قناة تأريخ


Channel's geo and language: not specified, not specified
Category: not specified


قناة عامة تختص بلقضايا التاريخية فقط

Related channels

Channel's geo and language
not specified, not specified
Category
not specified
Statistics
Posts filter


نكمل معأ تكملة سيرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام

ما اكثر تعاليمه واكثر عظاته ونصائحه ، وستأتي لها فصول خاصّة ، وإنما نذكر منها هاهنا ما يخصّ طلب العلم.

قال عمرو بن أبي المقدام ) : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام في أوّل مرّة دخلت عليه : تعلّموا الصدق قبل الحديث ).

أقول : ما أثمنها نصيحة ، وما زال يوصي كلّ من دخل عليه من أوليائه بالصدق وأداء الأمانة ، ولا بدع فإن بهما سعادة المرء في هذه الحياة ، ووفرة المال والجاه ، والطمأنينة إليه ، والرضى به للحكومة بين الناس.

وأما إرشاده الى طلب العلم فما اكثر قوله فيه ، فتارة يقول عليه‌السلام : لست أحبّ أن أرى الشاب منكم إلاّ غاديا في حالين ، إما عالما أو متعلّما ، فان لم يفعل فرط ، وإن فرط ضيّع ، وإن ضيّع أثم ).

واخرى يقول : اطلبوا العلم وتزيّنوا معه بالحلم والوقار ) وما اقتصر على حثهم على طلب العلم ، بل حثّهم على ما يزدان به من الحلم والوقار ، بل والتواضع كما في قوله عليه‌السلام : « وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم ، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبّارين ، فيذهب باطلكم بحقكم » ).

أقول : ما أدقّها نصيحة ، وأسماه تعليما ، فإن العلم لا ينفع صاحبه ولا الناس ما لم يكن مقرونا بالتواضع ، سواء كان المتحلّي به معلّما أو متعلّما ، وأن الناس لتنفر من ذي الكبرياء ، فيكون الجبروت ذاهبا بما عنده من حق.

ويقول عليه‌السلام في إرشاده لطالب العلم : ولا تطلب العلم لثلاث : لترائي به ، ولا لتباهي به ، ولا لتماري به ، ولا تدعه لثلاث : رغبة في الجهل وزهادة في العلم ، واستحياء من الناس ، والعلم المصون كالسراج المطبق عليه .

أقول : إن الصادق عليه‌السلام يريد أن يكون طلب العلم للعلم ولنفع الامّة ، فلو طلبه المرء للرياء أو المباهاة أو المجادلة لما انتفع ونفع ، بل لتضرّر وأضرّ ، كما أن تركه للرغبة في الجهل والزهد في العلم كاشف عن الحمق ، ولا خير في حياء يقيمك على الرذيلة ويبعد عنك الفضيلة ، ولا يكون انتفاع الناس بالعلم إلاّ بنشره ، وما فائدة السراج اذا اطبق عليه.

ولنفاسة العلم حضّ على طلبه وإن كلّف غاليا ، فقال : اطلبوا العلم ولو بخوض المهج وشقّ اللجج 

نكمل لاحقا


نكمل معأ تكملة سيرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام

فلا غرابة لو حكم العقل بأن الواجب عليه سبحانه أن ينصب في كلّ عهد عالما يدلّ الناس على الشريعة كما جاءت ، ويأتيهم بالأحكام كما نزلت ، وهل يجوز ذلك على أحد سوى عليّ وبنيه؟ وهذه آثارهم العلميّة بين يديك فاستقرئها ، لعلّك تجد على النور هدى ، ولو لم يكن لدنيا أثر أو دليل إلاّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها ) » ، وقوله : « إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي » ) ، لكفى في كون أهل البيت علماء الشريعة والكتاب ، الذين أخذوا العلم من معدنه ، واستقوه من ينبوعه ، ولو كان علمهم بالاكتساب لما جعلهم الرسول علماء الكتاب عمر الدهر دون الناس ، وما الذي ميّزهم على الناس اذا كانوا والناس في العلم سواء.

وممّا يسترعي الانتباه أن الناس كانوا محتاجين الى علمهم أبدا ، وكلّما رجعوا إليهم في أمر وجدوا علمه عندهم ، وما احتاجوا إلى علم الناس أبدا.

ولا نريد أن نلمسك هذه الحقيقة بالأخبار دون الآثار ، فإن في الآثار ما به غنى للبصر ، وهذه آثارهم شاهدة على صدق ما ادّعوه وادعي فيهم ، وأمر حقيق بأن تنتبه إليه ، وهو أن الجواد عليه‌السلام انتهت إليه الامامة وهو ابن سبع ، ونهض بأعبائها ، وقام بما قام به آباؤه من التعليم والإرشاد ، وأخذ منه العلماء خاضعين مستفيدين ، وما وجدت فيه نقصا عن علوم آياته وهذا عليّ بن جعفر شيخ العلويّين في عهده سنّا وفضلا اذا أقبل الجواد يقوم فيقبّل يده ، وإذا خرج يسوّي له نعله ، وسئل عن الناطق بعد الرضا عليه‌السلام فقال : أبو جعفر ابنه

فقيل له : أنت في سنّك وقدرك وأبوك جعفر بن محمّد تقول هذا القول في هذا الغلام ، فقال ما أراك إلاّ شيطانا ثمّ أخذ بلحيته وقال : فما حيلتي إن كان الله رآه أهلا لهذا ولم ير هذه الشيبة لها أهلا ( هذا وعليّ بن جعفر أخ الكاظم عليه‌السلام والكاظم جدّ الجواد ، فما ذا ترى بينهما من السن ، وعلي أخذ العلم من أبيه الصادق وأخيه الكاظم وابن أخيه الرضا ، فلو كان علمهم بالتحصيل لكان علي اكثر تحصيلا ، أو الإمامة بالسنّ لكان علي اكبر العلويّين سنّا.

على أن الجواد قد فارقه أبوه يوم سافر الى خراسان وهو ابن خمس ، فمن الذي كان يؤدّبه ويثقّفه بعد أبيه حتّى جعله بتلك المنزلة العليّة لو كان ما عندهم عن تعلّم وتأدّب؟ ولم لا يكون المعلّم والمثقف هو صاحب المنزلة دونه.

