في إعلانه أو إنفاذه باختلاف نظرتهم للمصالح والمفاسد.
في بيان المتلون من المجتهد الذي بذل جهده فأخطأ في حالة تغيّر الحكم و الفتوى:
التفريق بين المجتهد – صاحب الأهلية في النظر- المخطئ، والمتلون، ينبني على:
1- أمور يدركها المرء من نفسه
مثل إدراك المرء أن الفتوى أو الحكم الذي أصدره لم يصدره وفق ما تقتضيه طرق الإستدلال الشرعية، بل إصداره كان بناء على هوى أو شهوة.
وقد يكون المرء متلونا متقحما لباب الفتوى والحكم من غير دراية منه لجهله فمثل هذا ينجيه التعليم والأطر ومحاسبة النفس.
2- وأمور يدركها المرء من غيره:
حيث تدرك أن الحاكم –أو المفتي – متلون في أحكامه بناء على هذه الأمور ومنها:
بناء حكمه الثاني بناء على علل يعلم قيامها سابقا في حكمه الأول.
فمثلا:ترى المرء يفتي بأن التغلب طريقة غير شرعية بكل صوره،ويبذل جهده☟
وبعد،
فاعلم أخي الكريم أنّ مراتب الإحتجاج عند الناس تتفاوت باعتبارات عديدة، نتعرض لأحد جزئيات هذا الباب وهو الفرق بين القرينة والدليل فيما يلي:
القرينة: لغة : من الإقتران وهو المصاحبة، وفي الإصطلاح: هي أمر يشير إلى المطلوب، ويدل عليه دلالة غير صريحة.
(القرائن أو شواهد الحال أو الآمارات تفيد مرادا واحدا)
نصوص شرعية حول القرينة:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : (البكر تستأمر، وإذنها سكوتها) وفي دليل إعمال.
قول الله عزّ وجل: (وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين . وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصادقين) وفيه حكاية حال.
مراتب قوة القرينة:
تتفاوت قوة القرائن، فمنها ما ينزل منزلة الدليل فيحكم به مستقلا، مثل: سكوت البكر إذن في الخطبة، ومنها ما يكون ضعيفا، فلا يعمل به من باب الإستدلال، وإنما من باب الإشتباه والإستئناس.
فالقرائن يعمل بها في كل حال، لكن يختلف هذا العمل باختلاف قوة القرينة، وأقل أحوال العمل بالقرينة: الإشتباه والإستئناس.
فقد تفيد القرينة عدّة أحكام باعتبار جهة الإعمال.
وكثرة قرائن الشيء يزيد قوة الإشارة إليه.
مثل:
مجالسة أهل السوء تفيد الإشتباه.
كثرة التعبد تفيد الإستئناس في المعاملات.
تنبيه: الشبهة تدرأ الحكم والحد، ولا تنفي سوء الظن والحذر.
وطريقة استخدام القرائن فيصل في فطنة القاضي -أو المفتي- وتميّزه.
والعمل بالقرائن هو سبب تأليف ابن القيم –رحمه الله- لكتابه "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية".
ومما قاله حول العمل بالقرائن والأمارات: (فهذه مسألة كبيرة عظيمة النفع، جليلة القدر، إن أهملها الحاكم أو الوالي أضاع حقًّا كثيرًا، وأقام باطلًا كبيرًا، وإن توسع فيها، وجعل معوّله عليها دون الأوضاع الشرعية، وقع في أنواعٍ من الظلم والفساد) اهـ -الطرق الحكمية [1/4]
فإهمال العمل بالقرائن قرينة على عدم أهلية الحاكم، وفيه إضاعة للحق واهله.
والتوسع فيها أو إنزالها منزلة اليقين فيه ظلم وإجحاف.
وعدم ضبط هذا الباب، سبب من أسباب التعجل أو التلون، وسبب من أسباب التميع أو الغلو.
فكم رأينا أهل الغلو وأهل التمييع يستدلون بالمنامات!
وكم رأينا منهم ردّ الإعتراضات الشرعية الواضحة بقولهم لدينا ثقة في فلان وصلاحه!
والأمثلة كثيرة ومن عايشها لا تخفى عليه.
الدليل: ونقصد به الدليل الصحيح في دلالته على المطلوب، حيث: يستفاد من الحكم الشرعي على سبيل القطع، بغض النظر عن رتبة دلالة الدليل في ذاته.
فإعماله في إصدار الأحكام بتوسع لايأتي منه الضرر بل يزيدها صحة، وعدم إعماله يقتضي فساد الحكم.
وقد عرضنا بايجاز الفرق بين القرائن والأدلة، لما لهذا من أهمية في بيان الإجتهاد الصحيح من غيره، وما ينبني على هذا في بيان أحوال القضاة والمفتين.
مراتب تعامل الناس مع الأدلة والقرائن:
اعلم رحمك الله أن الحكام – القضاة ، أهل الفتوى - له أحوال، فهناك:
1 - من أصدر حكما بدليل ظاهر بيّن فقد أصاب كبد الحقيقة.
2- من أصدر حكما بناء على ما ظنه دليلا، فقد أخطأ.
3- أن يحكم بقرينة - لا تفيد القطع – دون اعتماد دليل، فهذا متعجل.
4- أن يحكم بما لاح له من هواه، فهذا رجل سوء اتّخذ الشرعية مطية، ولن يعدم المبطل دليلا،
5- أن يتغير حكمه حول المسألة فهذا راجع لأحوال:
في حالة رجوعه إلى الصواب نجد الأحوال التالية:
أ- أنه أصدر حكما بناء على ما ظنه دليلا ثم بان له الخطأ فرجع فهذا باحث عن الحق أصابه.
ب- أنّه أصدرالحكم بناء على قرائن – لاتفيد القطع- فهذا متعجل تاب.
ت- أنه أصدر الحكم بناء على هوى وانفعال نفسي ثم ثاء إلى رشده.
ث- أنه أصدر الحكم بناء على هوى وانفعال نفسي ثمّ لاح له هوى غيره فهذا متلون يتخذ الشرع مطية.
هذا إن كان تغير حكمه إلى الحق، أما إن كان تغير حكمه إلى غير الحق فهو لا يخرج غالبا عن الصورة: الثانية أو الثالثة أو الرابعة.
في الفرق بين إثبات الحكم الشرعي وإنفاذه:
قد يتفق أهل الإجتهاد حول الحكم الشرعي حول أمر ما لكن يختلفون في إعلانه أو إنفاذه باختلاف نظرتهم للمصالح والمفاسد.
في بيان المتلون من المجتهد الذي بذل جهده فأخطأ في حالة تغيّر الحكم و الفتوى:
التفريق بين المجتهد – صاحب الأهلية في النظر- المخطئ، والمتلون، ينبني على:
1- أمور يدركها المرء من نفسه
مثل إدراك المرء أن الفتوى أو الحكم الذي أصدره لم يصدره وفق ما تقتضيه طرق الإستدلال الشرعية، بل إصداره كان بناء على هوى أو شهوة.
وقد يكون المرء متلونا متقحما لباب الفتوى والحكم من غير دراية منه لجهله فمثل هذا ينجيه التعليم والأطر ومحاسبة النفس.
2- وأمور يدركها المرء من غيره:
حيث تدرك أن الحاكم –أو المفتي – متلون في أحكامه بناء على هذه الأمور ومنها:
بناء حكمه الثاني بناء على علل يعلم قيامها سابقا في حكمه الأول.
فمثلا:ترى المرء يفتي بأن التغلب طريقة غير شرعية بكل صوره،ويبذل جهده☟