أخلع عليًا كما أخلع هذا الخاتم، وعندها قام عمرو بن العاص بخيانة أبي موسى وقال إني أثبت معاوية كما ألبس هذا الخاتم في إصبعي، ثم قام الأول بنعت الثاني بالكلب، فقام الثاني بنعت الأول بالحمار. . . انتهت الرواية! أقول أنا: إن هذه الرواية وإن كانت قد وردت بالفعل في أهم كتاب للتاريخ الإسلامي "تاريخ الطبري" إلّا أن هذه الرواية لا تصح سندًا ولا متنًا، والسند هو التسلسل البشري للرواة من الراوي الأول وحتى الراوي الذي كتب الرواية، أما المتن فهو القصة نفسها، والحقيقة أن الطبري رحمه اللَّه أكد في بداية كتابه أنه لم يدون في كتابه الروايات الصحيحة فقط، بل قام بتدوين كل الروايات، الصحيحة منها والمكذوبة، تاركًا مهمة تصحيحها لفرسان التاريخ من بعده، غير أن الطبري جزاه اللَّه كل خير قام بتدوين سند كل رواية بكل دقة، ورواية التحكيم تلك بها راوٍ يُسمى بأبي مخنف لوط بن يحيى، وأبو مخنف هذا شيعي رافضي كذاب طعن به كل الرواة فقال عنه ابن عساكر: رافضي ليس بثقة، وقال عنه ابن حجر: إخباري تالف لا يوثق به، ووصفه ابن معين بقوله: ليس بشيء كذاب ساقط! إذًا فالرواية لا تصح أبدًا من ناحية السند، أمّا متن الرواية فقد صيغ بطريقة غبية تبين حماقة واضعها، فمعاوية لم يكن خليفة أصلًا لكي يعزله عمرو! بل إن موضوع الخلافة لم يكن في الحسبان أساسًا في صراع علي ومعاوية -رضي اللَّه عنهما-، وإنما كان الخلاف بينهما على كيفية الثأر لابن عم معاوية عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه وأرضاه من المنافقين الذين قتلوه غدرًا، فكان علي يرى أن الوقت لم يكن مناسبًا لقتل أولئك الخونة في الحين واللحظة، بينما كان معاوية يرى أنه يجب القضاء على جيش الخونة في العراق، ثم إن هذه الرواية الحمقاء لا تحتاج لأكثر من إدراك طفل تخرج قريبًا من الحضانة ليعرف أن سبَّ الآخرين ونعتهم بالكلب والحمار لا يصدر إلّا من أطفال قليلي الأدب خرجوا من بيت تنعدم فيه الأخلاق، وأبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص صحابيان جليلان خرجا من بيت أعظم مربٍ في التاريخ، خرجا من بيت محمد بن عبد اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. أما الرواية الكاذبة الأخرى فهي رواية: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا). والتي يرددها كثير منّا مفتخرًا بعدل عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-! هذه الرواية رواية باطلة، وأكررها بملء فمي، هذه رواية باطلة سندًا ومتنًا، ليس لأن عمر بن الخطاب كان ظالمًا يستعبد الناس، بل لأن هذه الرواية تقصد الإساءة لعمرو بن العاص أكثر من مدح عمر بن الخطاب، فهذه الرواية تزعم أن ابنًا لعمرو ابن العاص ضرب أحد المصريين، فشكاه ذلك المصري للخليفة عمر بن الخطاب، فقام عمر بمعاقبة عمرو بن العاص وابنه معًا ثم قال لعمرو: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟ انتهت هذه الرواية الخبيثة. أقول أنا: هذه القصة منقطعة السند وسندها واهٍ، ويظهر هذا الانقطاع في السند حيث ذكرها ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" هـ 290 بقوله: (حُدثَنا) بصيغة المبني للمجهول، وهذا ما ينسف هذه الرواية الكاذبة نسفًا، ثم إن متن هذه الرواية لا يقل غباءً عن الرواية السابقة، فمنذ متى كان عمر يأخذ الحق من والد المخطئ وهو يعلم أنه لا تزر وازرة وزر أخرى؟! إذًا هذه رواية باطلة قصُد منها تشويه صورة عمرو بن العاص وأبنائه بالتحديد، وذلك لأن ابنًا من أبناء عمرو يدعى عبد اللَّه بن عمرو بن العاص كان أول من كتب أحاديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ودوّن سنته، فإذا زرع غزاة التاريخ مثل هذه الروايات عن أبناء عمرو بن العاص، سقطت إذًا السنة وسقط الإسلام بعدها! ولكن ما الذي جعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص؟ وما سر هذا الإيمان العميق الذي امتلأ به قلب بطلنا العظيم من لحظة إسلامه الأولى؟ ومن هو ذلك الرجل الغامض الذي أسلم على يديه عمرو بن العاص؟ وكيف خرج هذا الرجل من أدغال أفريقيا لينسج خيوط علاقة روحانية أشبه بالخيال بينه وبين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الرغم من أنهما لم يتقابلا أبدًا وجهًا لوجه؟!
يتبع. . . . .
#عمرو_بن_العاص
#جهاد_الترباني
#العظماء_المائة
يتبع. . . . .
#عمرو_بن_العاص
#جهاد_الترباني
#العظماء_المائة