ومات الجواد وهو ابن خمس وعشرين سنة وأنت تعلم أن ابن هذا السنّ لم يبلغ شيئا من العلم لو أنفق عمره هذا كلّه في الطلب فكيف يكون عالم الامّة ومرشدها ، ومعلّم العلماء ومثقّفهم ، وقد رجعت إليه الشيعة وعلماؤها من يوم وفاة أبيه الرضا عليه‌السلام؟

وهكذا الشأن في ابنه عليّ الهادي عليه‌السلام ، فقد قضى الجواد وابنه الهادي ابن ست أو ثمان ، فمن الذي ثقّفه وجعله بذلك المحلّ الأرفع؟ وكيف رجعت إليه العلماء والشيعة وهو ابن هذا السن؟ وما ذا يحسن من كان هذا عمره لو كان علمه بالكسب؟

فالصادق كسائر الأئمة لم يكن علمه كسيبا وأخذا من أفواه الرجال ومدارستهم ، ولو كان فممّن أخذ وعلى من تخرّج؟ وليس في تأريخ واحد من الأئمة عليهم‌السلام أنه تلمذ أو قرأ على واحد من الناس حتّى في سنّ الطفولة فلم

يذكر في تأريخ طفولتهم أنه دخلوا الكتاتيب أو تعلّموا القرآن على المقرئين كسائر الأطفال من الناس ، فما علم الامام إلاّ وراثة عن أبيه عن جدّه عن الرسول عن جبرئيل عن الجليل تعالى ، وسوف نشير الى بعض آثاره العلميّة والى تعليمه لتلامذته ، وما سواها ممّا هو دخيل في حياته العلميّة.

نكمل لاحقا


نكمل معأ تكملة سيرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام


حياته العلميّة

علمه إلهامي :

لا فضيلة كالعلم ، فإن به حياة الامم وسعادتها ، ورقيّها وخلودها ، وبه نباهة المرء وعلوّ مقامه وشرف نفسه.

ولا غرابة لو كان العلم أفضل من العبادة أضعافا مضاعفه ، لأنّ العابد صالح على طريق نجاة قد استخلص نفسه فحسب ، ولكن العالم مصلح يستطيع أن يستخرج عوالم كبيرة من غياهب الضلال ، وصالح في نفسه أيضا ، وقد فتح عينيه في طريقه ، ومن فتح عينه أبصر الطريق وليس في الفضائل ما يصلح الناس وينفعهم ويبقى أثره في الوجود مثل العلم ، فإن العبادة والشجاعة والكرم وغيرها اذا نفعت الناس فإنما نفعها ما دام صاحبها في الوجود ، وليس له بعد الموت إلاّ حسن الاحدوثة ، ولكن العالم يبقى نفعه ما دام علمه باقيا ، وأثره خالدا.

وقد جاء في السنّة الثناء العاطر على العلم وأهله ، كما جاء في الكتاب آيات جمّة في مدحه ومدح ذويه ، وهذا أمر مفروغ عنه ، لا يحتاج الى استشهاد واستدلال.

نعم إنما الشأن في أن هذا الثناء خاصّ بالعلم الديني وعلمائه ، أو عامّ لكلّ علم وعالم؟ إخال أن الاختصاص بعلم الدين وعلمائه لا ينبغي الريب فيه

فإن الأحاديث صرّحت به ، وكفى من الكتاب قوله تعالى : « إنما يخشى الله من عباده العلماء »  وقد لا تجد خشية عند علماء الصنعة وما سواهم غير علماء الدين ، بل إن بعضهم قد لا تجده يعترف بالوجود أو بالوحدانيّة.

وما استحق علماء الدين هذا الثناء إلاّ لأنهم يريدون الخير للناس ويسعون له ما وجدوا سبيلا ومتى كانوا وجدتهم أدلاّء مرشدين هداة منقذين.

وعلم الدين إلهامي وكسبي ، والكسبي يقع فيه الخطأ والصواب والصحّة والغلط ، وغلط العالم وخطأه يعود على العالم كلّه بالخطإ والغلط ، لأن النّاس أتباع العلماء في الأحكام والحلال والحرام ، والله جلّ شأنه لا يريد للناس إلاّ العمل بالشريعة التي أنزلها ، والأحكام التي شرّعها ، فلا بدّ إذن من أن يكون في الناس عالم لا يخطأ ولا يغلط ، ولا يسهو ولا ينسى ، ليرشد الناس الى تلك الشريعة المنزلة منه جلّ شأنه ، والأحكام المشرّعة من لدنه سبحانه ، فلا تقع الامّة في أشراك الأخطاء وحبائل الأغلاط ، ولا يكون ذلك إلاّ اذا كان علم العالم وحيا أو إلهاما.

فمن هنا كان حتما أن يكون علم الأنبياء وأوصياءهم من العلم الإيحائي أو الإلهامي صونا لهم وللامم من الوقوع في المخالفة خطأ.

والله تعالى قد أنزل شريعة واحدة لا شرائع ، وفي كلّ قضيّة حكما لا أحكاما ، ونصب للامّة في كلّ عهد مرشدا لا مرشدين ، ونجدها اليوم شرائع ولها مشرّعون لا شريعة واحدة ومشرّعا واحدا ، ونرى في كلّ قضيّة أحكاما لا حكما واحدا ، وفي كلّ زمن مرشدين متخالفين متنابذين بل يكفر بعضهم بعضا ، ويبرأ بعضهم من بعض لا مرشدا واحدا ، وليس هذا ما جاء به المصلح

الأكبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا ما أراده لامّته.

نكمل لاحقا


نكمل معأ تكملة سيرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام


مواقفه مع المنصور وولاته

رزق أهل البيت فيما رزقوا الحكمة وكفى بها فضيلة ، ولربما تعجب من مواقف الصادق مع المنصور ورجاله فإنك تارة تجده يلين بالقول ويجهد في براءته واخرى يلاقيهم بالشدّة والعنف دون أن يعترف بشيء وإن أساءهم موقفه.

والصادق أعرف بما يقول ويفعل ، فقد يلين اذا عرف أن اللين أسلم ، وقد يخشن إذا عرف أن الخشونة ألزم ، وليس اللين محمودا في جميع الأوقات والحالات ، غير أن التمييز بين المواقف يحتاج إلى حكمة وعرفان ، فبينا تجده يخاطب المنصور بقوله : « والله ما فعلت ولا أستحلّ ذلك ولا هو من مذهبي وإني ممّن يعتقد طاعتك في كلّ حال وقد بلغت من السنّ ما قد أضعفني عن ذلك لو أردته فصيّرني في بعض حبوسك حتّى يأتيني الموت فهو منّي قريب » واذا به يقول للمنصور على لسان الرسول : « فإن كففت وإلاّ أجريت اسمك على الله عزّ وجل في كلّ يوم خمس مرّات » إلى كثير من الموقفين ، كما عرفت كثيرا من مواقف اللين ، وستعرف الآن بعض المواقف من الشدّة.

إنّا وإن غبنا عن ذلك العهد لكننا لم نغب عن معرفة نفسيّة الامام الصادق عليه‌السلام ونفسيّة الدوانيقي ، كما لم نغب عن تأريخ الحوادث في ذلك العهد.

إن المنصور وإن ملك البلاد باسم الخلافة لكنه يعلم أن صاحبها حقا هو الصادق عليه‌السلام ، وأنه صاحب كلّ فضيلة وأنه لو أراد الأمر لم يطق المنصور

أن يحول دونه ، فمن ثمّ تراه أحيانا يصفح عن وخزات الصادق عليه‌السلام لا يريد أن تزداد الملاحاة في الكلام فتثير كوامن النفوس فتهيج ما يخافه من وثبة وثورة ، غير أن شدّة الحبّ للملك والملك عقيم ، والحبّ يعمي ويصمّ ، تبعث المنصور على الاساءة للصادق والسعي لإهلاكه ، فاذا عرف الصادق أن الموقف من الأوّل انبعث لإظهار الحقّ ، وأن الموقف من الثاني قابله بلين ليكفّ بغيه وعدوانه

نكمل لاحقا


نكمل معأ تكملة سيرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام

الصادق والمحن

كفى في امتحان أهل الدين هذا التصارع الدائم بين الدين والدنيا وقلّما ائتلفا في عصر ، ولولاه لما كانت التقيّة ، ولما كانت تلك الفوادح النازلة بساحة أهل البيت.

ليس الصراع بين أهل البيت وبين اميّة والعبّاس غريبا ما دام أهل البيت مثال الدين ، واولئك مثال الدنيا.

يعلم المروانيّون والعبّاسيّون أن الصادق عليه‌السلام زعيم هذا التصارع ولئن صمت عن مصارعتهم بالحراب فلا يكفيهم أمانا من حربه لهم ، ولربما كان الصمت نفسه أداة الصراع أو هو الصراع نفسه ، فإن السكوت قد يكون جوابا كما يقولون.

فمن ثمّ تجدهم يوجّهون إليه عوادي المحن كلّ حين ، وما كفّهم عن تعاهده بالأذى ذلك الانعزال والانشغال بالعبادة والعلم ، فإن هذا الشغل هو سلاح الحرب ، لأنه ظاهرة الدين وبه تتّجه الأنظار إليه ، وكلّما ارتفع مقام الصادق قويت شوكة الدين ، وإذا قوي الدين انصرع أهل الدنيا.

ولو لا تشاغل الامويّين بالفتن بينهم لما أبقوا على الصادق عليه‌السلام ، كما لم يبقوا على آبائه ، أجل كأنهم تركوا ذلك إلى أبناء عمّه الأقربين 

واولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض »! 

كانت أيام السفّاح أربع سنين ، وهذا الزمن لا يكفي لتطهير الأرض من أميّة ، ولبناء اسّ الملك وترسيخ دعائمه ، فلم يشغله ذلك عن الصادق عليه‌السلام ، فإنه لم يطمئن بعد من أميّة والروح الموالية لهم ، ولم يفرغ من تأسيس ذلك البناء حتّى أرسل على الصادق من المدينة إلى الحيرة ، ليفتك به ، ولكن كفى بالأجل حارسا.

ولما ذا كان الصادق إحدى شعب همّه ، وهو ابن عمّهم الذي اشتغل بالعبادة والتعليم والارشاد ، والذي أخبرهم بما سيحظون به من الملك دون بني الحسن ، وقد كانوا بأضيق من جحر الضب من بني أميّة ، وأقلق من الريشة في مهبّ الريح خوفا منهم.

ما كان يدفع السفّاح على ذلك العمل الشائن إلاّ ما قلناه من ذلك الصراع حذرا من أن يتّجه الناس إلى الصادق عليه‌السلام ، ويعرفوا منزلته ، والناس إلى ذلك العهد كانت ترى أن الخلافة مجمع السلطتين الروحيّة والزمنيّة ، ولا تراها سلطانا خالصا لا علاقة لها بالدين ، فلا يصرف الناس عن الصادق أنه رجل الدين الخالص ، بل أن هذا ادّعى عند بعض الناس للامامة ، ليكونوا منه في أمان على دنياهم ، كما هم في أمان على دينهم.

نكمل لاحقا


نكمل معأ تكملة سيرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام

وأمّا أثر التقيّة في خدمة الدين والمجتمع الشيعي فلا يكاد يجهل ، فإن الكوفة أيام زياد ضعف فيها التشيّع حتّى لم يبق بها من الشيعة معروف وبلغ الحال بها أيام الحجّاج إلى أن ينسب الرجل إلى الكفر والزندقة أحبّ إليه من أن ينسب إلى التشيّع ، ولكن لم تمض برهة على تشديدهم على الشيعة في اعتزال الناس والسياسة واختفائهم وراء حجب التقيّة حتّى بلغ رواة الصادق عليه‌السلام أربعة آلاف أو يزيدون كما أحصاهم ابن عقدة ، والشيخ الطوسي طاب ثراه في كتاب الرجال ، والطبرسي في أعلام الورى ، والمحقّق الحلّي في المعتبر ، وكان اكثرهم من أهل الكوفة ، وكان الحسن بن علي الوشاء ( يقول : لو علمت أن هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه فإني أدركت في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ كلّ يقول : حدّثني جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، على أن الوشاء لم يدرك من تلك الطبقة إلاّ قليلا.

فهنا تعرف السرّ لما ذا كثرت الرواية عنه عليه‌السلام؟ ولما ذا صار منهل العلوم والمعارف ومصدر الأحكام والحكم؟ ولما ذا صار مذهبا لأهل التشيّع؟

ولما ذا روى عنه حتّى أئمة القوم وأعلامهم ، أمثال مالك وأبي حنيفة والسفيانين وأيوب السختياني وشعبة وابن جريح وغيرهم؟ ، كلّ ذلك لما كان عليه من البعد عن مجتمع الناس الذي يجلب التهمة إليه بطلب الرئاسة والخلافة ، ولتستّره في نشر العلم والأخلاق ، ولو لا ذلك لما ظهرت علومه وفضائله ، ولو لا ذلك لما عرف الناس شأن أهل البيت وحقيقة القرآن وعلوم الدين ، ولو لا ذلك لما وضح ما كان عليه أرباب السلطتين ، ولو لا ذلك لما بادت كثير من الفرق الباطلة ، وقامت الحجّة عليها من ذوي الفقه والكلام ، ولو لا ذلك لما بلغت الشيعة سبعين مليونا ، وحلّت في كلّ صقع واحتلّت كثيرا من البلاد 

فمن هاهنا تعرف أثر التقيّة في خدمة الدين والشريعة ، وردّ عوادي الظلم والضلالة ، وتعريف الناس حقائق الايمان ، وبطلان الشبهات والمبتدعات.

فلا أخالك بعد هذا البيان تصغي إلى شيء من الغمز في التقيّة ونسبة الشيعة إلى الباطنيّة من جرّاء ذلك التكتّم في الاعتقاد ، والتستّر في المذاهب.

وما كان هذا الإسهاب إلاّ لرفع النقاب عن محيا الحقيقة لمن يزعم أن التقيّة مجهولة المحاسن ، لأنها حجاب كثيف وعسى أن يكون ما وراء الحجاب ألف عيب وألف نقص ، ومن يتّقي في عقيدته كيف يعرف الناس ما لديه ويرون جمال ما يضمره ، أترى يصحّ هذا الغمز والنبز بعد ما ألمسناك فوائدها ، وأريناك منافعها؟

على أن اليوم بفضل المطابع قد انتشرت علوم الشيعة وعقائدهم ، فأين الكتمان وأين الاتّقاء؟ وما كان الاتّقاء إلاّ في ذلك العهد يوم كانت الشيعة

قليلي العدد والاهبة ، ولو مسحهم السيف لم يبق للبيت وأهله ذكر وعلم وحجّة ورواية ، وأمّا اليوم فهم في جنّة واقية من نشر هاتيك الكتب التي ملأت الخافقين ، ولم تدع عذرا لكاتب وقارىء يزعمان أن مذهب الاماميّة باطنيّا يتستّر بالتقيّة ، لا نعرف مباديه وعقائده ، ولا اصوله وفروعه ، فإن كتبهم بالأيدي ، في كلّ علم وفن ، ومصادرهم مقروّة ومداركهم مبثوثة

نكمل لاحقا


نكمل معأ تكملة سيرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام

ابتداء التقيّة ومبرّراتها :

ما كانت تقيّة الشيعة مبتدأة من عصر الصادق عليه‌السلام بل كانت من عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام حتّى أنه كان قد استعمل التقيّة بنفسه في اكثر أيامه ، إنك لتعلم أنه من بدء الخلافة كان يرى أن الخلافة له ، ويراها ثلّة من الناس فيه ، ولكنّه لمّا لم يجد أنصارا وادع وصمت هو وأصحابه ، ولو وجد أربعين ذوي عزم منهم لناهض القوم ـ على حدّ تعبيره نفسه ـ وان النّاس حتّى من يخالفه لتعلم أن له رأيه في القوم ومن ثمّ أرادوه للبيعة في الشورى على اتباع سيرة السلف فأبى إلاّ على كتاب الله وسنّة رسوله.

وكان يتكتّم كثيرا بما يرى التقيّة في إبدائه حتّى بعد ما صار الأمر إليه لعلمه بأن في الناس من يخالفه ويناوئه ، فلو باح بكلّ ما عنده لم يأمن خلاف الناس عليه ، كيف وقد نكثت طائفة ، وقسطت اخرى ، ومرق آخرون ، فلو صارح بكلّ ما يعلم ويرى لانتقضت عليه أطراف البلاد.

ومع أن الكوفة يغلب عليها الولاء والتشيّع وهي عاصمة ملكه ما استطاع أن يغيّر فيها كلّ ما ورثوه من العهد السابق ، كما لم يطق أن يبوح فيها بكلّ ما يعلم إلاّ القليل ، هذا وهو صاحب السلطتين : الروحيّة والزمنيّة ، فكيف إذن به يوم كان أعزل ، وكيف بأولاده والسطوة والقوّة عليهم.

لم يتّخذوا التقيّة جنّة إلاّ لما يعلمون بما يجنيه عليهم وعلى أوليائهم ذلك الإعلان ، وقد أمر بها أمير المؤمنين قبل بنيه ، فإنه قال في بعض احتجاجاته كما يرويه الطبرسي  في الاحتجاج : وآمرك أن تستعمل التقيّة في دينك ـ إلى أن

يقول ـ : وتصون بذلك من عرف من أوليائنا واخواننا فإن ذلك أفضل من أن تتعرّض للهلاك ، وتنقطع به عن عمل في الدين وصلاح إخوانك المؤمنين ، وإيّاك ثم إيّاك أن تترك التقيّة التي أمرتك بها فإنك شاحط بدمك ودماء إخوانك ، متعرّض لنفسك ولنفسهم للزوال ، مذلّ لهم في أيدي أعداء الدين وقد أمرك الله بإعزازهم ، فإنك إن خالفت وصيّتي كان ضررك على إخوانك ونفسك أشدّ من ضرر الناصب لنا الكافر بنا.

فانظر كيف يأمر أمير المؤمنين وليّه بالتقيّة ، ويكشف له عن فوائدها والضرر في خلافها.

ظهر التشيّع والشيعة أيام أمير المؤمنين ، لأن السلطان بيده مرجعه ومآله حتّى عرفتهم أعداؤهم في كلّ مصر وقطر ، فما ذا ترى سيحلّ بهم بعد تقويض سلطانه؟

لقد حاربهم معاوية بكلّ ما اوتي من حول وقوّة وحيلة وخديعة ، فكان من تلك الوسائل سبابه لأبي الحسن وأمره به ليربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير كما يقول هو ، وفي ذلك أيّ حرب لهم و

إذلال ، ثمّ قتل المعروفين من رجالهم ، والمشهورين من أبدالهم وكان أكثرهم بالكوفة فاستعمل عليهم زيادا وضمّ إليه البصرة وهو بهم عارف ، يقول المدائني : فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطردهم وشرّدهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم 

وأمّا الذين لم يتمكّنوا من الهرب لمعروفيّتهم في البلاد أو هربوا وأدركهم الطلب فكان نصيبهم الموت الأحمر ، أمثال حجر بن عدي وأصحابه ،

نكمل لاحقا


نكمل معأ تكملة سيرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام

من هو الصادق؟

حقّا على الكاتب أن يعطي صورة إجمالية للمترجم له قبل أن يتغلغل في أعماق الترجمة ، لئلاّ يكون غريبا عن القارئ عند قراءته لكلّ فصل من حياته.

وهنا رأيت أن أنقل شطرا من آراء العلماء في كلماتهم عن الصادق جعفر عليه‌السلام ، لأنها تعبّر عن آراء أجيال في هذه الشخصيّة الكريمة ، وإليك شيئا منها : فهذا الذهبي ) في ميزان الاعتدال ( ١ : ١٩٢ ) يقول عند ذكره للامام : « جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين الهاشمي أبو عبد الله أحد الأئمة الأعلام برّ صادق كبير الشأن ».

وممّا قاله النووي في تهذيب الأسماء واللغات ( ١ : ١٤٩ ـ ١٥٠ ) : « روى عنه محمّد بن إسحاق ، ويحيى الأنصاري ، ومالك ، والسفيانان ، وابن جريح ، وشعبة ، ويحيى القطّان ، وآخرون ، واتفقوا على إمامته وجلالته وسيادته ، قال عمرو بن أبي المقدام : كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد علمت أنه من سلالة النبيّين ».

وابن خلكان ) يقول : « أحد الأئمة الاثنى عشر على مذهب الاماميّة ، وكان من سادات أهل البيت ، ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته ، وفضله أشهر من أن يذكر ». وقال : « وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصوفي الطرطوسي  قد الّف كتابا يشتمل على ألف ورقة تتضمّن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة ، وقال : ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمّد الباقر ، وجدّه زين العابدين ، وعمّ جدّه الحسن بن علي عليهم‌السلام ، فلله درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه ».

والشبلنجي  في نور الأبصار ص ١٣١ يقول : « ومناقبه كثيرة تكاد تفوت حدّ الحاسب ، ويحار في أنواعها فهم اليقظ الكاتب » وقال : وفي حياة الحيوان الكبرى فائدة قال ابن قتيبة في كتاب أدب الكاتب : وكتاب الجفر كتبه الامام جعفر الصادق ابن محمّد الباقر ، فيه كلّ ما يحتاجون الى علمه الى يوم القيامة ، والى هذا الجفر أشار أبو العلاء بقوله :

لقد عجبوا لآل البيت لما

أتاهم علمهم في جلد جفر

فمرآة المنجم وهي صغرى

تريه كلّ عامرة وقفر

وقال محمّد الصبّان  في كتابه إسعاف الراغبين المطبوع على هامش نور

الأبصار ص ٢٠٨ : « وأمّا جعفر الصادق فكان إماما نبيلا. وقال : وكان مجاب الدعوة إذا سأل الله شيئا لا يتمّ قوله إلاّ وهو بين يديه ».

والشعراني ) في لواقح الأنوار يقول : « وكان سلام الله عليه اذا احتاج الى شيء قال : يا ربّاه أنا أحتاج الى كذا ، فما يستتمّ دعاؤه إلاّ وذلك الشيء بجنبه موضوع

نكمل لاحقا


نكمل معأ تكملة سيرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام

الإمامة

إن المسلمين على مذاهب في الإمامة بعد أن أجمعوا على وجوبها ، باعتبار أنّ الإمام هو الجامع لشتاتها ، والهادي لضلالها ، والناهض بها لنشر أعلام الشريعة ، وبثّ روح تعاليمها الحيّة.

ومن سياسة صاحب الشريعة وبدائع حكمة أمره بمعرفة الإمام ، حتّى أنه جعل « من مات ولم يعرف إمام زمانه ميتا على الجاهلية » ) ، كأن لم يدخل في ربقة الاسلام.

فهذا الفرض لو عمل به المسلمون ، وقاموا بما يحتّمه الواجب من معرفته والاستماع لقوله بعد الوصول إليه لأصبحوا جيشا واحدا وقائدهم الإمام ، فلا يبقى عند ذاك امرؤ مسلم يجعل أحكام الدين ، أو يعلمها ولا يعمل بها ، ولا يبقى بلد في العالم لا تخفق عليه بنود الاسلام.

كانت الخلافة والإمامة ميدانا للسباق ، لا يقبض على ناصيتها إلاّ من حاز قصب السبق ، ولو بالدماء المراقة ، والحرمات المنتهكة ، بل حتّى لو كان الخليفة نفسه بعد استلامه زمام الحكم ما جنا خليعا لا يبالي بما فعل.

نكمل لاحقا


نكمل معأ تكملة سيرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام

الشيعة :

كان التشيّع على عهد صاحب الشريعة الغرّاء وسمّى بعض الصحابة بالشيعة من ذلك اليوم ، أمثال سلمان وأبي ذر والمقداد وعمّار وحذيفة وخزيمة وجابر وأبي سعيد الخدري وأبي أيوب وخالد بن سعيد بن العاص وقيس بن سعد وغيرهم ).

والشيعة لغة : ـ الأتباع والأنصار والأعوان ، وأصله من المشايعة ـ المطاوعة والمتابعة ، ولكن هذا اللفظ اختصّ بمن يوالي عليّا وأهل بيته عليهم‌السلام ).

وأوّل من نطق بلفظ الشيعة قاصدا به من يتولّى عليّا والأئمة من بنيه هو صاحب الشريعة سيد الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد جاءت عنه في ذلك عدّة أحاديث (

وأما فرق الشيعة فهي كثيرة ، وقد أنهتها بعض كتب الملل والنحل إلى أكثر ممّا نعرفه عنها ، فذكرت فرقا كثيرة ، ورجالا تنسب الفرق إليهم ، أمثال الهشاميّة نسبة إلى هشام بن الحكم ، والزراريّة نسبة إلى زرارة بن أعين ، والشيطانيّة نسبة إلى مؤمن الطاق محمّد بن النعمان الأحول ، واليونسيّة نسبة إلى يونس بن عبد الرحمن ، إلى غيرها ، والحقّ اننا من أهل البيت وأهل البيت أدرى بما فيه لا نعرف عينا ولا أثرا لهذه الفرق ، ولا للبدع التي نسبت لهؤلاء الرجال.

وإنّ من نظر في كتب الحديث وكتب الرجال للشيعة عرف أن هؤلاء من خواصّ الأئمة الذين يعتمدون عليهم ويرجعون الشيعة إليهم ، ولو كان لهم آراء ومذاهب لا يرتضيها الأئمة لسخطوا عليهم وأبعدوهم عنهم ، ومن سبر ما جاء عنهم في الرجال الذين انتحلوا البدع لعلم أن هؤلاء برآء مما نسبوه إليهم ، فإنهم برءوا من ابن سبأ ولعنوه وحذّروا من بدعه ، وبرءوا من المغيرة بن سعيد حين صار يكذب على الباقر عليه‌السلام ويدّعي الأباطيل ، كما برىء الصادق عليه‌السلام من أبي الخطّاب وجماعته ، ومن أبي الجارود وكما قالوا في بني فضال : خذوا ما رووا ودعوا ما رأوا ، وكما برىء الحجّة المغيب من جماعة خلطوا في الدين وادّعوا أنهم أبوابه ، إلى غير هؤلاء ) ولو كان مثل هؤلاء الصفوة على مثل تلك الضلالات التي نسبت إليهم لكان نصيبهم من الأئمة نصيب غيرهم من الضالّين البراءة منهم والذمّ واللعن لهم.

نكمل لاحقا


Forward from: يَآ صآحٍب آلُأمرٍ ₃₁₃
ستقام على بركة الله جلسات مهدوية في هذه القناة المباركة نتمنى من الجميع المشاركه والتفاعل جزاكم الله خير الجزاء

غدا الساعة التاسعة مساءً

@FanHOSENE


نكمل معأ تكملة سيرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام


المذاهب والنحل

كانت أيام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام أيام نحل ومذاهب ، وآراء وأهواء ، وكلام وبحث ، وبدع وأضاليل ، وشبه وشكوك ، ونحن الآن نذكر أصول تلك الفرق والمذاهب موجزا ، جريا على السنن الذي درجنا فيه ، لأن التبسّط في البحث يخرجنا عن خطّة الكتاب ، وفي كتب الملل والنحل المعدّة لهذا الشأن بعض الاغناء.

اصول الفرق الإسلاميّة :

إنّ الأمّة الاسلاميّة قد افترقت ثلاث وسبعين فرقة كما أنبأ عن ذلك نبيّنا الصادق الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : ستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة ) ، وتلك من أعلام نبوّته وما أكثرها.

والذي نريد أن نبحث عنه في هذا الفصل هو ما كان من الفرق في عصر الصادق بارزا يعرف ، ونخصّ البحث في الأصول التي ترجع إليها الفرق المتشعّبة ، وقد نشير إلى بعض تلك الشعب بعد ذكر الأصل ، وذلك أقرب للقصد ، وأمسّ بالخطّة.

إن جميع أصول الفرق الاسلاميّة ، التي إليها المرجع والمآل أربعة : المرجئة ، المعتزلة ، الشيعة ، الخوارج ( فإن كلّ فرقة تنتمي إلى أحد هذه الأصول ، وأما الغلاة وإن رمتهم الفرق الأخرى بالكفر إلاّ أنهم أيضا من شعب هذه الأصول ـ ولو بزعمهم ـ فالكلام في هذه الأصول الأربعة عنوان البحث.

١ ـ المرجئة :

يمكننا أن نقول : إن المرجئة اليوم يقصد منها الأشاعرة فحسب ، وهم عامّة أهل السنّة في الاعتقاد في هذه الآونة ، إذ لم يبق على مذهب أهل الاعتزال في هذه الأزمنة أحد معروف.

كانت المرجئة قبل الأشعري فرقا متكثّرة ، وكلّها قسم من أهل السنّة المقابل للشيعة والخوارج ، غير أنه لمّا حدث مذهب الأشعري في الاعتقاد أصبح عنوان المرجئة عنوانا آخر لأهل السنّة ، أو للمذهب الأشعري بوجه عامّ ، قال الشهرستاني في الملل والنحل ) : « وقيل الارجاء تأخير علي عليه‌السلام عن الدرجة الأولى إلى الرابعة » انتهى. وهذا كما ترى هو ما عليه أهل السنّة أجمع.

وليس من قصدنا أن نبحث عن جهة اجتماع هذه العناوين في المذهب الأشعري أو افتراقها عنه ، وإنما القصد الأوّلي أن نعرف ما كان عليه المرجئة في ذلك اليوم ، وليس من شكّ بأن المرجئة في ذلك العهد كانت فرقا ومذاهب يجمعها قولهم بالاكتفاء في الايمان بالقول وإن لم يكن عمل ، حتّى لو ارتكب مدّعي الايمان من الجرائم والمآثم كلّ موبقة لما أخرجه ذلك عندهم عن ربقة

الايمان ، بل كان على ايمان جبرئيل وميكائيل ، ورجوا لهؤلاء مرتكبي الكبائر المغفرة ، ولعلّه من هنا سمّوا المرجئة أو من جهة أنّ الله تعالى أرجأ تعذيبهم ، من الارجاء ـ التأخير ـ أو لتأخيرهم عليّا عليه‌السلام عن الدرجة الأولى إلى الرابعة ، كما ينقله الشهرستاني.

إن أقصى ما يمكن استفادته في القول الجامع لفرق المرجئة هو ما أشرنا إليه ، وهو الذي تفيده كتب الفريقين ، التي تذكر اجتماع الفرق وافتراق النحل

نكمل لاحقا


نكمل معأ تكملة سيرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام

ما جناية أهل البيت؟

هتف القرآن المجيد بآيات كثيرة في شأن أهل البيت ، آمرا بمودّتهم مخبرا عن طهارتهم ، حاثّا على الاعتصام بهم ، حاضّا على طاعتهم ، معلنا عمّا لهم من جزيل الفضل وعظيم المنزلة.

وأتبعه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته كاشفا عمّا جمعه آله من الفضائل ، وحبوا به من المفاخر ، يوجب تارة طاعتهم واتّباعهم ، ويلزم أخرى بمودّتهم ويعطف طورا للقلوب عليهم ويستميل مرّة النفوس إليهم إلى ما سوى ذلك. 

وما كان ذلك إلاّ لسعادة الناس أنفسهم ليأخذوا الدين من أهله والعلم من معدنه ، فكان الحقّ على الناس احترامهم ، والانقطاع إليهم والانصراف عن غيرهم.

كان أهل البيت ـ أعني عليّا والزهراء وابنيهما وأبناء الحسين عليهم‌السلام ـ مثالا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شمائله وفضائله وخصاله وفعاله ، فمن أراد علم الرسول كانوا باب مدينته ، ومن أراد منطقه كانوا مظهر فصاحته وبلاغته ، ومن أراد خلقه وجدهم أمثلة سيرته ، ومن أراد دينه وجدهم مصابيح شريعته ،

نكمل لاحقا


نكمل معأ تكملة سيرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام

فصح القرآن الكريم معلنا بقوله : « وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن »  ويحدّثنا التفسير في سبب نزول هذه الآية الكريمة أنّ النبي رأى في المنام أنّ قردة تنزو على منبره فأعلمه جبرئيل أنهم بنو أميّة يتغلّبون على الأمر فيتنازعون على منبره وأنهم هم الشجرة الملعونة ، ثم انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستجمع ضاحكا بعد ذلك حتى مات .

وجاء في ذمّ بني أميّة والطعن فيهم كثير من التنزيل ، انظر الحاكم في حديث علي في قوله « وأحلّوا قومهم دار البوار » قال : هما الأفجران من قريش بنو أميّة وبنو المغيرة ، وتفسير ابن جرير في قوله : « وجاهدوا في الله حقّ جهاده » ) فإنه قال : إن الذين أمر تعالى بجهادهم مخزوم وأميّة  ، إلى غير ذلك.

ثمّ انّ الرسول الصادق الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتبع القرآن المجيد بقوله : اللهمّ العن بني أميّة قاطبة ، وبأمثال ذلك ، لا سيّما فيما يخصّ أبا سفيان وابنيه

يزيد ومعاوية ، ولا تنس ما جاء عنه في آل أبي العاص ولا سيّما في الحكم وابنه مروان. 

أترى لما ذا يمنح الكتاب المبين أهل البيت بذلك الثناء الجزيل ويذكر بني أميّة بذلك السوء والذمّ ، أيكيل العادل تعالى لأولئك المدح جزافا ، ولهؤلاء الذمّ اعتداء ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

نعم إنّ الطاعة هي التي تقرّب الخلق من الخالق ، وإنّ المعصية هي التي تبعد العبيد عن البارىء ، وإلاّ فانّ عباده لديه بالعطف واللطف وبالرحمة للمطيع وبالنقمة على العاصي شرع سواء ، فإنّه يدخل الجنّة من أطاعه وإن كان عبدا حبشيّا ، والنار من عصاه وإن كان سيّدا قرشيّا.

فما كان دنوّ أهل البيت من حظيرة القدس حتى منحهم تعالى بذلك الوسام الأرفع الذي لم يحظ به بشر سواهم إلاّ لتقواهم وامتثالهم لأوامره ، وما كان بعد بني أميّة عن ساحة الرحمة حتى صاروا الشجرة الملعونة في القرآن ، وحتى عمّتهم لعنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة ، وخصّت الكثير منهم اخرى ، مشفوعة بالدعاء عليهم ، إلاّ لعصيانهم لجبّار السموات والأرضين ، واستمرارهم على العصيان.

ولو لم يقرئنا التاريخ قدر تلك الطاعة ، التي كان عليها أهل البيت ومبلغ ذلك العصيان الذي استقام عليه الامويّون ، لكفى ذلك التقديس من الجليل في كتابه لأولئك ، وهذا الحظ من هؤلاء ، كاشفا عمّا عليه الآل من الطاعة

والانقياد ، وأميّة من التمرّد والابتعاد.

نكمل لاحقا


تبدء حياة الإمام جعفر الصادق عليه السلام

ا كان الوقوف على حياة هذا الامام يتطلّب درسا لشؤون الدولتين الامويّة والعبّاسيّة اللتين عاصرهما أبو عبد الله عليه‌السلام ، وموقف هاتين السلطتين من أهل البيت ، ومعرفة من هم أهل البيت ، ومعرفة ما كان في عهده من المذاهب والنحل ، وما رأته الناس في الإمامة ، حقّ أن نذكر هذه الشؤون في الطليعة ، فإن بها تعرف ما كان من حياته السياسيّة والعلميّة والاجتماعيّة ، والسبب الذي من أجله بثّ العلوم والمعارف ، وندب إلى الأخلاق والمحاسن وحثّ على التكتّم في نشر هذه الفضائل وكتمان نسبتها إلى أهل البيت ، كما منع أولياءهم عن إظهار الولاء لهم والاعلان في التردّد عليهم ، وهو ما نسمّيه بـ « التقيّة ».

فهذه الطليعة يكون القارئ على بصيرة من حياة هذا الامام قبل أن يستعرض تفاصيلها.

نكمل لاحقا


انتظروا نشر سيرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام قريباً


تمت سيرة الإمام محمد الباقر عليه السلام انتظرونا في سيرة الإمام جعفر الصادق عليه


نكمل معأ تكملة سيرة الإمام محمد الباقر عليه السلام

شهادته عليه‌السلام :

رغم ابتعاد الإمام الباقر ، ومن قبله أبوه الإمام السجّاد عليهما‌السلام ، عن كل ما يمت بصلة إلى السلطة ورموز بلاطها ، إلاّ أنّه يمثل بالنسبة للسلطات الأُمويّة هاجساً من الخوف المشوب بالغيرة والحقد ونصب العداء ، ويدخل ذلك ضمن الثقافة التي توارثها الأبناء عن الآباء من رجالات السلطة ، ذلك لأنّهم يدركون خطورة النشاط الذي يمارسه عليها ، لكونه مصدر الوعي الإسلامي الصحيح ورائد الحركة الاصلاحية في الأُمّة ، التي تكنّ له التبجيل والاحترام ، فعملت السلطة على تصفيته جسدياً ، ولجأت إلى سلاحها المعهود فاغتالته بالسم في زمان هشام بن عبد الملك ، الذي نقل أنّه كان شديد العداوة والعناد لأبي جعفر الباقر عليه‌السلام ولأهل بيته ). ولم تذكر الروايات تفاصيل أسباب دسّ السم إليه وكيفية شهادته.

ومهما يكن فإنّ بعض المصادر ذكرت أنّ سبب موته مرض ، بينما اكتفت بعض المصادر أنّ الإمام الباقر عليه‌السلام استُشهد مسموماً كأبيه ، ولم تذكر الذي باشر ذلك ، في حين ذكرت بعضها أنّ هشام بن عبد الملك هو الذي سمّه ، وذكرت أُخرى أنّ إبراهيم بن الوليد هو الذي سمّه ).

غير أنّ هناك رواية طويلة لأبي بصير عن أبي عبد اللّه الصادق عليه‌السلام ، جاء فيها أنّ سبب إقدام السلطة على قتل الإمام عليه‌السلام هو وشاية زيد بن الحسن إلى عبد الملك بن مروان ، وأنّه قال له حين دخل عليه : أتيتك من عند ساحر كذّاب لا يحلّ لك تركه ، وأنّ عنده سلاح رسول اللّه وسيفه ودرعه وخاتمه وعصاه وترِكته ، مما أثار حفيظة عبد الملك بن مروان ، وذلك لأنّ زيداً خاصم الإمام الباقر عليه‌السلام في ميراث رسول اللّه إلى القاضي ، ثمّ أنّ عبد الملك بعث بسرج إلى الإمام الباقر عليه‌السلام ، فلما أسرج له نزل متورّماً ، وعاش ثلاثاً ، ثم مضى إلى كرامة ربّه ).

وتقدّم أنّ الرواية تذكر الأحداث في زمان عبد الملك ، ولا يصحّ إلاّ بافتراض السقط والتحريف ، لتكون أجواء الرواية في أيام هشام بن عبد الملك.

وممّا يدلّ على إصرار هشام على قتل الإمام عليه‌السلام ، أنّه كتب إلى عامل المدينة بعد أن أشخص الإمام مع ولده الصادق عليهما‌السلام أن يحتال في سمّ أبي جعفر عليه‌السلام عند

عودته في طعام أو شراب ، فلم يتهيّأ له شيء من ذلك .

قال الشاعر :

هلم بنا نبكي على باقر العلم 

سليل النبي المصطفى الأُمّي 

على لذّة العيش العفا بعد ما قضى 

شهيداً بلا ذنب أتاه ولا جرم 

له طول حزني ما حييت وحرقتي 

ونوحي ولو أنّ البكا قد برى عظمي 

سقاه على رغم الوقى السمّ خفية 

هشام ردي الأب والجدّ والأُم 

عليه من الرحمن لعن مؤبّد 

بما سرّ من بغي وما سنّ من ظلم 


نكمل معأ تكملة سيرة الإمام محمد الباقر عليه السلام

تاريخ شهادته :

انتقل الإمام الباقر عليه‌السلام إلى رضوان بارئه بالحميمة من الشراة ، ثم نقل إلى بقيع المدينة يوم الإثنين ، السابع من ذي الحجة ، في ملك هشام بن عبد الملك ، سنة ١١٤ هـ ، وسنّه يومئذ سبع وخمسون سنة ، وهو المشهور عند غالبية المؤرخين والمحدثين ) ، والموافق لما قرّر في المشهور من تاريخ ولادته ، وما قدّر من عمره.

واختلفوا في تعيين اليوم والشهر والسنة التي توفّي فيها على أقوال عدة ، فقيل : الثالث أو السابع من ذيالحجة ، والثالث والعشرون من صفر ، والسابع من ربيع الأول أو من ربيع الآخر. وقيل في ذكر سنة وفاته : ١٠٥ و ١١٢ و ١١٣ و ١١٥ و ١١٦ و ١١٧ و ١١٨ و ١١٩ و ١٢٤ و ١٢٥ من الهجرة )

واختلف في الحاكم الذي توفي في زمانه ، فهناك أخبار تصرح بوفاة الإمام عليه‌السلام في زمان عبد الملك بن مروان (. وهو غريب ، لأن خلافة عبد الملك ابن مروان كانت من سنة ٦٥ إلى ٨٦ هـ ، ولم يقل أحد بهذا التاريخ ، بل الأخبار الصحيحة صرحت بوفاته سنة ١١٤ هـ ، أي بعد مضي نحو تسع سنين من أيام هشام بن عبد الملك ١٠٥ ـ ١٢٥ هـ. واستظهر العلاّمة المجلسي كونه هشام بن عبد الملك بن مروان ، فسقط اسم هشام من الرواة أو النساخ ، وبقي عبد الملك ابن مروان ).

وذكر الطبري أنه قبض في أول ملك إبراهيم بن الوليد ) ، وذكر القرماني وابن شهرآشوب عن أبي جعفر بن بابويه أنّه سمّه إبراهيم بن الوليد ).

وروى الطبري عن أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام ، أنّ سبب وفاته عليه‌السلام أنّ إبراهيم بن الوليد سمّه ).

وقال السيد بن طاوس في الزيارة الكبيرة : وضاعف العذاب على من

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرةسي

شرك في دمه ، وهو إبراهيم بن الوليد ).

فإذا كان الباقر عليه‌السلام قبض سنة ١١٤ هـ ، على المشهور ، فوفاته في ملك هشام ١٠٥ ـ ١٢٥ هـ ، لا في ملك إبراهيم الذي ولي وقتل سنة ١٢٧ هـ ، فهذا القول معارض بالمشهور ، إلاّ أن نقول أن إبراهيم بن الوليد قد نفذ هذه الجريمة العظمى في زمان هشام بن عبد الملك ، وبإشارة منه ، وليس في زمان ملك إبراهيم.

وذكر المسعودي أن وفاة أبي جعفر الباقر عليه‌السلام كانت أيام الوليد بن يزيد ١٢٥ هـ ، ثم قال : وقد تنوزع في ذلك ، فمن الناس من رأى أن وفاته كانت على أيام هشام بن عبد الملك ، وذلك سنة ١١٧ هـ ، ومن الناس من رأى أنه مات في أيام يزيد بن عبد الملك  ، وكانت أيام يزيد من سنة ١٠١ إلى ١٠٥ هـ

نكمل لاحقا


نكمل معأ تكملة سيرة الإمام محمد الباقر عليه السلام

١ ـ نافع بن الأزرق الخارجي :

للإمام الباقر عليه‌السلام على المستوى العقائدي مناظرة أفحم فيها نافع بن الأزرق. قال الشيخ المفيد : جاءت الأخبار أن نافع بن الأزرق جاء إلى محمد بن علي عليهما‌السلام ، فجلس بين يديه ، فسأله عن مسائل في الحلال والحرام ، فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : «قل لهذه المارقة بم استحللتم فراق أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته والقربة إلى اللّه بنصرته؟! فسيقولون لك : إنّه حكّم في دين اللّه ، فقل لهم : قد حكّم اللّه تعالى في شريعة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلين من خلقه فقال تعالى : «فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِن يُّرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا»  وحكّم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سعد بن
معاذ في بني قريظة ، فحكم فيهم بما أمضاه اللّه.

أو ما علمتم أن أمير المؤمنين عليه‌السلام إنّما أمر الحكمين أن يحكما بالقرآن ولا يتعدّياه ، واشترط ردّ ما خالف القرآن من أحكام الرجال ، وقال حين قالوا له : حكمت على نفسك من حكم عليك. فقال : ما حكّمت مخلوقاً ، وإنّما حكّمت كتاب اللّه ، فأين تجد المارقة تضليل من أمر بالحكم بالقرآن واشترط رد ما خالفه؟! لولا ارتكابهم في بدعتهم البهتان. فقال نافع بن الأزرق : هذا كلام ما مر بسمعي قط ، ولا خطر مني ببال ، وهو الحقّ إن شاء اللّه» ).

نكمل لاحقا

20 last posts shown.

536

subscribers
Channel statistics